قضايا وآراء

نداء المثقفين المغاربة لترشيد البناء الديمقراطي

محمد مالكي
1300x600
1300x600
يُنظم المغرب في 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2016 المقبل ثاني انتخابات تشريعية في ظل الدستور الجديد (2011)، وأول انتخابات  في ظل حكومة قادها  " الإسلاميون"، بتحالف مع خليط من " اللبراليين"، و"الإشتراكيين". وتبين الوقائع الجارية  على الأرض أن الاقتراع المقبل موسوم  بالدقة والتعقيد، و يتخلل أجواءه شعور عال من الإحساس بالارتياب والشك، والأمل في أن يُشكل لحظة مميزة للارتقاء بالعملية السياسية نحو الأفضل.

وقبيل البدء الرسمي والقانوني في الحملة الإنتخابية، التي انطلقت الأحد 25 سبتمبر / أيلول 2016، اعترت المشهدَ السياسي المغربي ممارساتٌ غير مقبولة في أعراف الانتخابات الديمقراطية، من قبيل التراشق بالإتهمات والإتهامات المضادة، والبحث في الخصوصيات والحريات الشخصية، والسعي إلى الإنتقاص والحط من قيمة حزب لصالح آخر، والتلاعب في  تزكيات الترشح للإنتخاب، والسعي إلى شراء الولاءات..بل وصلت حدة هذه الممارسات إلى درجة الإيعاز بتنظيم مسيرات شبه شعبية ورفع شعارات تدعو إلى عدم إعادة التصويت على  حزب بعينه، لترجيح الكفة لفائدة حزب منافس له.
 
في سياق هذا المناخ المنذر بتقهقر قيم المنافسة الانتخابية السليمة والنزيهة، بادرت ثلة من المثقفين والحقوقيين والفاعلين السياسيين المغاربة بتوجيه نداء إلى المجتمع بكافة مكوناته، تُلفت  انتباهه إلى أهمية الاقتراع المقبل، وخطورة الاستعداد للمشاركة فيه في ظل ممارسات أقل ما يُقال عنها أنها مشينة بالعملية السياسية، ومُضرة بالنتائح المتوقعة منها، لا سيما من زاوية النخب البرلمانية والحكومية التي ستُسفر عنها نتائجها.  
 
لابد من التشديد على إيجابية هذه المبادرة، وإن جاءت متأخرة، كما لابد من التأكيد على أهمية القضايا المُصاغة في متنها، وعمق الإشكاليات التي أمسك بها محررو الوثيقة. وجدير بالأهمية الوقوف عند الروح العامة الثاوية خلف هذا النداء، والمستبطنة لمفاصلها. فالوثيقة دعوة إلى تحفيز المواطنين على المشاركة في الاقتراع المقبل، وعدم الاستسلام لليأس الناجم عن تلوث المناخ المصاحب للاستعداد للانتخاب المقبل. كما أنها نقد للنخب الحزبية وسوء ممارستها السياسية، وإشارة صريحة لمسؤوليتها في تدبير  الزمن الإنتخابي.
   
من عناصر قوة "نداء المثقفين المغاربة" تشديدة على مفارقة كون الدستور حمل قيماً ومبادئ ديمقراطية لم يستطع المجتمع السياسي تمثلها، واستثمارها في تغيير نمط ممارساته، تارة بإرادة ووعي، وطورا بالإحجام والتردد. والحقيقة أنها ملاحظة ثابتة ويمكن قياس رجحانها في سلوك الفاعلين السياسيين، والحزبيين تحديدا. فبعض الأحزاب تُسوق شعارات ومقولات لاستمالة الرأي العام، والتضليل به، وحين ننظر إلى ممارستها نجد ما ترفع من شعارات مجرد كلام أجوف يؤخر عملية الدمقرطة أكثر مما يُقدمها، كما هو حال شعار " الحداثة"، او بناء " المجتمع الديمقراطي الحداثي" ، الذي ما انفك حزب " الأصالة والمعاصرة" يردده منذ الإعلان عن ميلاده سنة 2009. والأمر نفسه ينطبق على الشعارات ذات الصلة ب" المرجعية الإسلامية"،  و " الإصلاح ضمن الإستمرار"، التي تأسس خطابُ حزب " العدالة والتنمية" على قاعدتها.

من عناصر قوة "نداء المثقفين المغاربة"، الإشارة إلى أن مجمل المشاريع الإصلاحية التي شهدها تاريخ المغرب صدر من الدولة، وكان فيها  للمثقفين وللخارج أدوار مباشرة أو غير مباشرة، غير أنها منيت  في معظمها بالإجهاض جزئيا أو كليا. ولذلك، يُعيد المناخ  المُصاحب للاقتراع الحالي طرحَ سؤال من المؤهل لقيادة عملية الدمقرطة؟، وهل يكفي اطلاق الليبرالية السياسية لإنجاز مشروع الدمقرطة؟، أم أن الديمقراطية في خاجة إلى ديمقراطيين، أي إلى فاعلين متشبعين بالثقافة السياسية الديمقراطية، ومتمثلين لقيمها. والواقع أن النداء أمسك بجوهر الإجابة عن هذا السؤال حين توقف محرروه عند ظاهرة الفساد والإفساد في المجتمع السياسي المغربي، وقد تم تعداد  الكثير من أوجه هذه الظاهرة المُشينة بالعملية السياسية والمُضرة بنتائجها.
 
ثمة عنصر قوة لافت في " نداء المثقفين المغاربة"، يتعلق بالدعوة إلى مقاربة جديدة لعملية الدمقرطة، حيث يجب ألا تستمر سجينة " الإجراءات الانتخابية التمثيلية"، على أهميتها، بل  يُستلزم  توسيع مضمونها ليشمل أبعاداً  أخرى ذات العلاقة بأنماط التنظيم والضبط التي تنهجها الدولة، مع "اقتراح فهم جديد لما يشكل "الروابط الاجتماعية" المؤسسة للجماعة الوطنية. صحيح أن الدستور المغربي لعام 2011، أقر مفهوما قد يساعد على تحقيق هذا التوسيع في دائرة الدمقرطة، يتعلق بما سُمي " الديمقراطية التشاركية"، أي اتاحة مساحات للمشاركة أوسع مما تتيحه الديمقراطية التمثيلية، حيث يتمكن غير المساهمين في العملية الإنتخابية، الذين قارب عددهم ثلث المتوفرين على شروط المشاركة في الإنتخابات، أي سبعة ملايين من اثنين وعشرين مليون، هو العدد الإجمالي لمن لهم أهلية التصويت.

ينطوي النداء في الواقع على مصفوفة من العناصر المصاغة بحبكة والمُفكر فيها بعمق وبصوت مرتفع، كما يتضمن جملة من الإقتراحات التي حددها محرروه واعتبروها ذات أولوية لإنجاح إقتراع 07 أكتوبر / تشرين الأول المقبل، ومنها تحديداً: تحرير الانتخابات من الاستخدام غير المشروع  للمال السياسي للتأثير على خيار الناخبين، وتحرير المنافسة الانتخابية من أمراض الشعبوية، وتقديم قوائم مرشحين في مستوى المسؤولية، ورفع مستوى الأداء الإنتخابي.

إن النداء التفاتة رمزية من شريحة إجتماعية يجمع معظم أعضائها غيرة وطنية في أن تتوطد العملية السياسية في المغرب، وتترسخ، وتتخد عمقا ديمقراطيا.. وهو أيضا دعوة لتحفيز المواطنين على مقاومة اليأس بالأمل، والاقتناع بأن رحلة الديمقراطية طويلة، وأن التكاتف الصادق من أجلها هو الأفق الممكن والعلاج الناجع.
التعليقات (0)