حمزة زوبع
1300x600
1300x600
أثناء الانتخابات الأمريكية الأخيرة تم تداول كلمة The establishment كثيرا، وقد تم ترجمتها بكلمة المؤسسة وربما رآها البعض على أنها المؤسسة العريقة أو الدولة العميقة في محاولة للتقريب بين ما يجري في أمريكا من خروج دونالد ترامب الرئيس المنتخب على الإدارة القديمة وبين الدولة العميقة التي ترفض السماح  بالتتغيير في بلادنا.

حسنا، قد يبدو الأمر مختلفا قليلا، فقد قرأت مؤخرا ما يفيد بأن هذه الكلمة الإنجليزية لا تعني المؤسسة ولا الدولة العميقة، فالمؤسسات من المفترض أن تكون مهنية غير سياسية أو غير منحازة لحزب أو فئة، وحتى الدولة العميقة يسري عليها أو من المفترض أن يسري عليها نفس الشيء، فمؤسسات الدولة تخدم الشعوب ولا تستخدم لخدمة التيارات والأحزاب على احتلاف توجهاتها، إذن فماذا تعني هذه الكلمة؟

لقد أفرط دونالد ترامب في استخدامه لهذه المفردة حتى دفع الجميع للبحث في الأمر، فهو لم يذكر الدولة العميقة ولا المؤسسات الأمريكية بل ذكر هذه الكلمة وحاول غرسها في العقول -وقد كان محقا - رغم رفضي له فكرا ومنطقا.

حسب ويكيبيديا فإن كلمة establishment تعني بوضوح النخبة أو الجماعة المستحوذة على السلطة أو الأمر في بلد ما أو منظمة ما.

مما قرأته فإنها تعني "الملأ" نعم الملأ... ويمكنك أن تفهمها على النحو الذي تراه، فقد يكون الملأ جماعة أو جماعات، وقد يكون عصبة من الناس أو مجموعة عصابات أو ما يعرف بمجموعات المصالح أيضا.

تعال نراجع معا كلمة الملأ كما وردت في القرآن الكريم، فقد وردت فيه ثمانية عشر مرة معرفة ومرة واحدة غير معرفة أي بدون الألف واللام، وفي المعجم فإن أشهر معانيها هو الجماعة، فالملأ هم الجماعة. 

سوف تجد وبعيدا عن المؤسسات وعن الدولة العميقة مجموعة الملأ هذه، وسوف تجدها في كل مؤسسة تقريبا، وهي مجموعة تواصت فيما بينها على أنهم وحدهم دون غيرهم "الملأ" الذي لا يجب تجاوزه، ولا تدبير أمر ما دون مشورتهم أو معرفة مزاجهم وتوجههم، لذا فقد كان فوز ترامب عزيزا عليهم وشكل ولا يزال صدمة لهم، وترامب نفسه يعلم حكاية "الملأ" ودورهم ومحاولتهم  إثناءه عن خطته للوصول إلى السلطة، وهو يدرك أنهم لن يتركوه يمضي في حال سبيله ويحكم أمريكا دون أن يكون للملأ قول فيما يجري. 

"الملأ" موجود من حولنا، ومنتشر في أعماق مؤسساتنا حتى التي نحبها ونفخر بالانتساب إليها، لأنهم ينظرون إليك كواحد منهم فإن أردت التفكير بطريقة مختلفة فقد خرجت عليهم وبالتالي وجبت المواجهة  حتى من دون مناقشة  أو أخذ ورد.

"الملأ" من حولنا يأتمرون بنا ولكن البعض لا يراها على النحو الذي نراه بل يرون الأمر على أن الملأ يفهمون أكثر مما نفهم، ويعرفون أكثر مما نعرف.
 
خطورة "الملأ" ليس في أنهم قد يضروك أو يأتمرون بك فهذا تطرف في التفكير ولكن في كونهم لا يرغبون في سماع أي لحن مختلف  -يسمونه نشاز- عن ألحانهم التي اعتادوا عليها، وهذا يقتل التجديد ويحول دون التفكير الإبداعي، ليس بالضرورة كل خارج على الملأ أنه فاقد للأهلية أو متمرد على الناموس فأحيانا يكون الأمر ضرورة تفرضها طبيعة المرحلة وانظر إلى عباقرة أزمانهم وستعرف أن الملأ أحيانا ما يكون على عراقته مخطئا. 

وعلى الرغم من أننا تعودنا أن نترجم كلمة establishment على أنها المؤسسة أو ما شابهها، وهو معنى قد يكون إيجابيا، إلا أنها وفي عالم اليوم هي السوء بعينه، وهي "الملأ" في أقبح صوره وأشكاله.

"الملأ" الذين يأتمرون بك ليقتلوك أو يفتنوك أو يرجموك أو يطردوك أو يعيدوك إلى حظيرة تفكيرهم التي قد تكون غير ملائمة للوقت ولا المكان. 
التعليقات (1)
هشام ميشلان
الأربعاء، 30-11-2016 11:46 ص
الملأ لغة حسب معرفتي البسيطة في اللغة تطلق على الجمع من القوم الذين يملؤون العين لوجاهتهم و يمكن أن نطلق عليهم وجهاء القوم و عليتهم ، كما يمكن أن نطلق عليهم بالمفعوم الاجتماعي النخبة ، و سياسيا البطانة أو المقربين من السلطة و السلطان أو النظام ، لقد أثارت هذه الكلمة كعنوان لمقالتك يا دكتور حمزة فضولي اللغوي لأنها ذكرت في القرآن الكريم في مواضع كثيرة ، لكنني تذكرت فجأة درسا من دروس الشيخ محمد متولي الشعراوي الشيقة حيث كان رحمه الله قد أتى على هذه الكلمة من كل جوانبها و أفرد لها حيزا كبيرا من أحد دروسه ، و بعد التأمل تأكد لي أن الشيخ كان صائبا عندما قال بأن ذكر الملأ غالبا ما يأتي مقرونا ببطانة الحكام و الملوك ، حيث تحاك الدسائس و المكائد السياسية ، فقوله تعالى : { الم تر الى الملأ من بني اسرائيل من بعد موسى اذ قالوا لنبي لهم ابعث لنا ملكا نقاتل في سبيل الله قال هل عسيتم ان كتب عليكم القتال الا تقاتلوا قالوا وما لنا الا نقاتل في سبيل الله وقد اخرجنا من ديارنا وابنائنا فلما كتب عليهم القتال تولوا الا قليلا منهم والله عليم بالظالمين } البقرة 246 ، و قوله تعالى : { وقال الملا من قوم فرعون اتذر موسى وقومه ليفسدوا في الارض ويذرك والهتك قال سنقتل ابناءهم ونستحيي نساءهم وانا فوقهم قاهرون} الأعراف 127، و هنا يبدو التحريض واضحا ضد موسى (عليه السلام ) من قبل حاشية الفرعون المقربين الذين هم الملأ و الوجهاء و النخبة من المستشارين السياسيين و الكهنة ، و الذين كانوا في الظل و وراء الكواليس ، تماما كما يحدث في زماننا هذا ، فالفراعنة كثير في هذا الزمان ، و ملؤهم " يسدون عين الشمس " من كثرتهم و وشدة كيدهم للمسلمين ، و الرئيس المنتخب ترامب و من سبقه من الرؤساء ليسوا بدعا من الفراعنة ، فهم أيضا يقف وراءهم ملأ في الكواليس أو " السراديب " السياسية لحياكة الدسائس و المؤامرات و المكائد ، و الأمثلة التي ساقها الشيخ الشعراوي كانت كثيرة و مؤكدة لهذا المعنى ، و عرض عدة آيات كريمة تشير إلى أن كل الشرور السياسية كان يأتي بها الملأ المقربون كقوله تعالى : { وقال الملا من قومه الذين كفروا وكذبوا بلقاء الاخرة واترفناهم في الحياة الدنيا ما هذا الا بشر مثلكم ياكل مما تاكلون منه ويشرب مما تشربون } المؤمنون 33، و قوله تعالى : { فقال الملا الذين كفروا من قومه ما هذا الا بشر مثلكم يريد ان يتفضل عليكم ولو شاء الله لانزل ملائكة ما سمعنا بهذا في ابائنا الاولين } المؤمنون 24، و قوله تعالى : { وانطلق الملا منهم ان امشوا واصبروا على الهتكم ان هذا لشيء يراد } ص 6 ، و أما في حالة بلقيس ملكة سبأ التي كانت ملكة في غاية الذكاء و الحكمة حيث استطاعت أن تمنع الملأ عندها من التلاعب بقراراتها ، فتفوقت عليهم بدهائها السياسي و ارتأت أن تتأكد بنفسها من الرسالة و مرسلها الذي كان النبي سليمان (عليه السلام ) ، فحيدت هيمنة الملأ عليها وأعملت عقلها و ذكاءها فقادانها إلى التوحيد و دخول الإسلام ، يبين الله ذلك في قوله تعالى : { قالت يا ايها الملا افتوني في امري ما كنت قاطعة امرا حتى تشهدون } النمل 32 ، و من هنا يتضح لي أن الحكام في الأزمان الغابرة إلى أزماننا هذه و الذين كان الملأ يؤثرون عليهم في قراراتهم ، فهؤلاء الفراعنة أو الملوك إما كانوا أغبياء أو ضعفاء الشخصية أو كان زمام السلطة ليس في أيديهم ، لأن بلقيس كسرت القاعدة و فضخت بذلك غباء أولائك الحكام في انصياعهم و انقيادهم للملأ دون تفكير ، و في عصرنا هذا نرى ذلك جليا واضحا أيضا ، فكلما كان الرئيس غبيا و جاهلا اشتغل الملأ و أداروا دفة الحكم باسمه وهو كما يقول المصريون " كالأطرش في الزفة " ، و ما أكثر الفراعنة في زماننا هذا ، و ما أوقح الكهنة من مشايخ و إعلاميين و وزراء و مستشارين و كتاب و مثقفين ، هم الملأ فاحذرهم .