ملفات وتقارير

ماذا تحقق للثورة السورية من تأويلات الملاحم والمبشرات؟

أرشيفية
أرشيفية
اعتبرت اتجاهات وشخصيات إسلامية الثورة السورية، التي تحل ذكراها السادسة هذه الأيام، إحدى مقدمات وإرهاصات حصول النصر والتمكين لإقامة الدولة الإسلامية المنشودة، وفقا لكتابات منشورة.

وتعلقت بعض اتجاهات السلفية الجهادية وغيرها بأحاديث الملاحم والفتن الواردة في بلاد الشام، ورأت أن هذا هو أوان تحققها، فاستبشرت بذلك خيرا عظيما، وعولت على تلك الأحاديث المبشرة بنصر طائفة المؤمنين، والتمكين لها في أرض الشام.

لكن معطيات الواقع تنذر بتراجع حضور الفعل الثوري على الساحة السورية، وخسارة فصائل المعارضة السورية المسلحة لقدر من مكتسباتها في تحرير مدن وقرى وأرياف في مناطق مختلفة من الجغرافيا السورية، لأسباب ذاتية، وأخرى إقليمية ودولية، بحسب مراقبين ومحللين معنيين بالشأن السوري.

على ماذا بنت تلك الاتجاهات والشخصيات رؤيتها الوثوقية بأن الثورة السورية مقدمة بين يدي أحاديث الملاحم والفتن الواردة في بلاد الشام؟ وبوجه عام، لماذا يندفع "المتدينون" في إنزال تلك الأحاديث على وقائع معينة، ثم تخيب توقعاتهم في غالب الأحيان؟ وما هي الآثار السلبية والعكسية المترتبة على تلك القراءات المتعجلة والتأويلات الفاسدة؟

تفسيرات وتحليلات

في تفسيره لتلك التوجهات، رأى الناشط السوري صالح الحموي، صاحب حساب "أس الصراع في الشام"، على تويتر، أن الإنصاف يقتضي القول بأن "تنظيم الدولة الإسلامية فقط هو من أنزل تلك الأحاديث على الثورة السورية". 

وتابع الحموي لـ"عربي21": "أما الاتجاهات والفصائل الإسلامية الأخرى، فتعلقت بنصوص عامة تتحدث عن فضل المكان وبركته، (تكفل الله بالشام وأهله.. صفوة الله من أرضه الشام.. وفسطاط المسلمين يوم الملحمة بالغوطة إلى جانب مدينة يقال لها دمشق من خير مدائن الشام".

من جانبه، وصف المدرس بقسم الحديث وعلومه بكلية أصول الدين في جامعة الأزهر، الدكتور إيهاب أبو عمر، نزوع المتدينين بوجه عام إلى ربط الأحداث بأحاديث الفتن والملاحم، بالأمر الطبيعي؛ لأن المتدينين بطبيعة حالهم يميلون إلى ربط الأحداث التي تدور حولهم بالشرع، وهذا في حد ذاته لا بأس به، بل هو مطلوب، على حد قوله.

وأضاف محذرا: "لكن فهم النص على غير وجهه، ومن غير أهل الاختصاص، هو ما يؤدي إلى الخطر"، ذاكرا ورود أحاديث كثيرة في فضل بلاد الشام، خاصة في الفتن والملاحم ونهاية الدنيا، ومع ما يجري هناك من أحداث، مع وجود المتدينين كجزء رئيسي من الأحداث، فهم يحاولون فهم الأحداث وفق ما ورد في نصوص شرعية". 

وتابع: "إلا إن كثيرا منهم ينقصه العلم الشرعي الحقيقي، ومنه كيفية إنزال النص وإسقاطه على الأحداث الجارية، وهذا من أخطر الفهوم؛ لأن إسقاط النص الشرعي على حدث بعينه، والقول بأن هذا هو مراد الشارع بعينه، أمر خطير جدا، ولا يتجرأ عليه إلا من ركب المخاطر".

وقال أبو عمر لـ"عربي21" إن "سنن الله لا تحابي أحدا، متدينا أم غير ذلك، فهي تسري على الجميع، ومن حقق شروط النصر ظفر به. وعلى العموم، فالمعارك بين الحق والباطل تطول دائما، ولا يظهر ما فيها من مبشرات أو خوارق إلا بعد انقضائها. أما أثناء المعركة، فلا يستطيع أحد أن يفسر الحدث وفق نص أو غيره، وإنما يتعامل الناس مع الحدث على ما هو عليه، ثم بعد انتهائه تأتي التأويلات". 

وفيما يخص ما يحدث في سوريا، ذكر أبو عمر أنه ربما "تسفر النهايات عن أمور غير متوقعة، لم يرها أهلها أثناء الأحداث، ولم يتفطنوا لها، وإنما هي من لطف الله تعالى، ومصداقا لقوله سبحانه: (ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض).

تخوفات وتحذيرات

في السياق ذاته، قال أستاذ الشريعة الإسلامية في جامعة الإمام محمد بن سعود، الدكتور سعود الفنيسان، إن "إنزال أحاديث الفتن والملاحم على ما وقع أو يقع في زمن ما أو بلد ما لا يجوز، لعدة أمور".

وذكر الفنيسان منها: "أكثر تلك الأحاديث لا تصح.. وما صح منها لا يجوز حمله على حادثة بعينها؛ لأنه حكم أو تفسير للحديث دون دليل أو برهان؛ إذ قد تقع مستقبلا حادثة بعدها هي أقرب للواقع من تلك، وثالثة ورابعة ..الخ".

وتابع: "وبهذا يفقد الحديث ومن يفسره المصداقية في تعيينه لها، وبهذا تصبح الأحاديث ألعوبة بأيدي الجهال"، لافتا إلى أن العلماء قرروا أن أحاديث الفتن والملاحم والفضائل لا يؤخذ منها غير الترغيب والترهيب، ولا يبنى عليها حكم شرعي؛ ولذلك يتساهلون في تصحيحها وروايتها، بخلاف أحاديث الأحكام". 

وانتقد الفنيسان في حديثه لـ"عربي21" مسالك أولئك الذين ينزلون أحاديث الملاحم المستقبلية على ما يجري في سوريا الآن، باعتباره من قبيل التمني والتشهي والتعلق بأحاديث الملاحم كفضائل الشام وملاحمها، من غير الاعتناء اللازم بشروط القوة والمواجهة العسكرية المطلوبة.

ووصف الفنيسان من ينزعون إلى إنزال أحاديث الملاحم على وقائع معينة (كما يجري في سوريا) بأنهم كمفسري الأحلام والرؤى، لا يعتمد عليهم، ولا يؤخذ بأقوالهم".

من جهته، بيّن الكاتب والباحث المصري، المتابع للشأن السوري، الدكتور طارق عبد الحليم، أن المتدينين أصناف، منهم السني، ومنهم المبتدع مثل الصوفية والخوارج والروافض، وغير ذلك من الاتجاهات العقائدية، على حد وصفه.

وأوضح أن أكثر من وظّف تلك النبوءات والتوصيفات لصالح عقيدته هم أصحاب الاتجاهات العقائدية المبتدعة. وفي حالة الساحة السورية، فقد كان أكثر من استخدم أحاديث الملاحم والنبوءات هم تنظيم الدولة الإسلامية، بشكل غير مسبوق من فرق الخوارج المتعددة على مر التاريخ، بحسب تقديره.

وأرجع عبد الحليم لـ"عربي21" توظيف تنظيم الدولة لتلك الأحاديث بأنه جاء في سياق حرصهم على تأمين دافع نفسي قوي يتغلب على الفطرة الإنسانية البشرية السوية، ويولد حماسا زائدا، ويستقطب شبابا جهلة، ليعطيهم دافعا قويا في الحشد والتعبئة.

ونبه عبد الحليم إلى ضرورة التفريق بين النبوءات الصادقة الثابتة في الأحاديث الصحيحة، وبين تنزيلها على واقع معين في لحظة تاريخية محددة، فهذه النبوءات الشريفة ليست خيالا يوظفه كل دعيّ مغرض في زمانه، مدّعيا أن زمانه هو زمن تحقق تلك النبوءة، مذكرا بواقعة جهيمان العتيبي التي دارت أحداثها في الحرم المكي مطلع ثمانينيات القرن الماضي.

وشرح عبد الحليم أن "أهل السنة يؤمنون بتلك النبوءات الثابتة التي وردت في الأحاديث الصحيحة، لكنهم لا يفرضونها فرضا على واقع معين، بل يؤمنون بأنها ستفرض نفسها فيعرفونها، بدلا من تعريفها ثم فرضها، لهذا، فإن كل تلك التوظيفات لم تفلح، ولن تتحقق بحسب الصورة التي تستخدمها كل الاتجاهات المبتدعة. 

ولمزيد من فهم حالة النزوع إلى إنزال أحاديث الملاحم المستقبلية على الأحداث الجارية، خاصة ما يجري في سوريا، سلط الباحث في شؤون الجماعات الإسلامية والجهادية، الفلسطيني أحمد أبو فرحة، الأضواء على بعض الدوافع الكامنة وراء ذلك.

وذكر أبو فرحه لـ"عربي21" أن ذلك النزوع قديم في التاريخ الإسلامي، فقد قرأنا أن حديث فتح القسطنطينية تعرض لتأويلات فاسدة من قبل كثير من القادة الذين حاولوا إنزاله عليهم، فكان كل واحد منهم يجمع بضعة آلاف أو مئات، ويهجمون عليها، وهي ذات التحصين القوي، فتباد تلك الجيوش المسلمة على أسوارها. 

ورأى أبو فرحة أن الأمر ذاته يتكرر اليوم مع الجماعات الإسلامية في سوريا؛ بمحاولتها تأويل الأحاديث التي تتحدث عن الملاحم المستقبلية، ليكونوا هم أبطالها، مفسرا ذلك بأنه "يكمن في الرغبة بجذب أكبر قدر ممكن من العناصر، وتقوية إيمانها بقادتها وجماعاتها، وما ينتابهم من حب الذات وجنون العظمة، مبتعدين عن تقدير الواقع وظروفه تقديرا صحيحا، معولين على تفويض نتائج الأعمال إلى رب العالمين، مع تضييعهم لفرص توحيد صفوفهم حتى يكونوا قوة حقيقية مؤثرة على الأرض"، بحسب قراءته للمشهد بعد مرور خمس سنوات على اندلاع الثورة. 
التعليقات (1)
mm
السبت، 18-03-2017 05:48 م
كل هذة الاحداث المهولة من سنة غزو الكويت 1990 وحتي 2017 سبعة وعشرون عاما من الحروب والفتن ،ولا تفهمون أننا في اخر الزمان ،وصدق الله القائل :(حتي اذا فتحت يأجوج ومأجوج وهم من كل حدب ينسلون واقترب الوعد الحق ).