كتاب عربي 21

جهوزية الفصائل الفلسطينية لتحقيق الوحدة الوطنية

عبد الستار قاسم
1300x600
1300x600
يسود في الشارع الفلسطيني انطباع بأن الفصائل الفلسطينية ليست معنية بتحقيق الوحدة الوطنية الفلسطينية، وإنما بالحفاظ على مكاسبها الحياتية التي ولّدتها السلطة الفلسطينية. منذ قيام السلطة الفلسطينية، تلتزم الفصائل الفلسطينية عدا الجهاد الإسلامي وحماس ولجان المقاومة الشعبية بما تلتزم به السلطة الفلسطينية تجاه إسرائيل، مقابل أن تعيش هذه الفصائل بأمان وسلام من الكيان، وأن تحصل على وظائف في السلطة والحصول على بعض الأموال من أجل تسيير نشاطاتها اليومية الروتينية، مثل تسديد أجور المكاتب وأحيانا بعض السفريات، الخ. أي أن القيمة العليا لديها الآن تتمثل بعدم استثارة السلطة وإسرائيل إذا أرادت البقاء في الأرض المحتلة/67. 

ومن هنا ينظر الناس إلى الفصائل على أنها حريصة على مصالحها الخاصة دون المصالح الوطنية، على الرغم من أنها جميعها تتحدث باستمرار عن المصلحة الوطنية الفلسطينية دون تعريفها. وعليه، فإن الثقة بالفصائل تراجعت بصورة خطيرة، وأصبحت موضع شك جماهيري.


فضلا عن أن الناس طوروا انطباعا عن الفصائل بأنها شبيهة بالقبائل العربية الجاهلية التي كانت تضحي بمختلف القيم الاجتماعية والتعاونية من أجل المصالح الخاصة. لقد تمسكت الفصائل بقيم عنصرية شبيهة بقيم القبائل العربية، وأخذ كل فصيل يظن أنه دائما على حق وصواب، بينما يبقى الآخرون على باطل وضلال. وقد وجد كل من وجه انتقادا أو تقييما علميا لعمل الفصائل الفلسطينية هجوما من الفصيل الذي يختص به الحديث، وصدرت فيه البيانات التي كانت في الغالب فحواها التخوين والتعاون مع العدو. ولوحظ أيضا أن كل فصيل ينحاز لعناصره ويغطيهم ماديا وإعلاميا، لكن الفلسطيني الفرد لم يكن على قائمة أولويات الفصائل.


من قراءتنا لتاريخ الوضع الفلسطيني منذ بداية الغزو الصهيوني، لم تتبلور وحدة وطنية فلسطينية إلا أثناء المقاومة أو الجهود الجماعية لمواجهة الأعداء. ولم تنفصم عرى الوحدة الوطنية إلا بعد هدوء العاصفة والانخراط بالمساومات السياسية والكواليس. كان يجتمع الناس أمام الخطر المشترك، لكنهم كانوا دائما يختلفون عندما يتركز الاهتمام على البحث عن حلول لتحقيق التطلعات الفلسطينية. توحد الفلسطينيون بقوة إبان الإضراب الكبير عام 1936، وتوحدوا خلف الثورة التي بدأت عام 1936 وانتهت عام 1939. وإذا حصل شقاق وفساد إبان الثورة، فذلك بسبب الصراع بين العائلات المتنفذة في القدس، التي ألقت بثقلها غير الوطني على جمهور الشعب الفلسطيني. 

ركزت العائلات المتنفذة على تحقيق مصالحها الخاصة، وكانت تضحي دائما بمصالح الشعب الفلسطيني. ولهذا كانت هذه العائلات -سواء من المعارضة أو المجلسيين- على علاقة جيدة بالانتداب البريطاني والصهاينة. ولم يتورع زعماء تلك العائلات عن بيع الأراضي لليهود لكسب ودهم وحماية مصالحهم. هؤلاء السماسرة قادوا البلاد إبان الانتداب البريطاني ومزقوا الشعب وجعلوه فئات متصارعة وسفكوا الدماء وصنعوا الثارات بين الناس والتي ما زالت ذيولها ماثلة حتى الآن.


القبلية كما الفصائلية تجسد التمييز العنصري بين أبناء الشعب الواحد. المتنفذون سواء كانوا عائليين أو فصائليين يستحوذون على الخيرات ويحرمون الآخرين منها. وهنا يحضرني مثال في غاية القسوة من المهم رصده لتبيان خطورة العنصرية والانغلاق على الذات. كنا سجناء في سجن النقب لدى الاحتلال الإسرائيلي إبان انتفاضة عام 1987. أحضر لنا الصليب الأحمر يوما مداسات أو حفايات أو بوابيج. استلمت الفصائل المساعدة وقررت توزيعها على المعتقلين. أنا لم يكن لي نصيب لأنني مستقل ولا أتبع أي فصيل. لكن حظي أن المحامي كان حاضرا يومها في السجن وعلم بالأمر.

 لقد استكبر الأمر جدا علي؛ لأنني أستاذ جامعة وصاحب قلم حر، ولا أحد يستطيع المزاودة علي من الناحية الوطنية. فذهب المحامي إلى مدير السجن وأخبره فأعطاه مدير السجن اليهودي الصهيوني نصيبا لي. كان عمل الفصائل مشينا وقبيحا وعنصريا ومأساويا، لكن هذه الأعمال وما شابهها تمارس يوميا على الساحة. فمثلا لو كان معدل خريج الجامعة عاليا، ومشهود له من قبل مدرسيه، ويقدم معه شاب بمعدل منخفض جدا ولا ينال مديحا من أي مدرس، فإن الفاشل هو الذي يحصل على الوظيفة، وعلى النجيب أن يبحث عن عمل في المستوطنات الصهيونية التي نقف ضدها على شاشات التلفاز.


فهل بهذه الأخلاق تتمكن الفصائل الفلسطينية من تحقيق الوحدة الوطنية؟ طبعا لا، خاصة أن أي مجلس يتشكل أو حكومة تقام فإنها ستكون محاصصة بين الفصائل. الفصائل تستولي على المناصب والمكاسب، وتترك الشعب بلا نصيب. سبق أن أقمنا حكومة وحدة وطنية، لكنها كانت حكومة محاصصة فصائلية، وهكذا هي تركيبة المجلي الوطني الفلسطيني واللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير ومختلف المجالس التي لها دول في إدارة شؤون الناس. وشكرا للفصائل إن لم تساهم مباشرة في تفريغ الأراضي المحتلة/67 من سكانها.


فإذا لم تجتمع الفصائل على المقاومة وتقرر السلطة الفلسطينية التحلي عن الاتفاقيات مع إسرائيل وتنحي المساومات السياسية جانبا، فإن الوحدة الوطنية لن تتحقق، ولا أرى أن أصحاب أوسلو والتنسيق الأمني لديهم الاستعداد للتخلي عن مصالحهم من أجل وحدة الشعب.


 
0
التعليقات (0)