كتاب عربي 21

انقلاب تركيا الفاشل: المستفيدون والمتضررون في العالم العربي

عزام التـميمي
1300x600
1300x600

إذا ما تأملت في ردود الأفعال العربية على المحاولة الانقلابية الفاشلة في تركيا فسوف تجد أن الذين استبشروا خيراً بالانقلاب وتمنوا أن ينجح وانخرطوا في حملة إعلامية مضللة لصالح الانقلابيين إنما هم أعداء الحرية والديمقراطية، بينما ستجد أن الذين أشفقوا على تركيا وتمنوا فشل الانقلاب ودعوا الله أن يحفظ تركيا من أعدائها وفرحوا بما مني به الانقلابيون من إخفاق واحتفلوا بذلك ووزعوا الحلوى إنما هم المضطهدون المظلومون أو من يناصرهم ويتعاطف معهم.
 
 منذ أن وصل حزب العدالة والتنمية إلى الحكم في أنقرة انفتحت تركيا على جوارها العربي كما لو كانت تكتشفه ويكتشفها للمرة الأولى. ومع الانفتاح تفجرت مشاعر الحنين إلى زمن كانت تركيا وجوارها فيه جسداً واحداً أعمل فيه المستعمرون معاولهم فمزقوه تمزيقاً وقطعوه تقطيعاً، وأورثوا الأجيال التالية كيانات هزيلة تحاكي دونما فرصة في النجاح نموذج الدولة القومية التي تشكلت في أوروبا عبر قرون من الزمن. نعم، أورثونا دولاً فاشلة تحكمها حثالات من البشر مصالحها مرتبطة بأصحاب المعاول، تعادي الشعوب وتتسلط عليهم وعلى مواردهم. فلم تحصل نهضة ولم تتحقق كرامة. لقد أورثونا ذلا وندامة. 
 
 خلال فترة حكم العدالة والتنمية بزعامة رجب طيب إردوغان نشطت التجارة بين تركيا وجوارها العربي، وامتدت جسور التعاون والتبادل إلى ما وراء الجوار، حتى إذا ما هبت نسائم الربيع العربي وقفت تركيا مع الشعوب، وأيدت تطلعاتها نحو الحرية والديمقراطية والكرامة الإنسانية، كما وقفت تركيا الجديدة مع فلسطين، وساهمت بكافة الوسائل الممكنة إلى تخفيف الحصار المفروض على الفلسطينيين مما أغاظ الصهاينة الذين يحتلون فلسطين والأنظمة العربية الرديئة التي تتعاون معهم لإدامة الاحتلال وإطالة الحصار. 
 
 لا تتوفر لدينا معلومات كافية حتى الآن حتى نعرف المدبرين الحقيقيين للمحاولة الانقلابية الفاشلة محلياً وإقليمياً ودولياً، ولكننا نخمن بأن كارهي تركيا الديمقراطية الذين فرحوا بالانقلاب وشمتوا بأحباء تركيا وأنصارها كانوا سيجنون ثمار نجاح الانقلاب لو تمكن أصحابه من إقصاء العدالة والتنمية عن الحكم والعودة بتركيا إلى عهود الظلم والظلام في قبضة العساكر وتحت بساطيرهم. 
 
 لا يخفى على مطلع على أوضاع المنطقة أن انتكاس الديمقراطية في تركيا كان سيؤدي إلى كوارث إنسانية هائلة. فالانقلابيون كما استشف من البيان الذي بث عبر قناة التلفزيون الرسمية في اللحظات التي سيطر فيها بعض العسكر عليها كانوا من طينة الانقلابيين في مصر، ولذلك كانوا سيقفون مع الطغاة في المنطقة العربية من أمثال الأسد والسيسي وكانوا سيقفون ضد الشعوب التواقة للتحرر من الطغيان والفساد. ولك أن تتخيل الكارثة التي ستحل بملايين اللاجئين السوريين الذين لم تتسع لهم بلاد العرب ففتح لهم الترك قلوبهم قبل بيوتهم، ولك أن تتخيل النكبة التي ستحل فوق رؤوس المصريين الذين ألجأهم الانقلابيون في مصر إلى البحث عن ملاذ آمن في تركيا، ولك أن تتصور خيبة الأمل التي كان أهل غزة سيشعرون بها جراء نجاح الانقلاب وتراجع تركيا الانقلابية عن المواقف الداعمة للفلسطينيين. 
 
 لقد شكلت تركيا حزب العدالة والتنمية نموذجاً يتطلع إليه الباحثون عن مستقبل أفضل في المنطقة العربية، بما أنجزته من تقدم ونهضة، وبما أنجزته من انفتاح على الجوار العربي والإسلامي، وبما أنجزته من وقوف مع المستضعفين في الأرض، وبما أنجزته من ندية في التعامل مع القوى العظمي في أوروبا وما بعد أوروبا. 
 
 بإمكان كل ذي بصيرة أن يرى أن الانقلاب الذي فشل في تركيا كان سيخدم أعداء الحرية والديمقراطية وأعداء قضايا الأمة الكبرى وعلى رأسها فلسطين، كما أن بإمكان كل ذي بصيرة أن يدرك بأن فشل الانقلاب قد أصاب هؤلاء الأعداء بخيبة أمل شديدة لم يتعافوا منها حتى الآن، وقد لا يتعافون منها أبدا.
0
التعليقات (0)