قضايا وآراء

مبارك وميركل والسيسي

حمزة زوبع
1300x600
1300x600
الخبر السيء هو حكم المحكمة المصرية ببراءة الرئيس المخلوع مبارك من تهمة قتل الثوار في 25 و28 يناير وما تلا ذلك من أيام حتى إعلان المخلوع عن تنحيه في 11 من فبراير 2011، أما الخبر الجيد فهو هل بمقدور مبارك العودة إلى سلطته التي انتزعت منه مرة أخرى إذا تمت تبرئته من كل التهم التي وجهت إليه بدءا بالفساد المالي والسياسي وانتهاء بالقتل؟ 

لا تأخذ الأمر على محمل الهزل أو الفكاهة، إذا لم يكن مبارك قاتلا، ولا فاسدا، ولا مستبدا، فلماذا ثار عليه الناس؟ ولماذا زعم العسكر أثناء الثورة أنهم مع الشعب ورفعوا شعار الجيش والشعب إيد واحدة؟ وإذا كان السيسي قد أعلن أنه لم يتحرك "في انقلاب 3/7/2013" من أجل غرض ولا عرض وأن هدفه كان مصلحة مصر، فلماذا وقد برأ القضاء الشامخ الرئيس المخلوع مبارك من كافة التهم لماذا لا يعود مبارك إلى السلطة؟ وسأفترض أن محامي مبارك الشاطر جدا قرر تحريك قضية أمام المحاكم يطالب فيها بإعادة بمبارك إلى السلطة التي اختطفت منه كما زعم السيسي أو إعادة السلطة إلى مبارك الذي برئ من كافة التهم الموجهة إليه، هذا بالطبع ناهيك عن طلب التعويض عن مكوثه في سجنه بضع سنين، ولماذا نستبعد أن يقوم مبارك باسترداد ملايينه الموجودة في بنوك سويسرا؟ أليست من حقه؟ وهل يجرؤ السيسي ونظامه على مصادرة أموال رجل بريء بقرار من القضاء الشامخ؟ 

قد لا يحدث مثل هذا السيناريو ولا أتوقع حدوثه كاملا وإن كنت أتوقع حدوث أجزاء منه مثل استرداد أمواله أو تكريمه أو ربما عمل جنازة عسكرية له عند وفاته، ولم لا؟ خاصة أن إبعاد مبارك عن السلطة كان السبب في وقوعها في يد السيسي الوفي جدا لأولياء نعمته. 

في رأيي أن القصة لم تنته بعد بل بالعكس أراها للتو بدأت من جديد، وعادت سيرتها الأولى حتى لا يتوهم أحد أن الجيش والعسكر هم الدولة العميقة والطرف الثالث واللهو الخفي، اليوم لم يعد الأمر وهما بل حقيقة واضحة وجلية، وحتى يوقن الشعب بأن فكرة الحرية لا تتناسب أبدا مع العسكرية، وأن حكاية الجيش والشعب إيد واحدة هي اختراع فنكوشي بامتياز!! فلا الجيش يرى الشعب ولا يقيم له وزنا، ولا الشعب اليوم يرى أن الجيش تابع له أو ملك له أو ينتمي إليه، خصوصا أن قائد الجيش الذي انقلب على رئيسه يلتقي مع قائد الكيان الصهيوني سرا "ولا أدري لماذا سرا" ليمنحه قبلة الحياة بعد حصار دام لسنين من بعض دول أوربا وأمريكا.

اليوم دقت ساعة الحقيقة، فالعسكر في الحقيقة أنقذ مبارك من يد الشعب الثائر وسمح للشعب أن يفرغ طاقته في وعاء الممارسة الديمقراطية حتى إذا ما فرغت الطاقة استدار العسكر من جديد على الشعب وهذا ما تنبأ به الأستاذ الشيخ حازم صلاح أبو إسماعيل في إحدى مقابلاته على قناة الجزيرة مباشر ولم يصدقه أحد واعتبرت تصريحاته خارج إطار العقل، حتى صرنا نحن اليوم خارج إطار الواقع لأننا كذبنا المنطق والتاريخ وصدقنا كلام جنرالات لم يصل أحدهم لرتبته الرفيعة إلا عبر ممارسات بعضها غير أخلاقي والبعض الآخر غير قانوني. 

الميزة الوحيدة فيما يجري اليوم أننا لازلنا شهودا عليه وأن الشباب الذي قام بالثورة لا يزال يحتفظ بذاكرة الأحداث كاملة وإن قتل بعضهم إلا أن أرشيفهم صار في حوزة الأمة بالصوت والصورة، وهذا يعني أن القدرة على التزييف من جانب العسكر يواجهها القدرة على استعادة الوعي من جانب الشعب، ناهيك عن أن مصانع الغضب التي كانت ضد مبارك وسلطته تحولت اليوم لتصب في خانة الغضب من السيسي وجنرالاته، ولا أعتقد أن السيسي بمقدوره الصمود طويلا أمام غضب الشعب- كما ترى معظم تحليلات مراكز الأبحاث الغربية- فليس لدى السيسي مثلما كان لدى مبارك، وليس الشعب الذي خلع مبارك بأقوى من الشعب اليوم في ظل أزمات كل أزمة كفيلة بالثورة وإن تأجل موعدها. 

هذا عن مبارك والسيسي فماذا عن أنجيلا ميركل التي زارت القاهرة قبل أسبوع من نشر هذا المقال، وهي التي استقبلت السيسي قبل عامين تقريبا في ألمانيا وكان لقاء عاصفا؟ والسؤال لماذا تجاهلت ميركل "الديمقراطية" أفعال السيسي الإجرامية بدءا من الانقلاب إلى التعامل الوحشي مع الشعب في مجال حقوق الإنسان؟ 

الإجابة هي أن أوربا والغرب الرسمي على الأقل تؤمن بالديمقراطية التي تجعلها مسيطرة على مقادير الحكم في بلادنا، وتؤمن بالحرية التي تجعل منها المرجعية الوحيدة للحريات، ثم إن أوربا وميركل على رأسها اليوم باتت بحاجة إلى مستبد آخر تصنعه على عينها وتدير شؤونه بطريقتها، بدلا من أن يأتي الشعب المصري بحاكم حر على مقاس الشعب وليس على مقاس الغرب، هذا في حد ذاته خطر، وميركل مثلها مثل ترامب وأولاند فرنسا يؤمنون بأن حاكما مستبدا لبلد حيوي هو استثمار للمستقبل، خصوصا إذا قام الغرب بغزو العالم الإسلامي في حرب توقعها وينتظرها بشغف فريق ترامب وعلى رأسهم ستيف بانون كبير الاستراتيجيين في البيت الأبيض. 

أنجيلا ميركل زارت مصر لتضمن استثمارات تجاوزت الثمانية مليارات دولار لم تكن تحلم بها شركة سيمنس الألمانية التي كانت تعاني أزمة مالية كبيرة، وقد جاءت أيضا لتضمن قتل السيسي للمهاجرين عبر الحدود المصرية كما فعل من قبل وأشادت به في المؤتمر الصحفي، ولا بأس إن اتهمها البعض بأنها تدعم ديكتاتورا فلديها ما تقوله: "يا عزيزي كل قادة المنطقة مستبدون فلماذا أتوقف عند السيسي؟". 

إجابة وجيهة لو قالتها. 
0
التعليقات (0)