قضايا وآراء

سيناء "بدون" مصر!!

قطب العربي
1300x600
1300x600
تعامل السلطات المصرية منذ بداية الحكم العسكري مطلع الخمسينيات، أهل سيناء معاملة "البدون" إلى حد كبير. 

والبدون في دول الخليج هم ممن لا يحملون الجنسية أو غير معروفة جنسيتهم، رغم أنهم يقيمون في بلدانهم منذ عشرات السنين، وبعضهم ولد ومات على تلك الأرض دون أن يحصل على وثيقة مواطنة. 

ورغم أن أهل سيناء يحملون هويات مصرية وجوازات سفر مصرية، ويشاركون في الانتخابات، إلا أن سلطات الحكم العسكري المتعاقبة، تعاملت معهم في الخفاء بطريقة مختلفة، حيث لا يسمح لهم بتملك أرضهم أو دورهم التي يقيمون فيها مثل غيرهم من المصريين. 

وتتضمن ملفات معلوماتهم في الأجهزة الرسمية معلومات سرية من نوعية "لم يستدل على عنوانه"، رغم أن عناوينهم معروفة. 

ولم يحدث هذا مع آحاد الأفراد في سيناء، بل سمعت هذا من النائب السيناوي يحيي عقيل، الذي اكتشف ذلك بمحض الصدفة، حين كان يستخرج جواز سفر من إحدى دوائر الشرطة في شمال سيناء، فلمح الموظفة تسجل على حافظة ملفه عبارة لم يستدل على عنوانه. 

وحين سأل الضابط المختص عن ذلك، أبلغه أن هذا الإجراء يتبع مع جميع أهل سيناء.

في أواخر التسعينيات من القرن الماضي، شاركت مع صحفيين آخرين في تغطيات لحرق الجيش لمزارع المخدرات في سيناء، وكنا نمر في أودية واسعة تمتلئ بمزارع البانجو والخشخاش..

وكانت إحدى المشكلات الرئيسة أمام معركة المخدرات، عدم معرفة ملاك هذه المزارع، وذلك لرفض السلطات تمليك الأرض لأبناء سيناء، بذرائع أمنية لم نستطع أن نفهمها حتى الآن. 

وفي حوار مع بعض القادة العسكريين الذين أشرفوا على تلك الحملة، فهمت منهم أنهم أوصوا ببدء تمليك الأرض للمواطنين السيناويين، حتى يتحمل كل منهم أو على الأقل شيوخهم المسؤولية عما يقع تحت حيازته من وديان، ما يخفف بالتالي العبء عن الأجهزة الأمنية..

أي إن الحافز هنا كان أمنيا أيضا في المقام الأول، وليس حبا في أهل سيناء، أو تطبيقا لحقوق المواطنة. 

ومع ذلك، ظلت الكلمة العليا لأجهزة الأمن السياسي المتوجسة دوما من أبناء سيناء، رغم كل ما قدموه لمصر ولجيشها من خدمات في المواجهات السابقة مع العدو الصهيوني جميعها.

في عام 2007، أجرى نظام مبارك تعديلات دستورية نصت لأول مرة على مبدأ المواطنة بكلمة صريحة، رغم أنها كانت متضمنة من قبل في مبدأ المساواة بين المواطنين، وعدم التفريق بينهم على أساس اللون أو العرق أو الدين أو الجنس إلخ.. 

استبشر أبناء سيناء خيرا بتلك التعديلات، التي أملوا أن تنطبق عليهم، لكن هيهات، فقد كان ذاك النص مجرد مغازلة أو تجاوبا مع ضغوط قبطية، وجدت دعما دوليا. 

ومع ذلك، ظل النص حبرا على ورق لم يستفد منه الأقباط ولا غيرهم، وظلت المواطنة الفعلية تقتصر على رجال النظام المنتشرين في الوظائف العليا وفي الأجهزة الأمنية والسياسية، في المحافظات كافة، بينما حرم منها بقية المصريين سواء المسلمين منهم أو المسيحيين أو السيناويين!!

هذا التعسف المتجذر ضد أهل سيناء، لم يقتصر على تلك السياسات الظالمة، بل واكب ذلك دوما تعامل فظ من الأجهزة الأمنية مع البدو، ففي كل حادث تشهده أي بقعة من سيناء، تصبح العقوبة جماعية لجميع سكان المنطقة، ويتم التنكيل بالأهالي، وهدم بيوتهم، واحتجاز نسائهم رهائن حتى يتم تسليم المطلوبين منهم.

صحيح أن الشرطة تسلك المسلك ذاته في أماكن أخرى من مصر، ولكنها لا تدرك حساسية العادات الاجتماعية لدى البدو، التي ترى في القبض على النساء كبيرة من الكبائر دونها الرقاب. 

من الطبيعي أن يولد هذا السلوك الإجرامي بحق أهل سيناء احتقانا كبيرا في نفوسهم تجاه السلطة التي تفعل بهم ذلك، ومن الطبيعي أن يوفر ذلك السلوك الإجرامي بحقهم حاضنة شعبية لأي تنظيمات مسلحة تعادي السلطة، وهذا تفسير وليس تبرير لذلك التعاطف. 

ومن الطبيعي أن يتسبب ذلك السلوك الإجرامي في نزع أي تعاطف مع ممثلي السلطة في مواجهتهم مع تلك الجماعات المسلحة، أو الإرهابية، بل إن ذلك السلوك الإجرامي يحفز أبناء سيناء للالتحاق بتلك الجماعات أو تكوين جماعات جديدة بدافع الثأر والانتقام من السلطة التي تهجرهم وتقتلهم وتدمر بيوتهم.

ورغم كل ذلك الاحتقان، إلا أن أبناء سيناء -وهم عرب مسلمون- لا يمكن أن يكونوا خونة لوطنهم ولا لدينهم، ولا يمكن أن ينحازوا لعدو حاول كثيرا مغازلتهم، ووعدهم بتوفير الأمن والأمان، ورغد العيش لهم.

موجة التهجير القسري لأهل سيناء مؤخرا التي شملت مسلمين ومسيحيين هي حلقة في سلسلة جرائم الحكم العسكري بحق أبناء تلك البقعة العزيزة من أرض مصر، وهي كاشفة لرؤية قاصرة لدى قادة الحكم العسكري المتعاقبين. 

إلا أن ما يفعله عبد الفتاح السيسي فاق كل تصور، حيث التمهيد الظاهر لتفريغ سيناء من سكانها ليس حماية للأمن القومي المصري، الذي لم يعد يشكو من تهديدات عدو صهيوني ظل مكمن الخطر طيلة عقود سابقة. 

ولكن ما يفعله حماية لهذا العدو الصهيوني، وسعيا لراحته، وذلك بإقامة وطن بديل للفلسطينيين في سيناء، على حساب تخليهم عن أرضهم التاريخية لذاك الكيان الغاصب، على حساب أهل سيناء الذين حرموا من حيازة أرضهم، وهو ما لا يقبله ولن يقبله أهل سيناء، أو أهل فلسطين، الذين رووا أرضهم بدمائهم، ولن يفرطوا في أي شبر منها.
التعليقات (1)
تضرعوا لله من اجل سىناء
الإثنين، 06-03-2017 02:17 م
حبىب سوىدىه ضابط جزاءرى صاحب كتاب العشرىه السوداء ىطبق ماقاله باالحرف الواحد فى سىناء