مقالات مختارة

سُلطة العار تُحاكم الثوَّار!

حسين لقرع
1300x600
1300x600
تعيش الضفة الغربية منذ أيام غليانا غير مسبوق؛ فلأول مرة يثور آلاف الفلسطينيين على السلطة ويطالبون برحيلها، ويرفعون شعارات تندّد بـ"التنسيق الأمني" مع الكيان الصهيوني، وينادون بإسقاط الخيار السلمي الذليل والعودة إلى حمل السلاح.

ثورة الفلسطينيين جاءت بعد أن قامت السلطة بإطلاق سراح باسل الأعرج وأربعة من رفاقه المقاومين الذين كانوا معتقلين في سجونها، وبعد أيام تمكَّنت قواتُ الاحتلال الصهيونية من معرفة مخابئهم فقتلت الأعرج واعتقلت رفاقَه، وهو ما اعتبره الفلسطينيون ثمرة مُرّة لـ"التنسيق الأمني" مع الاحتلال، والأدهى من ذلك أن السلطة حاكمت الشهيد ورفاقَه المعتقلين لدى الصهاينة، دون أدنى خجل، بـ"تهمة" مقاومة الاحتلال! وحينما احتجّ بعض الفلسطينيين على هذه الخطوة الاستفزازية، قامت الشرطة الفلسطينية بإشباعهم ضربا وتنكيلا!

المفارقة أن إصرار السلطة على مواصلة "التنسيق الأمني" مع الاحتلال، جاء في وقت نفض فيه يديه تماما من "حلّ الدولتين"، وأعلن قادتُه أن البديل هو "دولة فلسطينية" على أراضي غزة وجزء من سيناء، على أن يُرحّل إليها فلسطينيو 1948 أيضا حتى تقوم دولةٌ خالصة لليهود في فلسطين! 

ومادام الأمر قد وصل إلى هذه النتيجة بعد 23 سنة من المفاوضات الماراطونية العبثية واللهث وراء سراب "السلام" المزعوم، فإن ما يحيّر الفلسطينيين هو: لماذا تصرّ السلطة إذن على مواصلة "التنسيق الأمني" مع الصهاينة ضد المقاومة؟ ما هو المقابل الذي تنتظره من الاحتلال نظير هذه "الخدمات الأمنية الجليلة" وقد أعلن الاحتلالُ بوضوح أنْ لا دولة فلسطينية على حدود 4 جوان 1967؟! 

لقد حزّ في نفوس الفلسطينيين أن يروا سلطة تدمن خدمةَ الاحتلال ومستوطنيه، وتحارب المقاومة دون هوادة، وتحاكم شهيدا بطلا تصدّى للعدوّ الصهيوني ببسالة طيلة ساعتين ورفض الاستسلام إلى أنْ أستشهد، وهي بهذه الخطوة تتشفى في الشهيد وتُمعِن في التنكيل بالمقاومة ومعاداتها، لذلك خرجوا غاضبين كالموج الهادر في رام الله وهم ينادون: "سلطة العار تحاكم الثوار"، و"سلطتنا سلطة جواسيس"، و"لا سلمية لا بطيخ، بدّنا رصاص وصواريخ"... ويطالبون محمود عباس والسلطة بالرحيل.

لقد تأكد الفلسطينيون أخيرا أن ثورة الشهيد ياسر عرفات على استهتار الاحتلال وعودته إلى صفّ المقاومة منذ سبتمبر 2000 إلى غاية استشهاده في نوفمبر 2004، لن تتكرّر مع عباس حتى وإن جهرَ الصهاينة برفض "حلّ الدولتين" وأمعنوا في عجرفتهم واستعلائهم واحتقارهم للفلسطينيين، فهو لن يقطع "التنسيق الأمني" مع الاحتلال مهما حدث، ولن ينتهج خيارا آخر غير الاستمرار في استجداء "السلام"، وقد لا يتورّع عن قبول فكرة "السلام الإقليمي" التي يطبخها الكيان الصهيوني و"حلفاؤه" العرب لمنح الفلسطينيين أرضا غير أرضهم التاريخية ليقيموا عليها دولة منزوعة السلاح.. لذلك قرروا فيما يبدو، أن يشرعوا في التحرّك قبل فوات الأوان ويطالبوا -للمرة الأولى منذ اتفاق أوسلو- بسقوط السلطة الفلسطينية؛ فلا مقاومةَ يمكن أن تنجح مع الاحتلال وهو يحظى بتخنْدُق السلطة معه، ولا بدَّ من إزالة هذه العقبة أولا، لذا نعتقد أن مظاهرات الأيام الأخيرة في رام الله هي إرهاصات انتفاضة شعبية مرتقبة ستَّتجه هذه المرة إلى السلطة الفلسطينية قبل الاحتلال.

"الشروق" الجزائرية
0
التعليقات (0)