قضايا وآراء

نهاية مرحلة

حمزة زوبع
1300x600
1300x600
حسنا، دعونا نتفق أن عالمنا القديم قد انهار أو يوشك أن ينهار في أعقاب فوز دونالد ترامب -المثير للتعليقات وللجدل أيضا-برئاسة الولايات المتحدة الأمريكية . هذا الفوز وما تلاه من موجة اليمين المتطرف وبالمناسبة ليس متطرفا ضد اليسار أو الشيوعية بل متطرف ضد كل ما هو مسلم في المطلق وعربي على وجه التحديد.
 
في رأيي المتواضع وفي رأي كثيرين من المعلقين فإن عالمنا الذي عاصرناه على مدار خمسين عاما والذي بدأ كعالم ثنائي القطبية ، ثم عالم أحادي القطبية، هاهو اليوم يعود كعالم متحد الأقطاب ضد ما يعتبرونه قطبا جديدا على ضعفه وقلة حيلته وهو الإسلام.
 
لم تبدأ الحرب على الإسلام أو معاداته مع فوز ترامب ولكنها ستأخذ شكل الحرب الرسمية مع تنصيبه رئيسا لأكبر دولة في العالم ، فقد مضت عدة عقود على وجود القوات الأمريكية والمتحالفة معها على الأراضي العربية تشعل حربا وتطفئ أخرى ، فقد بدأ الأمر مع دخول صدام الى الكويت في 1990 وإلى اليوم لم تخرج القوات الأمريكية ولا المتحالفة معها بل إن جزء غير يسير من الجيوش العربية انخرطت في حروب ضد أنظمة عربية موجودة بالفعل وكانت هذه النظم تواظب على حضور القمة العربية. 

ربع قرن من الزمان والقوات الأجنبية وعلى رأسها القوات الأمريكية تعيث في الأرض الفساد، حربان ضد صدام والأخيرة انتهت بغزو العراق في 2003 ولم تخرج منه رغم تمزق العراق ، بحجة وجود تنظيم القاعدة تارة ، والدولة الاسلامية وداعش تارة أخرى ، ومن العراق امتدت الحرب إلى سوريا وبدلا من دعم الثورة تحولت القوات الأجنبية بدعم عربي غير مسبوق إلى حرب على المعارضة بحجة طرد تنظيم الدولة وداعش وغيرها. 

ورغم أن الموارد العربية خصصت للحروب التي تقودها أمريكا في المنطقة فإن دونالد ترامب غير راض عن الأداء ويرى أنه يتعين على أغنياء العرب وفقرائهم أن يدفعوا الجزية عن يد وهم صاغرون. 

يطالب ترامب بحصة من الرصيد الاستراتيجي لنفط العراق والكويت والسعودية معا من أجل أن يمد مظلة حمايته للنظم وليس لحماية الشعوب الثائرة ضد النظم الفاسدة، فترامب وأهل اليمين المتطرف لا يرغبون في رؤية الثورات العربية التي قد تطيح بالحكام المستبدين لأنهم على يقين أن الشعوب  أكثر راديكالية من الحكام وأن الحكام هم حائط صد ضد تطرف الشعوب في مواجهة تطرف حكام الغرب وحقدهم على الاسلام والعروبة. 

ما كان يحدث (تحت الطاولة) من قبل عقدين أو ثلاثة لن  يستمر فقد تغيرت المعادلة أو هكذا يراها ترامب واليمين المتطرف في لأمريكا وأوربا، وبكلمات أخرى فإنه لا داعي لتغيير الحدود أو التقسيم بقدر ما هو تغيير خطة الهيمنة والسيطرة. وبمعنى ثالث وصريح  أنه لن يتم مواجهة الحكام أو الضغط عليهم من أجل تحسين ظروف معيشة الشعوب أو تطوير نوعية الحياة من خلال ممارسة ديمقراطية ولو شكلية ، ولكن سيتم دعم الحكام بوضوح وصراحة من أجل تحقيق أمرين مهمين من وجهة نظر اليمين الأوربي و الأمريكي الذي سيعمل تحت مظلة إدارة ترامب الشعبوية وهما: 

الأول :- إنتاج مسار اسلامي أقل ضجيجا وأكثر ليونة ونعومة، يعني اسلام منزوع الدسم لآ يتحدث عن الجهاد ومقاومة الاستبداد والاستعمار . اسلام بلا روح، بلا قلب، بلا معنى إلا أن يكون اسلاما صديقا للبيئة الأمريكية.

الثاني :- السيطرة  الأمريكية والأوربية التامة على كافة الموارد الاقتصادية والإستراتيجية لدول المنطقة، وليس الأمر مقصورا على النفط والثروات المعدنية بل على الطبيعة الجغرافية المهمة من الناحية الاستراتيجية مثل الممرات المائية والأجواء السماوية، ناهيك عن السماح بإقامة قواعد عسكرية بدون مقابل للقوات الأمريكية وبعض الحلفاء الأوربيين. 

انتهت الصورة السابقة لعالمنا العربي وهي الصورة التي رسمها القطبان الانجليزي والفرنسي عبر اتفاقية سايكس - بيكو والتي تميزت بحدود مصطنعة بين الدول العربية وقد فشلت هذه الحدود في بناء ما يعرف بالدولة القطرية التي أثبتت التجربة أنها مشاريع فاشلة فلم تنجح أي منها على الاطلاق ، ونتج عن ذلك غضب الشعوب التي وجدت في امريكا والغرب قبلة لتوجيه اللعنات وخطاب الكراهية لأن الغرب يؤيد هذه النظم. 

اليوم- وفي رأيي المتواضع-ستقوم أمريكا والغرب بقيادة هذه الدول بنفسها، وستصبح أمريكا هي ست البيت و هي من يحدد الميزانية والمصروفات لمعظم هذه الدول، وستقوم بانتاج المناهج التعليمية ووضع الاستراتيجيات لا الإشراف عليها عن بعد كما تفعل الآن.  

أهم مميزات المرحلة الجديدة هو تسليط الحكام على الشعوب وعلى الدين والهوية، وعلى الحكام إما أن يدفعوا نظير حمايتهم والبقاء على كراسيهم  أو فليواجهوا شعوبهم فيم يشبه الحرب، وعلى الشعوب إما أن تتنازل عن الدين والهوية أو سيتم وصمها جميعا بالإرهاب وستشن عليها الحرب أيضا. 

المرحلة الجديدة هي حرب الكل (العربي) في الكل (المسلم) بدون أن تتورط أمريكا بشكل مباشر، بل ستحصل على (كل) ما تريد من دون كلفة تقريبا. 

صفقة رابحة للعم ترامب وشركائه. 
1
التعليقات (1)
هشام ميشلان
الثلاثاء، 06-12-2016 07:41 م
الناس في حيرة من أمرهم إزاء أعمال العنف والفوضى الحالية في منطقة الشرق الأوسط ، وربَّما ينظرون إلى الصراع في سوريا ويتساءلون: كيف حدث ذلك؟ يكمن جزء من هذه المشكلة في كون وسائل الإعلام عادةً ما تركِّز بشكل سطحي فقط على الوضع وتُهمل في ذلك التركيز على الخلفية التاريخية المهمة للغاية ، وخاصة حقبة الاستعمار، التي تم خلالها وضع أحجار الأساس لظهور الشرق الأوسط الحديث ، ومن أجل فهم الصراعات والأزمات الحالية في منطقة الشرق الأوسط، يجب علينا أن نعرف كيف تطوَّرت هذه المنطقة في نصف القرن من عام 1917 وحتى عام 1967 إلى شكلها الحالي. لقد أثَّرت الحرب العالمية الأولى وتداعياتها بشكل مهم ومصيري في تشكيل منطقة الشرق الأوسط ، فبعد سقوط الدولة العثمانية تركت التسويات بعد نهاية الحرب العالمية إرثًا من انعدام الثقة العميق وبذرت بذور العديد من الصراعات الحالية، بما فيها الصراع الصهيوني الفلسطيني ومشكلة لبنان وعدم وجود جنسية كردية لدى الأكراد العرب الذين كانوا يحلمون بالاستقلال فباتوا يشعرون بالخيانة والغدر عندما أدركوا أنَّهم أصبحوا محكومين الآن من قبل الأوروبيين بعدما كانوا خاضعين لحكم العثمانيين الأتراك ، ومنذ ذلك الحين أصبح شبح الماضي يطارد السياسة العربية ، لقد كانت للهيمنة الأوروبية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا عواقبُ وخيمة على المنطقة وعلاقاتها مع الغرب ، لكنها حفزت المقاومات الجماعية لسلطة المستعمر إلى توحيد مجموعات عرقية كالعرب والبربر مثلا ، وقد كتب شاعر أمازيغي (بربري) مجهول حول المرارة التي تركها الفرنسيون بعد هذه الثورة: في قُرانا بَذَرُوا بُذُورَ الحِقد \ نَحفَظُهُ تحت الأرضِ، حيثُ يَظَلُّ \ المَحصولُ الوَفيرُ من حقلٍ مسلوبٍ.\ وكان هذا الشعور بالاستياء سائدًا في الأماكن الأخرى ، وباستثناء بعض الحالات القليلة واجه الحكم الاستعماري في جميع أنحاء المنطقة مقاومة وصلت في حالات كثيرة حدّ العصيان والتمرُّد ، ففي العشرينيات تفاجأ الفرنسيون بالثورة السورية الكبرى، التي اندلعت في منطقة الدروز (جبل العرب) جنوبي دمشق وسرعان ما امتدت إلى جزء كبير من البلاد ، وفي العراق ثار في عام 1920 الشيعة في الجنوب على حكم البريطانيين، وقد ردَّ المستعمرون البريطانيون باستخدام قوَّتهم الجوية ضدَّ هذه الثورة وغيرها من الثورات، سواء ضدَّ العشائر الشيعية في الجنوب أو ضدَّ الأكراد في الشمال، وفي فلسطين قامت الثورة العربية من عام 1936 وحتى عام 1939، وفي الجزائر استمر عنف المستعمرين أطول فترة ، مما تسبب في تعريض أساس المجتمعات الشرق أوسطية للخطر من قبل الاستعمار، فقد كان الحكم العثماني يمنح المنطقة على الأقل بعض التماسك الثقافي والسياسي، وفي حين أنَّ مفهوم الدولة القومية كان بالنسبة للأهالي هناك جديدًا وغريبًا عليهم كليًا، على الأقل في البداية، كان يتم رسم الحدود الجديدة -تلك "الخطوط في الرمال" سيِّئة السمعة- من قبل مسؤولين بريطانيين وفرنسيين، من أجل حماية مصالحهم الاستعمارية، وهذه الحدود لم تراعِ في حالات كثيرة المعطيات الطبيعية و العرقية و الثقافية ، ونتيجة لذلك ستظل الدولة القطرية و الأمة العربية الإسلامية الموحدة كلتاهما محفوفتان بصعوبات ومشكلات تاريخية مستمرة تتوارثها الأجيال جيلا بعد جيل .