مقالات مختارة

هل الجزائر مهدّدة بالإفلاس؟!

حسين لقرع
1300x600
1300x600
عندما أصدر صندوقُ النقد الدولي في مارس الماضي تقريرا حذر فيه عددا من الدول النفطية، ومنها الجزائر، من الإفلاس في ظرف 5 سنوات فقط إذا لم تنوّع مصادرَ دخلها خارج المحروقات، اعتقدنا أن الصندوق يتجنى عليها، ولكن ها هو محافظ بنك الجزائر يؤكد أن "ما تبقى من احتياطات صرف يكفي عامين اثنين فقط من الاستيراد"، وليس خمس سنوات، وبعدها ستجد الجزائر نفسها في وضعية شبيهة بما عرفته في سنة 1994؛ إذ شارفت على الإفلاس باعتراف مسؤولينا آنذاك، وكادت أن تصل إلى درجة العجز حتى عن استيراد باخرة قمح!

وهنا ينبغي أن نتساءل: هل يليق ببلد يعيش أزمة مالية خانقة أن يستورد الموز والكيوي والفواكه الإسبانية والكثيرَ من المواد الكمالية التي نراها إلى حدّ الساعة في أسواقنا، ثم يروّج بعض مسؤوليه لإمكانية اللجوء إلى الاستدانة الخارجية لمواجهة الأزمة وتمويل مختلف المشاريع؟

قد يقول قائلٌ إن قيمة هذه المواد ضئيلة، وأن فاتورة الواردات تراجعت مقارنة بالسنتين الماضيتين، وهذا صحيح، ولكننا نعتقد أن البلاد بحاجة إلى كل دولار في خزائنها، ولا يُعقل أن نستمرّ في استيراد أيّ مادة كمالية.. فاتورة الواردات ينبغي أن تتقلّص أكثر لتتناسب مع حجم مداخيل البلاد الآن من النفط، إذا كان هناك تقشّفٌ حقيقيٌ فليتّجه إلى كبح الواردات أكثر، وتقليص مجمل النفقات العمومية غير المُلِحّة، ومكافحة حقيقية وناجعة للفساد الذي أصبح بمنزلة بالوعة لمداخيلنا، واستغلال ما تيسّر من أموال في مشاريع مُنتِجة تكون أساس "الأنموذج الاقتصادي الجديد"، الذي ينبغي أن يضع حدا للاعتماد المفرط على الريع النفطي، ويعيد الاعتبار للعمل والإنتاج كأداة فعّالة ودائمة لخلق الثروة، وإلا سنقود بلادنا بأنفسنا إلى الإفلاس الحتمي.

ما نراه الآن من إجراءات تقشُّفية يكاد ينحصر في رفع الضرائب والرسوم ومختلف الأسعار بهدف التعويض عن خسائر تراجع أسعار النفط، وملء الخزينة من جيوب المواطنين الذين يتحمّلون أعباء هذه الأزمة، في حين لا تزال فاتورة الاستيراد عالية، ولا تزال السلطاتُ تقيم المهرجانات الغنائية الفارغة وتُنفق الملايير على الناعقين باسم الفن، كما تنفق "البقراتُ الحلوب" المسمّاة شركات عمومية مئات الملايين من أموال الشعب على لاعبي الأندية، وغيرها من مظاهر التبذير والسّفه في الإنفاق العمومي.

بعضُ الدول العربية التي مسَّتها الأزمة، لجأت إلى تخفيض أجور كبار مسؤوليها، فلم يستثنِ العراق حتى رئيس الجمهورية ونوابه والوزراء من تخفيضات في الأجور تراوحت بين 40 و50 بالمائة، كما قرَّرت تونس بدورها، في 9 سبتمبر الماضي، تخفيض أجور رئيس حكومتها ووزرائها بـ30 بالمائة، وقالت إن الخطوة القادمة ستكون تخفيض أجور كبار مسؤوليها، كما قررت السعودية منذ أسابيع قليلة، خفض أجور وزرائها وأعضاء مجلسها الشوري وكذا مزاياهم وعلاواتهم بـ15 إلى 20 بالمائة، وقالت إنها ستخفّض لاحقا أجور مسؤولين آخرين، وهذا في إطار تدابير التقشّف الرامية إلى مواجهة الأزمة الناجمة عن انهيار أسعار النفط. فلماذا تحجم الجزائر عن اتخاذ إجراءات مماثلة وتقرِّر بدورها خفض أجور وزرائها ونوابها وكبار مسؤوليها ولو بنسبة ضئيلة، حتى تقدِّم رسالة إيجابية و"تضامنية" للجزائريين بأن التقشّف يشمل الجميع، حكاما ومحكومين، ولا يمسّ الشعبَ وحده؟! 

الشروق الجزائرية
0
التعليقات (0)