كتاب عربي 21

ويسألونك عن "الأمور المستعجلة"!

سليم عزوز
1300x600
1300x600
لا يبدو غريبا أن تتطاول محكمة القاهرة للأمور المستعجلة على حكم لواحدة من المحاكم العليا في مصر، ولكن الغريب هو في حرص السلطة الانقلابية على التفريط في التراب الوطني، وإسباغ مشروعية على عمل من أعمال الخيانة الوطنية، حيث رتب قانون العقوبات عقوبة الإعدام على المساس بسلامة البلاد أو وحدتها أو سلامة أرضيها، على النحو الوارد في المادة (77) منه!

فمحكمة الأمور المستعجلة دأبت على ذلك، منذ أيام الرئيس المخلوع، وكانت الباب الخلفي لوقف الأحكام واجبة النفاذ من مجلس الدولة، وهو الأمر الذي يعد مخالفا للقانون، إذ لا يجوز الطعن في أحكام القضاء الإداري أمام القضاء العادي، كما لا يجوز لمحكمة أدنى، أن تتطاول على مقام محكمة أعلى، والمحكمة الإدارية العليا في مقام محكمة الاستئناف، في حين أن الإدارة العليا تشابها في الدرجة محكمة النقض!

وقد ضج قضاء مجلس الدولة، من سلوك دولة مبارك بإهدار حجية أحكام القضاء الإداري، عبر محكمة القاهرة للأمور المستعجلة، المعروفة إعلاميا بمحكمة "عابدين"، وقد صدر حكم من القضاء الإداري يلزم وزير العدل بإصدار تعليماته لقلم محضري المحكمة بعدم قبول دعاوي الطعن ابتداء في أحكامه أمام القضاء العادي، احتراما لحجية هذه الأحكام، لكن وزير العدل في دولة اللا قانون، لم يلتف إلى هذا الحكم، لأنه معناه أن يتم حمل نظام الحكم على الالتزام بأحكام قضائية لا يراد الالتزام بها، أو الانصياع لها، أو احترام حجيتها!

وقد أكدت المحكمة الإدارية العليا، ما أكدته محكمة النقض، والمحكمة الدستورية العليا، في أحكام متواترة من أن الجهة الوحيدة التي توقف تنفيذ أحكام محكمة القضاء الإداري في الشق المستعجل، هي فقط دائرة فحص الطعون بمجلس الدولة، فلهذه الدائرة أن تقضي بذلك إذا رأت مخالفة الحكم للقانون ويحقق تنفيذه أخطارا يتعذر تداركها، وهو وقف مؤقت، إلى حين الفصل في الحكم أمام المحكمة العليا بمجلس الدولة!

ولم تكن المحاكم الثلاث (النقض، والإدارية العليا، والدستورية العليا) تخترع العجلة، فقد كانت فقط تردد ما جاء في قانون مجلس الدولة، وعندما قامت ثورة يناير كان التصرف الحكومي هذا يتغنى به الركبان، وقد احتشد محامو هيئة قضايا الدولة الذين كانوا يقومون بهذه الطعون المنعدمة وسيئة السمعة، واستغلوا الجو الثوري في الإعلان أمام رئاستهم بأنهم سيتوقفون عن ذلك، وهو ما وافقتهم عليه هذه الرئاسة، فقد جعلت هذه الطعون من هذه الهيئة القضائية، محل عدم رضا من الشعب المصري عليها، ومثل طعنا في الاستقامة القانونية لأعضائها!

وكان طبيعيا بعد هذا أن ينص دستور الثورة في عهد الرئيس محمد مرسي، على عدم جواز الطعن في أحكام القضاء الإداري (مجلس الدولة) أمام القضاء العادي، وإذا كان الدستور الحالي الصادر في عهد الانقلاب قد تأثر في بعض نصوصه بهذا الدستور، فقد تأثر بهذا النص، وجاءت المادة (190) منه تنص على أن "مجلس الدولة جهة قضائية مختصة دون غيره في المنازعات الإدارية ومنازعات التنفيذ المتعلقة بجميع أحكامه"!

وهو نص يجعل من الحكم الذي صدر من محكمة "عابدين" أمس فيما يختص بجزيرتي "تيران وصنافير" قد تخلق في رحم البطلان وانحدر لمستوى الانعدام ليصبح هو والعدم سواء، فلم يأت فقط متطاولاً على نصوص القانون وعلى أحكام المحاكم الأعلى في مصر، ولكنه أهدر نصاً دستورياً واضحاً، ومثل إهانة للدستور الذي يعد القانون الأعلى!

الجديد إذن في حكم أمس الأحد (2 أبريل) هو أن "الأمور المستعجلة" في زمن مبارك كانت تتطاول على أحكام القضاء الإداري في الشق المستعجل، فتطاولت أمس على حكم المحكمة الإدارية العليا، وهى ليست أكثر من محكمة ابتدائية، يقوم عليها قضاة مبتدئون، وهو حكم يستهدف "منازعة" في الاختصاص بطريق الافتعال، تمكن عبد الفتاح السيسي من اللجوء إلى المحكمة الدستورية العليا، وفي ظل التعديل الجديد الذي منحه سلطة اختيار رؤساء الهيئات القضائية، فإن المذكور يكون قد ضمن الحكم بشرعنة التنازل عن الأرض المصرية، وهذا هو بيت القصيد!

فقد أراد قائد الانقلاب العسكري، أن يقدم بهذا الحكم المنعدم "عربون محبة" للكيان الإسرائيلي، عشية الموعد المضروب للسيسي للقاء ترامب، فمن الخطأ بمكان تصوير التنازل عن جزيرتي "تيران وصنافير"، أنه مقابل "ثمن" دفع له من قبل المملكة العربية السعودية، فهذا التنازل هو لصالح "الكيان" وحتى تتحول المياه إلى مياه دولية لا تملك مصر قراراً بشأنها، فإسرائيل تتحرك بعقدة قرار جمال عبد الناصر بإغلاق المضايق، والسيسي جاء لحماية أمنها القومي!

ولهذا فالسيسي يناضل من أجل تمكينه من التفريط في التراب الوطني، وتسليم الجزر للعربية السعودية، وعندما قلت إنه يفتعل منازعة في الاختصاص، فلأن طالب السنة الأولى بكلية الحقوق (الترم الأول) يعلم، أن من شروط "منازعة الاختصاص" أن يكون الحكمان المتعارضان تم الفصل فيهما بشكل نهائي، وهو يقوم بشأن تنفيذ حكمين نهائيين متناقضين، وإذا كان حكم المحكمة الإدارية العليا نهائياً وباتاً، فإن هناك مرحلتين قضائيتين للوصول إلى هذه النقطة أمام القضاء العادي، الأولى أمام محكمة الاستئناف، والمرحلة الثانية أمام محكمة النقض

 ومن هنا نزعم أن حكم "الأمور المستعجلة" لا يعول عليه البتة، لأنه صدر أولاً لإلغاء حكم لمحكمة عليا، وقانونا فإن الطعن سواء أمام الاستئناف أو النقض لا يتعرض، ولا يجوز له أن يتعرض، لموضوع الحكم الذي أصدرته الإدارية العليا ببطلان التنازل عن "تيران وصنافير"، فالطعن يدور حول جواز تطاول "الأمور المستعجلة" على اختصاص القضاء الإداري وعلى مقام المحكمة الإدارية العليا!
ألا شاهت الوجوه.. ألا شاهت الوجوه!
0
التعليقات (0)