مقالات مختارة

يا فرنسا مبروك عليك!

حسين لقرع
1300x600
1300x600
منذ أن انفجرت فضيحة الخبراء الفرنسيين الذين يشرفون على "إصلاح" المنظومة التربوية الجزائرية بسرِّية بالغة، قلنا منذ البداية إن "إصلاحات" الوزيرة بن غبريط رمعون تستهدف عناصر الهوية الوطنية في الصميم، وستكون مقتصرة على الجانب الإيديولوجي اللغوي؛ فهي ستمنح الاحتكار للفرنسية على حساب اللغة الأولى في العالم، وتهمِّش العربية، وتقزّم التربية الإسلامية والتاريخ..

وها هي الأيام تثبت كل ذلك، بعد أن تقدّمت الوزيرة أخيرا، وبعد طول نفي وإنكار، بـ"اقتراحات" مسمومة للوزارة الأولى تتعلق بتدريس المواد العلمية في التعليم الثانوي باللغة الفرنسية وحدها، وتترك للعربية المواد الأدبية فقط، وتجعل مواد الهوية الوطنية "اختيارية" في البكالوريا!

ما يجري تحديدا، هو تنفيذ "اقتراحات" لجنة بن زاغو بحذافيرها، بعد نحو 14 سنة من صدور تقريرها السِّري الذي سُلِّم للرئيس بوتفليقة ولم يطَّلع عليه الشعب إلى حدّ الساعة. ولهول ما اقترحته اللجنة، تردَّد الوزيرُ الأسبق بن بوزيد في تنفيذه واكتفى بفرْنسة رموز الرياضيات، أما الوزيرة بن غبريط رمعون فقد كان لها منذ البداية مشروع واضحُ المعالم لفرْنسة المدرسة الجزائرية وسلخها عن هويتها باسم "الإصلاح" المزعوم، لذا لم تتردد في القول إنها تملك "الجرأة" لتنفيذه بحذافيره، وها هي تقطع الآن شوطا حاسما في ذلك، في ظل ركون مختلف فعاليات المجتمع إلى السِّلبية والاستسلام للأمر الواقع.

أغلب الدول أضحت تعتمد الإنجليزية لغة أجنبية أولى في مدارسها لتمكين طلبتها من مواكبة أحدث العلوم والمعارف المتداوَلة في العالم مباشرة وتطوير بحثها العلمي، أما الجزائر، وككل الدول الفرنكفونية المتخلفة، فهي تصرّ على منح الاحتكار للفرنسية ولو كان فيها تخلفها وبؤسُها، وإبعاد الإنجليزية، ولو كان فيها الخيرُ العميم، وهي تهمّش لغتها الوطنية من أجلها، بينما لم يجد حتى مخبر باستور الفرنسي غضاضة في نشر أبحاثه بالإنجليزية، ليطّلع عليها العالم كله بدل 4 بالمئة فقط الذين يتقنون الفرنسية، فهل أصبحت حفيدة قدّور بن غبريط أكثر دراية بما ينفع تلاميذنا من معهد باستور الفرنسي؟!

لو تعلّق الأمر بإصلاح تربوي ذي معايير علمية وتربوية بحتة، لاعتُمِدت الإنجليزية لغة أجنبية أولى، ودون الإضرار بالعربية، ولكن الواضح أنه يتعلق بإيديولوجية فرنكفيلية شوفينية إقصائية تصرّ على منح الاحتكار للفرنسية وحدها ولو تطلّب الأمر تهميش العربية نفسها وليس الإنجليزية فقط !

الواضح إذن أن فرنسا كسبت معركة اللغة في الجزائر، بعد أن مكَّنتها النخبة الفرنكفيلية المتغلغِلة في دواليب الحكم من تحقيق ما عجزت عنه طيلة قرن وثلث قرن من الاحتلال، ولذلك لو كان المرحوم عبد الرحمن عزيز صاحب مديح "يا محمد مبروك عليك.. الجزائر رجعت ليك" حيّا لتحسّر أشدّ الحسرة وهو يرى فرنسا تعود من نوافذ عديدة أخطرها على الإطلاق المدرسة التي تُسلَّم لها على طبق من ذهب!

الشروق الجزائرية
0
التعليقات (0)