سياسة عربية

سياحة بديلة في الجولان السوري المحتل

يبلغ عدد سكان الجولان حاليا 31 ألف نسمة- أرشيفية
يبلغ عدد سكان الجولان حاليا 31 ألف نسمة- أرشيفية
يعتلي نحو خمسين شابا وصبية من فلسطينيي الـ48، سطح مبنى في الجزء المحتل من مدينة القنيطرة، في وقت يتصاعد فيه دخان أسود من الجهة السورية المقابلة. ويشرح دليلهم السياحي عماد مداح قائلا: "هناك تتمركز جبهة النصرة".

وتستمع المجموعة إلى رواية عماد مداح المتحدر من بلدة مجدل شمس في الجولان السوري المحتل عن قرى الجولان المهدمة، وعن الاحتلال الإسرائيلي وتأثيره على السكان السوريين هناك، خلال جولات ومسارات للمشي ضمن مشروع "تعرف على الجولان"، وهو بمثابة "سياحة بديلة" في منطقة احتلتها إسرائيل في 1967، وضمتها من دون أن يعترف المجتمع الدولي بهذا الضم.

ويشارك في جولات السياحة البديلة هذه أشخاص عرب وأجانب، بحسب ما يقول مداح، الذي يبدو عليه التأثر وهو يتحدث عن مدينة القنيطرة الواقعة في الجانب السوري التي احتلتها إسرائيل ودمرتها بالكامل عام 1967 واسترجعت سوريا الشطر الأكبر منها عام 1973، وبنت مكانه مدينة البعث الحديثة.

وتسيطر اليوم فصائل من المعارضة السورية بينها جبهة فتح الشام (جبهة النصرة سابقا) على القنيطرة.

وحصل مداح على إذن من سلطات الاحتلال لزيارة المبنى الضخم الذي اقتاد المجموعة إليه، والذي كان تابعا للقيادة العسكرية السورية.

والمبنى مكون من ثلاثة طوابق وعدد كبير من الغرف، وتبدو عليه آثار القصف. ووضعت إسرائيل أمام المبنى صخرة كبيرة حفر عليها "صخرة النصر مهداة من شعب إسرائيل لذكرى إيلي كوهين الجاسوس الإسرائيلي في سوريا الذي زار مقر القيادة أثناء عمله في سوريا بين 1962 و1965". وأعدم السوريون كوهين بعد افتضاح أمره في 1965.

ويعمل عماد مداح في مجال المسرح والموسيقى والثقافة، ويقول: "أنا أيضا أعمل في مجال السياحة البديلة منذ سبع سنوات وهو مشروع توعوي تثقيفي وترفيهي، وليس ربحيا، والهدف منه إيصال الحقيقة عن الجولان السوري قبل وبعد الاحتلال لتفنيد الرواية المزيفة للاحتلال".

بالقرب من معبر القنيطرة الذي تتمركز فيه قوى من الأمم المتحدة، يقول للمجموعة التي يرافقها: "يمر الطلاب السوريون (القاطنون في الجولان المحتل) من هنا إلى دمشق. ولكن بعد الأحداث في سوريا، عاد الطلاب للمرة الأولى عن طريق الأردن".

ويتحدث أيضا عن العرائس اللواتي كن يعبرن للزواج في دمشق. ويقول: "من كانت تتزوج هناك، لا تعود ترجع إلى هنا. إسرائيل تسمح بإخراج العروس، ولا تسمح بإدخال عروس من سوريا إلى الجولان". لكن هذا المعبر أقفل بسب الحرب المستمرة في سوريا منذ أكثر من خمس سنوات.

ويشجع مداح على القيام بزيارات إلى القرى العربية والمسارات الطبيعية في الجولان المحتل، بينما تروج المواقع الإلكترونية السياحية الرسمية، مثل موقع "مرتفعات الجولان السياحي الإسرائيلي"، لزيارة "مصانع النبيذ والفنادق السياحية ومسارات المشي في المستوطنات، للتأثير والحفاظ على بلدنا".

ويقول مداح: "في الرحلة، نحن نتمتع بالطبيعة الخلابة والمعرفة، وبهذه الزيارات أيضا أنا أنفع أولاد بلدي لأن الناس تدخل المطاعم وتشتري من المنتوجات الزراعية".

وتقول الشابة ربى أبو رمحين (20 عاما)، التي تشارك في رحلة السياحة البديلة، وهي طالبة تدرس الحقوق في جامعة حيفا: "هذه ليست المرة الأولى التي أحضر فيها إلى الجولان... نتعلم أشياء جديدة لا أحد يخبرنا عنها، أنا أستمتع بالطبيعة وأستفيد من المعلومات وأنقل ما أتعلم لأصدقائي ولعائلتي".

أما روني هلون (23 عاما)، وهو طالب تمثيل من قرية عسفيا في جبال الكرمل، فيقول: "هذه رحلتي الثانية إلى الجولان. لم أتخيل في حياتي أنني سأدخل مبنى قيادة ومعسكرا ومستشفى كانت للجيش السوري. في كل مرة أتعلم شيئا جديدا. نستنشق هواء الطبيعة ونعيش أحداث التاريخ هنا. هذه الرحلات وثقت علاقتنا مع الجولانيين ومع المكان".

ويتقدم مداح مع مجموعته مشيا في مياه نهر الحاصباني الباردة، وسط الحجارة والصخور. ويتدفق النهر من ينابيع السفوح الشمالية الغربية لجبل الشيخ في لبنان ويمر على مسافة 24 كيلومترا في الأراضي اللبنانية قبل أن يدخل الجولان. ويتحدث عماد عن التوتر بين لبنان وإسرائيل حول مياه الحاصباني.

وعند الوصول إلى مدخل الجولان، يقول مداح: "نحن دخلنا حدود الجولان السوري الذي احتلته إسرائيل عام 1967. انظروا إلى اليسار"، في إشارة إلى لافتات صفراء تقول "احذروا الألغام".

ويبلغ عدد سكان الجولان حاليا 31 ألف نسمة. حتى حزيران/ يونيو 1967، كان يضم 250 قرية ومزرعة ويسكنه نحو 150 ألف نسمة. وهدمت إسرائيل القرى، وأبقت على خمس منها هي عين قينيا وبقعاتا ومسعدة ومجدل شمس والغجر التي يسكنها علويون معظمهم يحمل الجنسية الإسرائيلية. ويوجد قسم من الغجر في الأراضي اللبنانية.

وكان السكان من المسيحيين والمسلمين والشراكسة والدروز، ولجأ قسم كبير منهم إلى داخل سوريا.

في الطريق إلى بلدته مجدل شمس، يقول مداح: "كانت هنا قرية جباث الزيت"، هدمتها إسرائيل وبنت على آثارها مستوطنة "نفيه أتيف".

وسط ساحة بلدة مجدل شمس، تمثال لسلطان باشا الأطرش الذي حارب الاستعمار الفرنسي في سوريا. ويشرح مداح: "صنع التمثال الفنان حسن خاطر ودشن في الرابع من نيسان/ أبريل 1987. بعد أيام، ألقيت قنبلة على التمثال (...) لكنه كان قويا". ويتحدث مداح عن رفض غالبية السوريين في الجولان للجنسية الإسرائيلية.

في منطقة أطلق عليها اسم وادي الصياحات على الحدود، أسلاك شائكة كهربائية كبيرة وممر خاص بسيارات الجيش الإسرائيلي. قبل الإنترنت، كان الناس من جانبي الحدود يلتقون عند طرفي واد وينادون لبعضهم ويتواصلون. ويقول مداح: "كنا نحتفل بعيد الجلاء (الجيش الفرنسي) هنا".
التعليقات (0)