كتاب عربي 21

هل تجاوز إخوان الأردن خطر التفتيت والحظر

حسن أبو هنية
1300x600
1300x600
لم تكن مشاركة جماعة الإخوان المسلمين الأردنية في الانتخابات التشريعية التي جرت في 20 أيلول/ سبتمبر الماضي صاخبة كعادتها في المشاركات السابقة، ذلك أن أهداف الجماعة من المشاركة هذه المرة كانت محددة ومتواضعة، وتهدف بصورة أساسية لإعادة شرعنة وجود الجماعة التي تعرضت للحظر القانوني.

وتعرضت الجماعة لحملة دعائية سياسية لنزع شرعيتها التاريخية والشعبية والتشكيك بانتمائاتها الوطنية وتوجهاتها الديمقراطية المدنية، وباتت تحت حصار أطروحة التطرف والإرهاب، وأصبحت تعدّ أحد العوامل الرئيسة لعدم الاستقرار.
 
ومشاركة إخوان الأردن في الانتخابات، جاءت عقب أزمة مزدوجة غير مسبوقة ذاتية وموضوعية على الصعيدين الداخلي المتعلق بإدارة التكيّف الإيديولوجي والتنظيمي والخارجي المتعلق بتدبير العلاقة مع النظام السياسي، وهي أزمة لا تنفصل عن أزمة الجماعة الأم في مصر، وفروعها الممتدة إقليميا وعالميا، وذلك بعد أن فقدت الجماعة مكتسباتها التاريخية وباتت محاصرة وملاحقة محليا وإقليميا ودوليا، إذ لم تقتصر عمليات الاستبعاد والاستئصال للجماعة على الجوانب السياسية المادية فحسب، بل طالت المجالات الرمزية من خلال آليات نزع الشرعية السياسية عن الجماعة باعتبارها حركة "إرهابية".

فقد تم تصنيف التنظيم العالمي للجماعة إرهابيا بداية من مصر الموطن الأول للجماعة، ثم بعض دول الخليج، وعلى رأسها السعودية، مرورا بتوصيات مجلس العموم البريطاني الذي اعتبر الجماعة تتوافر على نزعة إرهابوية وليس آخرا مشروع قرار الكونغرس الأمريكي بتصنيف الجماعة على لائحة الإرهاب، وبهذا فإن مشاركة الجماعة جاءت بعد تغيّر النظرة إليها من كونها تعمل "جدار حماية" ضد التطرف، وتصنيفها "حزاما ناقلا" للتطرف، وصولا للإرهاب.

وقاطعت الجماعة تاريخيا الانتخابات في ظروف سياسية محلية وإقليمية ودولية أفضل من الظروف الحالية، أعوام 1997 و2010 و2013، وهي قرارات اتخذتها الجماعة وفق حسابات كانت تقع في المجال السياسي، لكن قرار المشاركة الحالي يقع في سياق المجال الهوياتي، باعتبار المشاركة مدخلا لإعادة تأهيل الجماعة سياسيا والحفاظ على وجودها القانوني في السياق الوطني الأردني من جهة، والحفاظ على تماسك الجماعة، وتجاوز الانقسامات والانشقاقات الداخلية، من جهة أخرى.

عندما أجرى الأردن انتخابات عام 1989، فازت "جبهة العمل الإسلامي بـ 22 مقعدا من أصل 80 مقعدا، الأمر الذي كشف عن قوة الجماعة وحضورها الجماهيري. ولتجنّب تكرار التجربة، أقدمت الحكومة على تعديل القانون الانتخابي عام 1993، فيما عرف بقانون "الصوت الواحد"، لضمان نتائج مغايرة ترتكز على أولوية التصويت على أسس هوياتية فرعية، تصبح فيه العشيرة مجال المنافسة في الأطراف الريفية والبدوية، وتمكّن رجال الأعمال من المنافسة في المراكز المدينية الحضرية.

وعندما أقرت الحكومة في 31 آب/ أغسطس الماضي مشروع قانون انتخابي جديد يلغي قانون "الصوت الواحد"، ويخفض عدد مقاعد البرلمان من 150 إلى 130 مقعدا، بينهم 15 امرأة، ويقر نظام الدوائر الانتخابية في 2016 الذي قسّم المملكة التي تضم 12 محافظة إلى 23 دائرة، بالإضافة إلى ثلاث دوائر للبدو لم يكن القانون الجديد بعيدا عن ترسيخ أسس النظام الانتخابي السابق وأهدافه.
 
وخاض حزب جبهة العمل الإسلامي، وهو الذراع السياسية لجماعة الإخوان المسلمين، الانتخابات، من خلال ائتلاف "التحالف الوطني للإصلاح" بـ20 قائمة و120 مرشحا، منهم 72 عضوا في الحزب والجماعة، والبقية ضمت شخصيات سياسية وعشائرية ومرشحون مسيحيون وشركس وشيشان.

وقد حصد التحالف 15 مقعدا في البرلمان، 10 منها حصل عليها أعضاء من الجماعة، أما الخمسة الأخرى فذهبت لحلفائهم.

وأوصلت قوائم التحالف ثلاث نساء إلى قبة البرلمان، وسيطرت على المقاعد المخصصة للشيشان والشركس كافة، وعددها ثلاثة.

وقد حصل التحالف في جميع قوائمة العشرين الفائزة والخاسرة منها على 151.787 ألف صوت من إجمالي المقترعين في المملكة، البالغ عددهم بحسب الهيئة المستقلة للانتخابات 1.492.400، إذ بلغت نسبة 10.1 في المئة، من إجمالي أصوات الناخبين.

على الرغم من مشاركة الإخوان في الانتخابات، وغياب الأصوات السياسية الداعية للمقاطعة، فإن العزوف عن الاقتراع كان ظاهرا، إذ اقتربت نسب الاقتراع الحالية مع نسب المشاركة في انتخابات 2013، رغم التعديلات التي أدخلت على قانون الانتخاب بخفض سن الناخب، وقد بلغت نسبة المشاركة حوالي 33 في المئة.

سلوك الإخوان عقب إعلان النتائج كان يشير إلى نوع من الرضا النسبي بالأمر الواقع، ولم تتحدث الجماعة عن تجاوزات وتزوير، ذلك أن أولويات الجماعة ارتكزت على إعادة تأهيل الجماعة، باعتبارها تيارا وطنيا يلتزم بحدود اللعبة الديمقراطية بحدها الأدنى، والتأكيد على قوة الجماعة وحضورها الجماهيري، وأنها تمتلك خطابا معارضا مرنا يؤمن بالدولة المدنية ومقتضياتها.

فقد أرادت الجماعة أن تبعث رسائل تطمينية للحكومة بإمكانية تطوير سلوكها وخطابها، من خلال بناء تحالفات تتجاوز الأطر الإيديولوجية والهياكل التنظيمية والمسائل الهوياتية.

وتجنبت الجماعة خوض الانتخابات من خلال أطرها التقليدية، وأطروحات الجماعة الدينية، وطرحت نفسها كأحد مكونات المعارضة الوطنية المعتدلة من خلال تكوين "التحالف الوطني للإصلاح"، تحت شعار "دولة مدنية"، بعيدا عن الشعارات الدينية السابقة، وفي مقدمتها "الإسلام هو الحل"، في سياق كسر مفهوم التصلب الإيديولوجي.

وعملت الجماعة على الدخول في ائتلاف وطني واسع تجنبا للهياكل التنظيمية الجامدة، وحرصت على ضم مكونات أثنية ودينية من الشركس والشيشان والمسيحيين، للتخلص من شبهة سياسات الهوية القاتلة.

وفي سياق العمل على تبديل صورة الجماعة التقليدية، والتخلص من شبهة التطرف، استخدمت الجماعة في حملتها الانتخابية الوسائل الممكنة كافة، بدءا من تشكيل القوائم والابتعاد عن الخطابات المؤدلجة والمسائل الدولية والإقليمية الشائكة، وانتهاء بطقوس المشاركة والاحتفال، إذ حضرت الأغاني الوطنية والموسيقى خلال المهرجانات، والنساء غير المحجبات. 

وأكدت الانتخابات على كون الجماعة مدينية بصورة أساسية وقادرة على الحشد والتعبئة على أسس تتجاوز الهويات الفرعية، لكن قوتها برزت في المدن الرئيسة المختلطة في عمان الزرقاء، ذات المكونات الفلسطينية والشرق أردنية والشركسية والشيشانية، بينما لم يحصل الإخوان على مقاعد عن المحافظات الشرق أردنية الخالصة، الأمر الذي يكشف طبيعة الأولويات العشائرية في المناطق الريفية والبدوية، وعجز الجماعة عن عمل اختراقات عشائرية كبرى، في ظل قانون انتخابات يعزز من نفوذ المكونات القبلية.

وكشفت الانتخابات أن الانشقاقات التي حدثت داخل الجماعة، التي غلب عليها المكون الشرق أردني، كما هو حال جماعة زمزم والجمعية، ساهمت بتفتيت الأصوات، خصوصا في مدينة إربد، حيث خسرت الأطراف كافة من الجماعة والمنشقين. 

وبرهنت الانتخابات على أن الحكومة لا ترغب باستدخال أي من مكونات الانشقاق عن الجماعة في سياق نظرية الإدماج ومشمولية الاعتدال، إذ لم تتمتع أي من التيارات المنشقة قديما مثل حزب الوسط أو المنشقة حديثا مثل حزب المؤتمر الوطني (زمزم) وجمعية جماعة الإخوان المسلمين، بأي دعم وتمييز.

والأمر الذي يؤكد على نظرية التفتيت كما سبق، أن وضحنا في كتابنا الأخير "جماعة الإخوان المسلمون في الأردن: أزمة الديني والسياسي في السياق الوطني"، الذي أكدنا فيه على جوهر الاستراتيجية الحكومية التي تتبع نهجا يقوم على تفتييت الجماعة، وممارسة الضغوطات على حزب الجبهة، ودفع تيار الاعتدال لمزيد من الفرز والاستقطاب، والرهان على جماعة الحكماء "الشراكة والإنقاذ"، التي وقفت على الحياد في إدارة الانتخابات، لانشقاق أكبر وأعمق.

هكذا، فإن مشاركة الإخوان في الانتخابات لن تحدث فرقا في ظل سيادة نظرية الحزام الناقل للتطرف، وسوف تبقى الجماعة تحت الامتحان والاختبار، في مهمة مستحيلة لإثبات اعتدالها، فإغلاق المقر الرئيس لجماعة الإخوان المسلمين في الأردن، بتاريخ 13 نيسان/ أبريل 2016، تستند لاستراتيجية حكومية صبورة متدرجة، تموضعت بين مقاربتي الاستبعاد والإدماج.

فالمقاربة الأردنية لم تتبن النهج المصري السعودي الإماراتي باستئصال الجماعة وتصنيفها حركة إرهابية، كما أنها لم تتبن النهج المغربي بإدماج الجماعة، واستدخالها سياسيا.

والمقاربة الأردنية في التعامل مع الجماعة سلسة، وتستند إلى سلسلة من الإجراءات السياسية والقانونية، والضغط على تيارات الجماعة، لخلق حالة من الفرز والاستقطاب تفضي إلى دفع تيار "الحمائم" إلى مزيد من الاعتدال والتماهي مع سياسات الحكومة.

وقد أفضت هذه السياسات إلى ولادة جماعة "زمزم"، ثم دفعت باتجاه ترخيص جمعية "الإخوان" تمهيدا لنزع الشرعية القانونية عن الجماعة التاريخية، كما عملت على دفع تيار "الحكماء" إلى تقديم مبادرات تتموضع بين الجماعة والحكومة.

لكن الجماعة التاريخية لم تكن تتعامل مع الإجراءات الحكومية بجدية، وراهنت على الصمود دون تقديم مبادرات تفشل مسار التفتيت، وقد جاءت قراراتها متأخرة دوما لترميم العلاقة بين الجماعة والحكومة.

خلاصة القول، إن مشاركة الجماعة من خلال ذراعها السياسية حزب جبهة العمل الإسلامي، وتشكيل ائتلاف التحالف الوطني للإصلاح، لن يؤدي لإعادة إدماج الجماعة سياسيا مع سيادة نظرية الحزام الناقل للتطرف، وشيوع المقاربات الاستشراقية والثقافوية في التعامل مع ظاهرة الإسلام السياسي، وسوف تنتقل استراتيجية تفتيت الجماعة لتطال الذراع السياسية للجماعة حزب جبهة العمل الإسلامي، لخلق مزيد من الانقسامات على أسس هوياتية تارة، وسياسية تارة أخرى.

فقد تغيرت النظرة التاريخية إلى الإخوان من اعتبارها جدار وقاية ضد التطرف، إلى حزام ناقل للتطرف. ولا يبدو أن ثمة من يصغي دوليا وإقليميا ومحليا لخطورة هذه المقاربة وآثارها المدمرة، وطبيعتها الكارثية.

فعلى الرغم من جملة الآفات التي تعاني منها الجماعة، إلا أنها تشكل في المجتمعات العربية الإسلامية الإسمنت الذي يصل الدولة بالمجتمع، في ظل غياب وضعف مؤسسات المجتمع المدني، وتفتيت الجماعة، واستبعادها يؤذن ببروز مجموعات وجماعات هوياتية غاضبة وعنيفة يصعب ضبطها والتحكم بمآلاتها.
التعليقات (2)
خالد حسنين
الإثنين، 03-10-2016 12:08 ص
تصحيح معلومة وردت في الفقرة التالية: عندما أجرى الأردن انتخابات عام 1989، فازت "جبهة العمل الإسلامي بـ 22 مقعدا من أصل 80 مقعدا، الأمر الذي كشف عن قوة الجماعة وحضورها الجماهيري. والصحيح أن الجبهة تأسست عام 1992 بعد قانون الاحزاب، ولم تكن المشاركة عام 1989 باسم الجبهة وإنما باسم (الحركة الاسلامية-الاخوان المسلمون)..
د احمد ملكاوي
الأحد، 02-10-2016 07:47 م
مع احترامي لكثير مما ورد الا ان هناك نوع من الصاق تهم كثيرة وكأنها حقائق مثبتة عن الجماعة التقرير البريطاني لم يجرم ولم يحظر الجماعة ... وكذلك الامر في أمريكا هناك مشروع قرار تبناه مجموعة من التيار العنصري المتشدد ولم تبت فيه الادارة الامريكية ... والسعودية بالذات في عصر سلمان ليست هي السعودية في عصر عبدالله ... انتهت قصة وصف الجماعة بالارهاب وانتهت اما مصر السيسي فماذا تتوقع منه غير ذلك ... مصر اليوم بعد الاخوان على صفيح ساخن من الانهيار الاقتصادي والاجتماعي والاعلامي وشرعية السيسي هي الان على المحك لا شرعية الاخوان احببت ان أوضح هذه النقاط كي لا نفلت العقال على غاربه في بحر التأويلات والافتراضات غير الدقيقة تحياتي