قضايا وآراء

موقف الحكام العرب من ثورات الشعوب العربية

عبد الله الأشعل
1300x600
1300x600
من الطبيعي أن الحاكم العربي يمتعض من مطالبة شعبه بأن يكون له حقوق وفقا للقانون، وأن يكون مواطنا وليس رعية، لأن التقاليد السياسية في المنطقة العربية استقرت على أن الحكام ومن يتبعهم في مرتبة والشعوب في مرتبة أخرى، وأن عطايا الحاكم للشعب من الفضائل مادام هو السيد الأعلى، وأنه يملك ويحكم، وأنه هو الذي يضع القانون للرعايا ولا يملك أحد أن يطبقه عليه ولا يخضع للمحاسبة من أي نوع ويظل منذ توليه السلطة بطريقة لا علاقة للشعب بها حتى يتوفاه الله في منصبه.

ولا تختلف النظم الملكية عن النظم الجمهورية في ذلك سوى في أن النظم الملكية لديها بعض النماذج التي تترك للحكومة الهامش المحدد من الحرية دون أن تمس صلب هذه النظرية. لهذا السبب يقف الحكام العرب من الديمقراطية موقفا معاديا لأنها تعني ببساطة أن الشعب له إرادة، وأنه يختار الحاكم، وأنه بالتالي يملك سلطة عزله وبالديمقراطية ينشأ مبدأ المحاسبة والرقابة وتوزيع السلطة والشعب من وراء المؤسسات حارس ومحاسب وفقا للدستور يرغم الحاكم قبل المواطن على احترامه.

وبالديمقراطية ينشأ النظام السياسي، وهو المؤسسات وفقا للدستور فيتم الفصل بين السلطات وفقا للدستور ويستقل القضاء عن السلطتين التنفيذية والتشريعية، ولذلك يستحيل التأثير على القاضي كما يستحيل أن تجتمع السلطات في يد الحاكم مهما كان محبوبا ويظل الحاكم في النظام الديمقراطي حتى لو كان نظاما ملكيا خادما للشعب الذي تستقر عنده السيادة.

هذا النموذج يحاربه الحكام العرب لأنه يجفف الفساد بكل أنواعه ويحقق العلاقة المباشرة بين المواطن والوطن وتصبح الدولة هي المعبرة عن الوطن وهي الدائمة، وأما النظام فيقاس وضعه وكفاءته بمقدار خدمته وأدائه لوظائفه اتجاه المجتمع والدولة.

ولما كان النظام الديمقراطي اختراعا غربيا فمن الطبيعي أن يمارس الغرب النفاق، فيحرص على الديمقراطية لمواطنيه كما يحرص على الدكتاتورية للشعوب العربية، بل ينشأ حلف بين الغرب وبين الحكام العرب يؤدي إلى تمكين هؤلاء الحكام من طريقتهم المستبدة وإبعاد الشعوب العربية عن السلطة. 

وفي نفس الوقت، لا يمل الغرب من الحديث عن حقوق الإنسان التي اخترعت خصيصا للدول المتخلفة، وهي لا تعني شيئا مادام الغرب يضن على المواطن العربي بصفة الإنسان ثم يشكو الغرب من آثار التحالف الآثم، وهو تغول الحاكم المستبد على شعبه فيهاجر الشعب مضطرا إلى الغرب ويلتحق بجماعات العنف المسلح التي يوفر الغرب لها السلاح والفرص مادامت تمارس الإرهاب خارج أراضيه.

هذا الفارق بين الحاكم العربي وبين الشعب وبين النظام والوطن في العالم العربي، وتراكم المظالم والقهر لدى الشعوب واستمرار التحالف الغربي والنفاق الغربي وانسداد الأمل لدى الشعوب العربية في أي مستقبل هو الذي أدى إلى أن الشعوب العربية ثارت ضد جلاديها ثورة سلمية حضارية أملا منها أن يفهم الحاكم العربي أنه لا يمثلها، وأنها مصرة على أن تتحدث عن نفسها، ولم تسلك سلوك الثورة الإيرانية التي كفرت بالدولة القديمة، فنصبت المشانق للقيادات العسكرية والأمنية التي كانت ذراع الشاة وسلاحه الذي يموله الشعب لقتل الشعب والقضاء عليه، فأنشأت خلقا جديدا وأدركت في البداية أن القلة الحاكمة قد أجرمت بما فيه الكفاية، وأنها لا يمكن أن تندمج في النظام الجديد، لأنها أدمنت الفساد والقهر والقتل ونهب أموال الشعب، ولذلك فإن الغرب والحكام العرب يكرهون إيران الحالية التي أقامت دولة جديدة بالثورة العنيفة ردا على دموية النظام، والدليل هو أن الحكام العرب جميعا إلا قليلا كانوا أصدقاء إيران الشاه، ولكن إيران الثورة صارت خطرا عليهم وعلى الغرب المتحالف معهم، بل إن هذه الثورة قد لمست جرحا عميقا لديهم وهو معادة إسرائيل وصار الحكام حلفاء إسرائيل على حساب الفلسطينيين ضد النموذج الإيراني الذي يهدد عروشهم وأنفقوا كل غال ورخيص في معركة البقاء رغم أن الحل ميسور وهو إصلاح العلاقة مع شعوبهم والاعتصام بالعدل معهم والتزود بأوراق القوة الحضارية في العلاقات الدولية والتي تملكها إيران .

النقطة الثالثة، هي أن الجامعة العربية هي النادي الذي يجمع الحكام العرب، ولذلك كان طبيعيا أن تنحاز الجامعة إلى صاحب القرار فيها وهو الحاكم العربي فاتسعت الهوة بين الفريقين، فريق الحكام عموما في إطار الجامعة العربية وفريق الشعوب عموما الذي لا يمثله أحد.

وفي ضوء هذه الحقيقة وفي إطار هذه الصورة كان طبيعيا أن يحاول النظام القديم بمساعدة الحكام العرب أن يقمع ثورات الشعوب وقد أعد لكل دولة طريقة تُقمع بها الثورة، ثم تمكنت القوة المضادة للثورة والموالية للحاكم العربي من أن تستقر بعد قهر الثوار الذين هم عموم الشعب، وأن يستعين النظام القديم عافيته، وأن يستفيد النظام الجديد ويحصل على ثمن الإنقاذ.

وقد ظن الحكام العرب ومعهم جامعتهم أنهم كسبوا الحرب بين الحاكم والشعب في معركة تاريخية قادتها القوة المضادة مدعومة بإسرائيل في داخل كل دولة وعلى مستوى الدول العربية فبدأ الهجوم على الثورات واتهمها بأحط الأوصاف واعتبار شهدائها قتلى في معركة ومؤامرة ضد الأسياد علما بأن النظام هو الذي قتل هؤلاء، وهم يعلنون رفضهم له، ولذلك كان طبيعيا أن يفلت رموز النظام في مصر من أي عقاب مادام تجريمهم قد بنى على افتراض أن قتلهم للناس جريمة فلما صار قتلهم للناس بطولة ودفاعا عن الشرعية المزيفة انتفى تجريم الفعل. 

بل إن لصوص النظام ورموزه الذين سرقوا أموال الشعب وخانوا الأمانة في ظل سلطة مطلقا ليس عليها أي ضوابط قانونية أو أخلاقية أو دينية يبتدعون فكرة التصالح أي أن اللص القديم يتصالح مع اللص الجديد ويتفق الاثنان على اقتسام أموال الشعب ومعنى التصالح أن سرقة المال العام لم تعد جريمة، وأن اللص القديم يدفع جزءا مما سرقه للص الجديد الذي أمسك به مكافأة له على إفلاته من العقاب، والطبيعي أن السرقة في ذاتها جريمة ومن توابع العقوبة رد المسروق إلى صاحبه، وهو الشعب.

فهل قامت الشعوب العربية بثوراتها التي تطالب بالتغيير بطريقة سلمية ضد النظم الصالحة والديمقراطية أم ضد نظم فاجرة ومستبدة؟ وهل شعاراتها ليست مشروعة ومن يحاكم من :الحاكم الفاسد الذى استمرأ الفساد والظلم فاضطر شعبه إلى الانفجار أم الشعب الذي اكتفى بإعلان رغبته في الثورة لتغيير الحاكم؟

وهل يعتقد حكام العالم العربي أنهم أمنوا لتحالفهم مع الغرب وقهروا ثورات شعوبهم واستقرت لهم الأمور حتى يجاهروا بعدائهم لهذه الثورات بدلا من أن يحمدوا الله بأن الشعب المظلوم طالب سلميا بتغيير الحاكم بعد أن يئس من الأمل في أن يصلح الحاكم نفسه ما أفسده. وكان جديرا بالحكام العرب أن يخصصوا وقتا في جلساتهم فيسجدون لله ويعلنون التوبة عما فرطوا في جنب الله ضد شعوبهم، وأن يعتذروا للشعوب العربية، وأن يفكوا تحالفهم مع السرطان الصهيوني الذي يدفعهم إلى الهلاك.

بعد قمة البحر الميت لم يعد هناك أمل لدى الشعوب العربية في التغيير السلمي بعد هذه التجربة المريرة، وأظن أن نموذج الثورة الإسلامية في إيران هو الذي ترك أمامهم، وقد كان الشاه مدعوما أكثر منهم من جانب إسرائيل والولايات المتحدة ومع ذلك اقتلعته الثورة العنيفة، ولو كانت ثورة سلمية لصار الشاه بين الحكام العرب اليوم، فلماذا يصر الحكام العرب على تحدي الشعوب في حرب مفتوحة ليست بالقطع لصالحهم على المدى البعيد؟

ومن الطبيعي ألا ينسحب المقال علي كل الحكام العرب وبعضهم كان منصفا فاستجاب لمطالب شعبه، وآمل أن يراجع الآخرون مواقفهم فقد ضنت أمريكا على الشاه إيواءه وهو في مرض الموت.

وأخيراً أرجو أن يتفهم الحكام العرب هذه النصيحة وأن يعودوا إلى شعوبهم، وأن يحترموا الدستور والقانون، وأن يتمسكوا بحق المواطنة وأن يعلموا أن العولمة قد راكمت خطاياهم عند الشعوب والغرب، وأن أسرارهم على طريقتهم القديمة قبل العولمة فيها الكثير من الجسارة والجور على مستقبلهم، فالغرب من مصلحته أن يتعامل مع نظم ديمقراطية في المستقبل وإلا قضى عليه الإرهاب الذي صنعه قهر الحكام العرب. 
1
التعليقات (1)
طوني
الثلاثاء، 11-04-2017 05:26 م
الإرهاب لم يصنعه إلا قهر الحكّام العرب , في سوريا و من ثار ضد نظام الأسد لم يتحول إلى متطرف إلى اليوم, ترى السوريين يعانون ما لم نقرأه بكتب التاريخ عن معاناة البشر و لكنهم متمسكون بأحلامهم و مبادئهم, <br>الإرهاب هو صنيعة الأنظمة العربية , داعش هي شركة مساهمة صنيعة المخابرات العربية لكل حاكم عربي فيها أسهم , لا يوجد في الغرب أئمة و دور عبادة تصنع الجهادين كتلك الموجودة في الدول العربية و سجونها .
أحمد
الإثنين، 10-04-2017 11:42 ص
الحكام لا يفهمون هذه اللغة ولا يستوعبونها، بالضبط كأن سمكة تشرح لطائر النورس معاناة التنفس عن طريق الخياشيم! شئ لا يستطيع الحكام أن يفهموه فضلًا عن أن يستوعبوه أو يتصوروه، فضلًا عن أنهم مستبدين بالمال والقرار هم عملاء والدول التي نعيش فيها هي في الواقع ليست دولنا والنظم ليست نظمنا فما أنشأت هذه الدول التي بعضها لم يكن موجودًا بالأساس إلا بعد 1916 حينها أُنشئ هذا النظام الدولي المبني على أسس قومية وطنية تصطدم اصطداما تامًا مع مبادئ الشعوب العربية، وبالمقابل لها استحدثت الدول التي نعيش فيها لضمان قمع الشعب وبقاء النظام العربي السياسي تحت هيمنة النظام الدولي