ملفات وتقارير

هل حدد الرسول طريقة لإقامة "الدولة الإسلامية"؟

الحركات الإسلامية
الحركات الإسلامية
لم يحدد الشرع الإسلامي طريقة شرعية يجب اتباعها لإقامة الدولة الإسلامية، بل ترك ذلك مفتوحا ليختار المسلمون ما يناسبهم من الطرق، المتوافقة مع الشريعة، بحسب ظروف زمانهم ومكانهم، وفقا لباحثين إسلاميين.

لكن حزب التحرير الإسلامي انفرد من بين الجماعات والحركات الإسلامية، برؤيته الخاصة به، التي قرر فيها ثبوت طريقة شرعية محددة لإقامة "الدولة الإسلامية"، وهي الطريقة ذاتها التي سلكها الرسول عليه الصلاة والسلام لإقامة الدولة الإسلامية الأولى.

فما هي تلك الطريقة التي اعتبرها حزب التحرير الكيفية الشرعية الوحيدة لإقامة الدولة الإسلامية؟ وما هي أدلته على ذلك الفهم والاستنباط؟ وكيف يُقيم العلماء والدعاة ذلك الفهم؟ وما مدى دقة فهم الحزب وصحة استنباطه؟

الطريقة الشرعية كما يراها الحزب

ووفقا لنائب رئيس المكتب الإعلامي لحزب التحرير في الأردن، الدكتور أحمد حسونة، فإن حزب التحرير ليس هو الذي حدد الطريقة الشرعية لإقامة الدولة الإسلامية، وإنما الذي حددها هو الشرع، التي جاءت مبينة تماما في السيرة النبوية، منذ بدء الدعوة وحتى إقامة الدولة.

وأوضح حسونة أن الحزب قام بدراسة السيرة النبوية دراسة فاحصة، انتهى منها إلى الوقوف على الطريقة الشرعية التي سلكها الرسول عليه الصلاة والسلام، لإقامة الدولة، التي كانت بوحي من الله، وقد ثبت عليها الرسول ولم يتحول عنها لأي طريقة أخرى التزاما بما أمره الله به.

وأضاف حسونة لـ"عربي21": "من المعلوم أن المسلم إذا أراد أن يؤدي عبادة من العبادات، كالصلاة مثلا، فإنه يدرس أدلة الصلاة، وإذا أراد أن يزكي ماله أو يحج فإنه يدرس الأدلة المتعلقة بكل مسألة بعينها، وكذلك ينبغي أن يكون الأمر إذا أراد أن يقيم الدولة، فإن الواجب عليه أن يدرس أدلة قيامها من فعل الرسول عليه الصلاة والسلام".

وتابع حسونة بأن "طريقة السير في حمل الدعوة هي أحكام شرعية، تؤخذ من طريقة سير الرسول في حمله الدعوة لأنه واجب الاتباع، للآيات الدالة على وجوب اتباع الرسول والتأسي به، والأخذ عنه كقوله تعالى: { لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا}".

وبناء على استقراء الحزب للسيرة النبوية، فقد حدد الحزب طريقة سيره بثلاث مراحل:

الأولى: مرحلة التثقيف لإيجاد أشخاص مؤمنين بفكرة الحزب وطريقته لتكون الكتلة الحزببة.

الثانية: مرحلة التفاعل مع الأمة، لتتخذ الإسلام قضية لها، ولكي تعمل على إيجاده في واقع الحياة.

الثالثة: مرحلة طلب النصرة من أهل القوة لاستلام الحكم، وتطبيق الإسلام تطبيقا عاما شاملا.

والتزاما بهذه الطريقة، فإن الحزب لا يستخدم القوة المادية، ولا يلجأ إليها لأن عمله محصور بالصراع الفكري، والكفاح السياسي، وطلب النصرة من أهل القوة، ولا يسلك أي طريقة أخرى (انتخابات، قتال الأنظمة..) التزاما منه بالطريقة الشرعية التي سار عليها الرسول عليه الصلاة والسلام.
 
ومن الملاحظ، أن الحزب جعل تلك الطريقة الواجب اتباعها شرعا -بحسب فهمه- معيارا تقاس عليه جميع الطرق الأخرى، التي لن توصل في نهاية المطاف إلى إقامة الدولة الإسلامية، لعدم سلوكها الطريقة الشرعية الصحيحة.

تقويم ونقد ومراجعات

كيف يقيم العلماء والدعاة وأساتذة العلوم السياسية تلك الطريقة التي استقر عليها رأي حزب التحرير، باعتبارها الطريقة الشرعية الوحيدة التي يجب سلوكها لإقامة الدولة الإسلامية؟

من جهته، خالف الأكاديمي الشرعي الكويتي، أمين عام حزب الأمة الكويتي، الدكتور حاكم المطيري، حزب التحرير مخالفة تامة في رؤيته المحددة لما أطلق عليها وصف "الطريقة الشرعية لإقامة الدولة الإسلامية"، وناقشه نقاشا مطولا في استدلالاته كافة، التي أقام عليها بنيان رؤيته تلك.

ففي بحث اطلعت "عربي21" عليه، ناقش المطيري فيه مطولا رؤية الحزب المحددة للطريقة، وفند جميع الأدلة التي استند إليها في استدلالاته على بناء رؤيته تلك.

ووفقا للمطيري، فإنه "لا دليل على أن النبي صلى الله عليه وسلم، حدد طريقة معينة لإقامة الخلافة من بعده، وإنما أوجب النبي إقامة الخلافة، وحدد طبيعة النظام السياسي في الإسلام وأنه خلافة نبوة، وأنها تقوم على الشورى... إلى غير ذلك من الأحكام الشرعية الواردة في الكتاب والسنة، أما الطريقة والكيفية فلم يحددها الشارع، ولهذا اجتهد فيها الصحابة".

واعترض المطيري على استدلال الحزب، بقوله إن "إقامة الخلافة عبادة كإقامة الصلاة"، واصفا إياه بـأنه "مجرد رأي لا دليل عليه من كتاب ولا سنة، فالخلافة فرض واجب كفروض الكفايات التي لا تعبد في طريقة أدائها، وإنما التعبد في أدائها وإقامتها بذاتها، وهي في ذلك كالأمر بالمعروف، والجهاد في سبيل الله، فليس هناك طريقة محددة للأمر بالمعروف، ولا كيفية معينة".

وأضاف المطيري: "بل الواجب إزالة المنكر بكل وسيلة يستطيعها المكلف، فالمقصود إقامة هذه الواجبات، أما كيفية أدائها فهذا تركه الشارع للمكلف، يستعمل من الطرق والوسائل ما يحقق به مطلوب الشارع.. وكذلك الأمر بالنسبة للجهاد، ولم يقل أحد قط بأن فريضة الجهاد عبادة كالصلوات يجب الالتزام بأدائها على نحو محدد وطريقة معينة لا تسوغ إلا بها".

وحكم المطيري على احتجاج الحزب بطريقة إقامة النبي عليه الصلاة والسلام للدولة الإسلامية، بأنه "احتجاج غير صحيح، من جهة أنه لا دليل على أن النبي جعل طريقته تلك، هي السبيل الوحيد لإقامة الدولة، بحيث لا يسوغ إقامتها إلا وفق تلك الطريقة التي أحاطت بها ظروف مكانية وزمانية، اقتضت منه عليه السلام الأخذ بها آنذاك".

وتابع المطيري: "ولو فرض أن قريش آمنوا واستجابوا لكان دخولهم في الإسلام طواعية، ومتابعة العرب لهم كافية، ولما كان النبي عليه السلام عرض نفسه على قبائل العرب، ولما طلب النصرة، ولما هاجر.. 
الطريقة إيجاب ما لم يجب".

من جهته، اعتبر الداعية والباحث الشرعي الأردني، الدكتور جمال الباشا، تحديد حزب التحرير لطريقة شرعية يجب اتباعها لإقامة الدولة الإسلامية، إيجاب ما لم يوجبه الشرع، إذ لا دليل على وجوب ما رأوه واجبا من حيث الاستدلال الأصولي.

وقال الباشا لـ"عربي21": "إن الاستدلال بأفعال النبي عليه الصلاة والسلام -المراحل التي مر بها في دعوته كما جاءت في أحداث السيرة- غاية ما يدل عليه الاستحباب، ومجرد تكراره لفعل ما، لا يدل على وجوبه، فالنبي عليه الصلاة والسلام حافظ على أداء السنن المؤكدة، لكنها بقيت سننا مؤكدة، ولم تصبح واجبة لمجرد مداومته عليها".

في السياق ذاته، انتقد المنظر والفقيه الجهادي عمر محمود المعروف بـ"أبي قتادة الفلسطيني"، استدلال الحزب بفعل النبي عليه الصلاة والسلام، المتكرر في دعوته، وطلبه للنصرة من القبائل على أنه يفيد الوجوب، واصفا له بالباطل، ولافتا إلى أن جمهور العلماء يرون أن فعل النبي يفيد الاستحباب، ما لم يكن ثمة قرينة تنقله إلى الوجوب.

ووفقا لأبي قتادة، فإن دوام الرسول عليه الصلاة والسلام، على فعل ما لا يعدّ قرينة، لأن فعله عليه الصلاة والسلام كان ديمة، كما تقول السيدة عائشة، أي أنه عليه الصلاة والسلام إذا عمل عملا كان يداوم عليه.

وطالب أبو قتادة، حزب التحرير بضرورة التدقيق حين استدلاله بفعل الرسول عليه الصلاة والسلام في طلبه للنصرة من القبائل، فهل كان الرسول يطلب نصرتهم بعد دخولهم في الإسلام، ثم يتولى الحكم عليهم، أم إنه كان يطلبها لمجرد حمايته ممن يؤذونه، أم إنه كان يطلبها لمجرد تمكينه من الدعوة إلى الله؟

وأكد أن حزب التحرير يطلب النصرة فقط  على وجه واحد، وهو تبني المدعوين للدين ثم تمكين الحزب من ممارسة الحكم والسلطة. 

في السياق ذاته، اعتبر أستاذ العلوم السياسية في جامعة اليرموك الأردنية، الدكتور وليد عبد الحي، أن فكرة الحزب المركزية القائمة على طلب النصرة من مراكز القوة (خاصة العسكرية) غير قابلة للتحقيق في ظل طبيعة المؤسسة العسكرية القائمة في الدول المستهدفة عندهم. 

وجوابا عن سؤال "عربي21": "ما هي موانع تحقيق طلب النصرة من المؤسسة العسكرية؟"، قال عبد الحي، طإن "السمة الرئيسة للمؤسسة العسكرية العربية، هي أنها معادية للفكر الديني، فمن قمع الإخوان في مصر هي المؤسسة العسكرية، ومن قمع الإسلاميين في الجزائر هو المؤسسة العسكرية، ومن يسند نظام بشار هو المؤسسة العسكرية".

وتساءل عبد الحي: "كيف يمكن طلب النصرة من جهة تعتبرك عدوا لها؟"، لافتا إلى أن إمكانية طلب النصرة من المؤسسات العسكرية المختلفة يمكن أن يتحقق لو أنها كانت متعاطفة مع الإسلاميين، وهي في جميع الدول العربية ليست كذلك، فكيف يتصور طلب النصرة منها؟

وخلص عبد الحي إلى القول: "إن ما يقوله حزب التحرير عن طلب النصرة من المؤسسة العسكرية قد يسهل تصوره ذهنيا عند المؤمنين بفكر الحزب، لكنه يستحيل تحققه في أرض الواقع، لعدم أهلية الجهة المستهدفة سياسيا وأيديولوجيا ونفسيا لتقديم النصرة المطلوبة، إذ إن بنية المؤسسات العسكرية العربية غير مهيأة لإمكانية حدوث هذا الأمر المتخيل". 
التعليقات (13)
محمود اسعد ابو عمر
السبت، 20-04-2019 11:20 ص
الالتزام بطريقة الرسول في اقامة الجولة فرض عندما يتحدث الاخوان المسلمون عن منهجهم يقسمون سيرهم الى ثلاث مراحل تعريف وتكوين وتنفيذ. ويقولون عند الحديث عن التنفيذ انها مرحلة الوصول الى الغاية دون تفصيل لمعنى الغاية وكيفية الوصول. عندما عرض الحزب لطريقة إقامة الدولة كان عرضه عمليا وفيه توضيح لكيفية انتقال الفكرة الى حيّز التطبيق وكل ما يلزم لإقامة حكم الاسلام. وبين معنى السلطان وان الأصل في الفكرة ان يقتنع الناس بها ويضعونها موضع التطبيق. والاصل في ذلك امتلاك الناس لتنفيذ ارادتهم ووجود قوة لديهم تسند السلطان. ولهذا فرق الحزب بين القوة والسلطان وامتلاك احدهما لا يعني بالضرورة امتلاك الاخر. فقد يمتلك الحاكم القوة ولكنه لم يعط من الامة البيعة وهو حاكم مغتصب للسلطان. وقد تتوحد الامة إجماعيا على ارادتها تنفيذ ما اقتنعت به لكن القوة الغاشمة تمنعها من تنفيذ ارادتها وإنفاذ سلطانها. ولهذا فمن الطبيعي ان من يسعى لتغيير الدار ينظر الى ما يحتاجه ويعمل على إيجاده ومن ذلك كسب القوة بجانب إيجاد الرأي العام المنبثق من الوعي العام. بالنسبة لطلب النصرة التي قام بها الرسول صلى الله عليه وسلم أدت عمليا الى قيام الدولة ومن أعطى النصرة سموا أنصارا وكانوا ممن يمتلك القوة. اي ان القوة كامنة فيهم. فالامر لا يحتاج الى تخريص بالنسبة لواقع طلب النصرة ومن أعطى النصرة لان النتيجة كانت عمليا قيام كيان الاسلام في المدينة المنورة. بالاضافة الى ان واقع طلب النصرة لم يكن فقط لمجرد الحماية وإنما للحماية والحكم. وثقافة الحزب واضحة في ذلك. ومثالا عامر بنو صعصعة وثعلبة بنو شيبان واضحان في ان القبائل فهمت ان المقصود هو الحكم ولم يكن ذلك تخمينا منهم. وردود المصطفى عليهم إقرار منه ان المقصود بذلك الحكم. فطلب النصرة هو جزء من الطريقة لكسب القوة النافذة التي تمضي سلطان الامة. وكذلك أهل القوة هم جزء من الامة واستثناءهم يحتاج الى دليل وثالثا لو لم تكن طلب النصرة من الطريقة لكانت من باب ما لا يتم الواجب الا به فهو واجب. ان هدم طلب النصرة معناه ان يقف العاملون على إقامة حكم الاسلام ام فراغ عملي في كيفية امضاء سلطان الامة وكيفية تحويل الرأي العام فيها الى دولة وحكم. وبالتالي يصبح العمل لإقامة الدولة دوران في فراغ. واهمال من يملك القوة او عدم إيلاء أهمية لكسبه والاتكال على ان النصر من الله هو نوع من القدرية الغيبية ومعناه التعلق بالغيب وتركه يحكم عالم الشهادة. مع ان حامل الدعوة لا يعيش في الغيب وان كان يؤمن به ولا يكل نفسه الى الوسائل والأدوات والاساليب وان كان يستفرغ جهده في تسخيرها لإقامة الدولة. ان ضرب فكرة طلب النصرة من اصحاب القوة مثل الجيوش هو عمل مشبوه عليه الف علامة استفهام وهو خدمة ذهبية للانظمة لتبقى معتمدة على الجيوش وفِي مأمن من انقلاب اصحاب القوة على عصابة الحكم.
زاز احمد
الأربعاء، 15-08-2018 11:36 م
النبي محمد انشاء دولة المواطنة هي تحالف قبلي هو ولي امره ونجح في ذالك انظر الى ( وثيقة المدينة) و بعدها حاول انشاء دولة الاسلام هي تحالف ملل هو ولي امره وولم ينجح في ذالك انظرالى ( رسائل ملوك زمانه)
Benwalid
الأربعاء، 28-06-2017 12:59 م
يسر المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير أن يقدم لمتابعي وزوار صفحات المكتب الإعلامي المركزي وإذاعة المكتب الإعلامي المركزي سلسلة صوتية بعنوان "هل حدد الرسول صلى الله عليه وسلم طريقة لإقامة الدولة ؟" للكاتب والمفكر ثائر سلامة-أبو مالك، فكونوا معنا.. http://www.hizb-ut-tahrir.info/ar/index.php/sporadic-sections/articles/cultural/44261.html
رامي العبد الله
الأربعاء، 28-06-2017 12:15 م
نرجو زيارة الرابط أدناه ففيه رد جامع مانع على ما جاء من أراء في المقالة أعلاه: http://www.hizb-ut-tahrir.info/ar/index.php/sporadic-sections/articles/cultural/44261.html
إبتهال
الأربعاء، 16-11-2016 02:40 ص
حزب التحرير يسعى لإقامة الدولة متبعا طريقة رسول الله ? وهي التثقيف الذي عمد إليه رسولنا الكريم في بيت الأرقم بن الأرقم حتى كون الكتلة الأولى ثم تفاعل هذه الكتلة مع المجتمع بالصراع الفكري والكفاح السياسي ومن ثم طلب النصرة من القبائل ومن أهل المدينة الذين نصروه ? ومن معه فأقام أوّل دولة للإسلام وهدا منهاج حزب التحرير في إقامة ثاني دولة للإسلام: خلافة راشدة ثانية على منهاج النبوة..