قضايا وآراء

من الرز العربي إلى التومان الإيراني.. حلف الشر يكتمل!

خليل المقداد
1300x600
1300x600
"أود أن أعبر عن خالص شكري إلى جمهورية مصر العربية، وإلى فخامة الرئيس السيسي بسبب الموقف النبيل والشريف تجاه الجرائم التي يرتكبها إرهابيون في سوريا الحبيبة، مصر تحت حكم السيسي باتت إحدى الدول الرائدة في العالم التي تدعم محور المقاومة في المنطقة بكافة الأشكال، بما في ذلك الدعم السياسي والعسكري، شكرا مصر، سنرد إليك الجميل بالشكل الملائم".

هذا كان نص الحديث الذي نقلته صحيفة "جيروزاليم بوست" الإسرائيلية بتاريخ 2/5/2016 عن أمير موسوي، الذي عبر عن شكره وتقديره للرئيس السيسي على دعمه لنظام الأسد. جاء هذا الكلام ردا على حملة دشنها ناشطون مصريون وسوريون، تنتقد نظام الانقلاب في مصر على دعمه نظام الأسد بصواريخ وأسلحة ثبت بالدليل القاطع أن بعضها صناعة مصرية، في حين أن النظام المصري قام بتحديث جزء من ترسانته العسكرية، من خلال إرسال القديم منها لنظام الأسد كدبابات "تي 72"، وشراء دبابات حديثة قامت دولة عربية بتمويل الصفقة مع روسيا.

الأسلحة المصرية كان يتم شحنها منذ بدايات العام 2015؛ من ميناء بورسعيد إلى ميناء طرطوس بواسطة سفن بضائع أوكرانية، حيث تعتبر هذه السفن الأكثر شيوعا كواسطة نقل لشحنات أسلحة السوق السوداء عبر مياه البحر المتوسط والبحر الأدرياتيكي.

ملحمة حلب الكبرى كشفت عن وجود أسلحة وذخائر مصرية في مستودعات الأسد التي استولى عليها المجاهدون والثوار غربي حلب.

نظام الانقلاب المصري ومنذ اللحظة التي وصل فيها إلى الحكم، انقلب مباشرة على سياسات الرئيس المنتخب محمد مرسي وحكومته، فشن حملة اعتقالات طالت المئات من السوريين، الذين تم احتجازهم في ظروف إنسانية قاسية، استدعت تدخل العديد من الدول ومنظمات حقوق الإنسان، ليتم الإفراج عنهم وترحيل بعضهم الآخر إلى دول عديدة، بعد أن كان النظام المصري يهدد بإعادتهم إلى سوريا ما يعني تسليمهم لنظام الأسد.

دعم "النظام الانقلابي" لنظام الأسد "الأقلوي" المجرم، لم يقتصر على الجانب العسكري، فهو يدعمه سياسيا، وإعلاميا، وتصويت مصر لصالح القرار الروسي في مجلس الأمن قبل عدة أسابيع جاء كجزء من هذا التوجه، المفارقة هي أن النظام المصري لعب على كافة الحبال، فشارك في التحالف العربي ضد صالح والحوثي، لكنه وبدل أن يُفعّل هذه المشاركة عمليا، وجدنا أنه يستقبل وفودا من جماعة الحوثي وحزب الله.

نظام السيسي يتنكر لثورة الشعب السوري، ويتحجج بأنه يدعم الأسد ضد الإرهاب، وهو الذي قتل واعتقل آلاف المصريين، ودعم الحشد الشعبي الشيعي في العراق، وأرسل سياسييه وإعلامييه وفنانيه للتضامن معهم ورفع معنوياتهم، وهو كذلك يستقبل وفودا أمنية وسياسية من حزب الله المصنف عربيا كجماعة إرهابية. الأنكى من ذلك أن نظام السيسي يسخّر الجامعة العربية لصالح محور الشر، وينسق مع إيران ويقيم معها علاقات طيبة جدا، رغم علمه أنها تزعزع أمن الدول العربية، وخاصة تلك التي دعمته بعشرات المليارات من الدولارات.

العجيب أن السيسي يحاكم رئيس مصر الشرعي محمد مرسي بتهمة التخابر مع دولة قطر، في حين أنه يتخابر مع إسرائيل وأمريكا وروسيا وإيران، وحتى مع جماعات ومنظمات إرهابية مثل الحوثي، وحزب الله، والحشد الشيعي، وشخصيات كخليفة حفتر، ويحاصر فلسطينيي غزة ويضيق عليهم، ويهجر ويجوع المصريين أليس في هذا قلب للموازين والحقائق؟

قبل عدة أيام، وتحديدا بتاريخ الخامس عشر من شهر تشرين الأول/ أكتوبر؛ أجرت روسيا ومصر تدريبات عسكرية سميت "تدريبات حماة الصداقة"، حيث استخدمت ستة مطارات عسكرية، وشارك فيها أكثر من 700 عسكري من كلا البلدين. المناورات تركزت على الإنزال المظلي للأفراد والمعدات، الأمر الذي يعطي صورة عن الهدف من هذه التدريبات، وطبيعة التحرك المستقبلي الذي يعول عليه كلا البلدين، لجهة التدخل في سوريا وليبيا.

التدريبات المصرية الروسية أتت عقب زيارة وفد عسكري مصري لسوريا، ضم قادة من الجيش الثاني الذي يتمركز غربي قناة السويس، حيث اجتمع الوفد بضباط روس وسوريين في قاعدة حميميم العسكرية الروسية، ليقوم الوفد بعدها بزيارة ميدانية جوية فوق أهم مناطق تمركز فصائل المعارضة السورية، وهذه أيضا إشارة مهمة عن طبيعة التحرك المستقبلي المصري. إِذ ما حاجة الضباط المصريين للتعرف على مناطق العمليات العسكرية في سوريا، لولا أن هناك نوايا مبيتة وتحضيرات لتدخل مصري في سوريا بطريقة أو بأخرى، خاصة وأن البلدين قد اتفقا تقريبا على استئجار روسيا لقاعدة "سيدي براني" الجوية؟!

الجنود الروس والمصريون "المسلمون" المشاركون لم يفوتوا فرصة إقامة صلاة مشتركة يختتمون بها تدريباتهم! 

لا يمكن إغفال توقيت زيارة الوفد العسكري المصري لقاعدة حميميم الروسية، والتي جاءت بعد شهر على زيارة علي مملوك، أرفع مسؤول أمني لدى الأسد إلى مصر، وهي زيارة أعقبت تصويت النظام المصري المخزي لصالح القرار الروسي في مجلس الأمن، والانتقاد العلني الذي وجهه السفير السعودي لهذا التصويت، وما تلاه من توتر في العلاقات السعودية المصرية، ليخرج هذا الخلاف للعلن، وهو ما أسهم في تمادي النظام المصري، خاصة بعد وقف أرامكو السعودية لشحنات المشتقات النفطية أوائل شهر تشرين الأول/ أكتوبر من هذا العام.  

النظام المصري ومن خلال انضمامه العلني لمعسكر الشر الروسي، الإيراني، الأسدي، يحاول ترجيح كفة هذا المحور والضغط على السعودية ودول الخليج العربي، في محاولة ابتزاز مفضوحة، خاصة بعد التقارب الخليجي التركي، الذي أزعج السيسي وبات يعتبره خطرا وجوديا على نظامه، وهو الذي طالما عزف على وتر الخلافات الخليجية التركية.

وكأن الشعب السوري لا يكفيه تدخل إيران، ومليشياتها الباكستانية، والأفغانية، والعراقية، واللبنانية الطائفية، ولا روسيا ومرتزقتها، ولا الغرب ومرتزقته ولا منظمة "بي كا كا" الإرهابية وملحقاتها، ولا فصائل منظمة التحرير الفلسطينية، والأحزاب العربية القومية الممولة إيرانيا، لتكتمل الصورة بتدخل مصري. لطالما حلمنا أن يكون داعما لشعب عربي مسلم، تكالب عليه الجميع، وليس إلى جانب نظام طائفي مجرم.

إِن حدث التدخل العسكري المصري في سوريا إلى جانب نظام الأسد، فإنه لن يكون مفاجئا، لأنه سَيُتوج سنينا من الدعم العسكري والتعاون الأمني والسياسي بين النظامين، لكنه لن يكون مُبّررا على الإطلاق. فحتى وإن كانت ثورة الشعب السوري يتيمة لا أب لها ولا أم، فإن هذا لا يعطي الحق لأدعياء العروبة والإسلام، وكل من هب ودب أن يشارك في ذبح هذا الشعب، من أجل تسجيل موقف أو تعزيز حضور إقليمي.

لطالما تفاخر المصريون بمصر ودورها العربي والإسلامي، لكنهم اليوم باتوا رهينة نظام فاشي مجرم لا يكتفي بقتلهم، بل يشارك بقتل السوريين والليبيين والفلسطينيين أيضا، فمشاركة وحدات من الجيش المصري إلى جانب حفتر لا تخطئها عين. أما في سوريا، فهناك أدلة لا يمكن إغفالها تشير إلى مشاركة طيارين وجنود مصريين في القتال إلى جانب نظام الأسد، إضافة لوجود ما سمي كتيبة المرابطين، ومليشيا الحرس القومي التي تدعمها وتمولها إيران، وتضم مقاتلين من عدة جنسيات عربية، قتل منها عناصر مصريون وجزائريون. 

يعود تاريخ مشاركة الطيارين المصريين في القتال إلى جانب الأسد إلى العام 2013. فقد كشف الفريق المتقاعد بالجيش المصري سامي الحسن؛ عن إرسال طيارين مصريين لمشاركة نظام بشار الأسد في قمع الشعب السوري، حيث ذكر عبر حسابه على موقع تويتر بتاريخ 4/11/2013، بأنه بتنسيق مع وزارة الدفاع والسفارة السورية في القاهرة تم إرسال 25 طيارا من القوات المسلحة إلى دمشق، وأن الذي أشرف على مهمة إرسال الطيارين المصريين إلى سوري، هو اللواء أركان حرب يونس السيد المصري.

السيسي فشل في إدارة دفة البلاد عسكريا وسياسيا واقتصاديا، لكنه يحاول الهروب إلى الأمام ولا يمانع أن يكون أداة بيد أي جهة تدعم بقاءه على سدة الحكم، ولا مشكلة لديه في استبدال الدرهم والريال بالتومان الإيراني، في حين أن الفقر يعصف بالمصريين، يكفي أن نعلم أن هناك 5% من المصريين لا يجدون الطعام، وحوالي 30% منهم تحت خط الفقر، هذا يعني أن ما نسبته 40% من المصريين جائعون أو فقراء، وهذه أرقام مرعبة بكافة المقاييس، ومن المتوقع أن ترتفع هذه الأرقام مع تعويم سعر الجنيه المصري.

السيسي صاحب الثلاجة الفارغة إلا من الماء، ليس مسؤولا عن أزمة المصريين، فهم الذين لم يصبّحوا على مصر بجنيه، ولم يعطوه الفكة!
  
دعم النظام المصري لشقيقه السوري بحجة مكافحة الإرهاب، يذكرنا بموقف النظام الجزائري الذي ينسق مع نظام الأسد بحجة مكافحة الإرهاب؛ ودعم سوريا للثورة الجزائرية، وهو الموقف الذي جاء ردا على ما يقال إنه دعم خليجي للمغرب في قضية الصحراء. فقد خلّفت زيارة وزير جامعة الدول العربية في الجزائر، عبد القادر مساهل، إلى سوريا مطلع الشهر الخامس من هذا العام، ولقائه برموز النظام السوري، موجة من الانتقادات حتى وسط أحزاب المعارضة الجزائرية، لكن الثابت هو أن الأنظمة الديكتاتورية لا يمكن أن تقف إلى جانب الشعوب ولا أن تدعم ثوراتها بحال من الأحوال. فالنظام المصري انقلب على ثورة الشعب، والنظام الجزائري كان ولايزال مهددا بثورة شعبية، يضاف إلى ذلك أن الجزائر لا يتخندق حيث يتخندق المغرب، وهذه من المسلّمات. 

سوريا أصبحت أرضا لتصفية الحسابات، ودماء السوريين ماء يسكب على مذبح المناكفات والخلافات، والاتفاقات الدولية والإقليمية، وتحقيقا لأمن إسرائيل، وإرضاء لإيران مقابل تسوية ملفها النووي.

بعد انطلاق ثورة الشعب السوري وقبل انقلاب العسكر في مصر، دار حديث بيني وبين أحد ثوار مصر، الذي قال لي بالحرف: إيه يا عم بئالكو سنة مش عارفين تشيلو بشار، وإحنا شلنا مبارك بـ "تمنطعشر" يوم. أجبته حينها بالقول: أنتم لم تسقطوا سوى الرأس الهَرِم الذي ضحى به الجيش، وسيعود أحد أبناء مبارك أو ضباط جيشه ليحكمكم من جديد. وهو ما حدث بالفعل، فهل سينجح المصريون في إسقاط حكم العسكر؟ موعدنا يوم الحادي عشر من هذا الشهر فربما نجد إجابة شافية على هذا السؤال!
التعليقات (0)