مقالات مختارة

الروهينجا والإسلاموفوبيا والتضليل المنظم

محمد قيراط
1300x600
1300x600
الروهينجا، هذه الأقلية المسلمة التي تعيش في ميانمار وبنجلادش وباكستان وتايلاند تعتبر الشعب الأكثر اضطهادا في العالم، وهي في الوقت نفسه الشعب الأقل تغطية إعلاميا في العالم. هذه الأقلية تعاني الويلات في ميانمار لا لشيء إلا لأنها تدين بالإسلام.. والغريب في الأمر أن المنظومة الدولية خاصة الدول الفاعلة في النظام الدولي، لا تحرك ساكنا ولا تتدخل لحماية شعب يقدر بأكثر من مليون وأربعمائة ألف نسمة.

قبل أسبوع اغتيلت نائبة برلمانية بريطانية، وفي الكثير من وسائل الإعلام البريطانية الأمر مر مرور الكرام، وكأنه حدث عادي.. وتساءل سياسي بريطاني عن ما إذا كان القاتل مسلما، كيف ستكون التغطية الإعلامية؟ وهنا نلاحظ أن المعايير أصبحت واضحة للعيان؛ حيث إن الإعلام أصبح أدوات مسيسة ومأدلجة ومكيفة وفق أطر معينة، تخدم السياسة والمال وأصحاب النفوذ.

فما يحدث للروهينجا في ميانمار يعتبر وصمة عار على جبين الإعلام الدولي الذي يتجاهل الإبادة الجماعية لشعب بكامله، ويركز على تغطية حادثة إرهابية لأسابيع لأن القاتل مسلم والإسلام منه بريء.

كشفت أحداث 11 سبتمبر 2001 في الولايات المتحدة الأمريكية عن الإرهاب الفكري الذي تمارسه الآلة الإعلامية الغربية على عقول الناس والبشر والرأي العام، حيث أصبحت كلمة الإسلام مقرونة بالإرهاب، وأصبحت وسائل الإعلام تفبرك وتصنع صورا نمطية وأنظمة فكرية ومعتقدات، تجعل من المسلم معاديا للإنسانية وللبشرية وللأخلاق وللقيم السامية. تعتبر وسائل الإعلام المحدد الرئيسي لرؤيتنا وتصورنا للآخرين، وهذا وفق ما تقدمه لنا من صور وأفكار عنهم، وما يقال عن الأفراد يقال عن الدول والمجتمعات. فما نشاهده في الأفلام وما نتصفحه في الجرائد والمجلات وما نشاهده في التلفزيون وما نسمعه في الراديو عن المجتمعات الأخرى وعن شعوبها، يحدد إلى حد كبير موقفنا من هذه الثقافات ومن هذه الدول وشعوبها.. وهذا نظرا لاعتبارات عديدة من أهمها أن معظمنا يعتمد على وسائل الإعلام لتكوين مخزون معرفي معيّن وصور ذهنية وأفكار وإدراكات.

وهذه الصور والمنتجات الإعلامية المختلفة هي التي تحدد سلوكياتنا وتصرفاتنا تجاه الآخرين، إما بالقبول والاستلطاف والمعاملة الجيدة، وإما الرفض والإقصاء والهروب والكراهية والرفض. وفي الكثير من الأحيان لا يستطيع الفرد أن يصمد أمام ما يُقدم له، بل يقف في غالب الأحيان مستسلما ولا يقاوم وإنما يتبنى ويتقبل خاصة إذا تعلق الأمر بالأشياء والقضايا التي تخرج عن اختصاصه ومعارفه.

تؤكد الدراسات وجود علاقة ارتباطيه إيجابية بين الصور الذهنية والنمطية حول الدول وتأثيراتها في العلاقات السياسية والاقتصادية والثقافية فيما بينها. فهذه الصور تؤثر في الرأي العام الذي يؤثر بدوره في صنع السياسة الخارجية نحو هذا البلد أو ذاك.. وأغلب الظن، فإن الدولة التي تصوّر بطريقة سلبية وتعرض بصور نمطية وأفكار مضللة متحيزة ستجني رأيا عاما سلبيا، وبذلك ستكون في آخر قائمة الدول الصديقة والدول التي تتمتع بتبادل تجاري واقتصادي وثقافي معتبر، بل على العكس ستكون في أول قائمة الأعداء الذين تطبق عليهم سياسات التهميش والاحتواء والحصار بمختلف أنواعه وأشكاله. هكذا كان الأمر بين الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفييتي في عهد الحرب الباردة. الدراسات التي عالجت موضوع صورة الإسلام والعرب في وسائل الإعلام الغربيةأ جاء معظمها على يد باحثين غربيين، وقلة قليلة من العرب، فقط اهتمت بدراسة هذه الإشكالية. وفي معظمها أكدت الدراسات والأبحاث العلمية أن وسائل الإعلام الغربية خاصة الأمريكية منها؛ من صحافة وإذاعة وتلفزيون وسينما وحتى الكتب الدراسية، ترسم صورة مشوّهة وسلبية وغير صحيحة عن الإسلام.

وهذه الصور النمطية تكون في معظم الأحيان نتيجة لأفكار مسبقة ولحقد على الأمة العربية والإسلامية ولجهل وتجاهل تاريخ المسلمين وحضارتهم وثقافتهم، وأخيرا نتيجة للصراع الحضاري بين الغرب والإسلام.

وسائل الإعلام مقيّدة بآليات سياسة الدولة حيث إنها، بطريقة أو بأخرى، تمثل هذه السياسة وتدافع عن النظام الذي تعمل في إطاره. فالحركة الصهيونية، على سبيل المثال، وعبر تنظيماتها المختلفة في الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا، تسيطر على الصناعات الثقافية ووسائل الإعلام ودور النشر وتتحكم بذلك في محتواها وتحددها وفق ما يخدم مصالحها وأيديولوجياتها، وأهدافها، وهذا عملا بتوجيهات وتوصيات برتوكولات حكماء صهيون.

والأخطر من هذا، أن رؤوس الأموال الصهيونية توّظف في المقام الأول في وسائل الإعلام والصناعات الثقافية، وفي الوسائط التي تؤثر في الرأي العام وفي تفكير وإدراكات البشر. فالنفوذ الصهيوني في وسائل الإعلام الغربية وُظف بطريقة منظمة ومنهجية من أجل تقديم صور ذهنية وصور نمطية عن الإسلام والعرب بما يخدم المصالح الصهيونية بالدرجة الأولى. وبطبيعة الحال ما يخدم المصلحة الصهيونية هو تشويه سمعة العرب، وتقديم صور نمطية تجعل الرأي العام يتخذ موقفا معاديا وسلبيا ضد كل ما هو عربي ومسلم، وهذا الرأي العام يسّهل مهمة المشرع وصاحب القرار في عملية اتخاذ إجراءات وقرارات تضر بالعرب وبالمسلمين وبمصالحهم، وتساند وتساعد الكيان الصهيوني من دون نقاش ولا مساءلة.

الكلام عن مخرجات المؤسسات الإعلامية، يقودنا للنظر في الضغوط التنظيمية وفي القوانين والأعراف والأحكام والقيم التي تدير العمل الصحفي. فالمؤسسة الإعلامية هي مؤسسة تجارية بالدرجة الأولى، لكنها تصنع الفكر والمخيال الاجتماعي والذاكرة الجماعية وتحدد للمجتمع كيف ينظر للعالم وكيف يقّيم الأحداث ومجريات الأمور من حوله. وسائل الإعلام تمثل وتعبر عن البنية الفوقية، التي هي عبارة عن جملة المعتقدات والقيم والعادات والتقاليد والأعراف ونمط الحياة والمخيال الاجتماعي والموروث الثقافي...إلخ.. وهي في الوقت ذاته تعمل على المحافظة عليها ونشرها وترسيخها في المجتمع. والصحفي ما هو إلا نتاج المجتمع ونتاج هذه القيم والتقاليد.. وبذلك فإننا نجده من خلال الميكانيزمات التي تربطه بالمؤسسة الإعلامية، يعمل على تثبيت وترسيخ شرعية النظام والقيم التي تحكم هذا النظام، وإذا خرج عن المنطق فإنه يهمش ويستبعد ويوصف بالخائن والمتمرد والخارج عن النظام، وللعلم قد تكون بعض هذه القيم أو المبادئ غير سليم أو يتناقض مع القيم الإنسانية والأخلاقية.

وحسب بعض المختصين والباحثين، فإن التشويه والتضليل والانحياز في تغطية الإسلام من قبل وسائل الإعلام الغربية، يعود بالدرجة الأولى إلى الصراع الحضاري والثقافي بين الغرب والإسلام. وقد ظهر هذا الصراع جليا بعد انهيار الاتحاد السوفييتي وانهيار القطبية الثنائية، حيث ظهر النظام الدولي الجديد وتهميشه للثقافات والديانات المختلفة في العالم خاصة الإسلام. وجاء مصطلح "الإسلاموفوبيا" للتعبير عن الهستيريا، التي أصيب بها الغرب ضد الإسلام بعد انهيار الشيوعية، حيث أصبح هذا الأخير يتصدر قائمة أعداء أوروبا وأمريكا.

وأكدت دراسات تحليل المضمون أن كتب التاريخ المدرسية وكتب الاجتماعيات في المدارس الابتدائية في بعض الدول الغربية وأمريكا، أسهمت هي بدورها في إيجاد فكر باطني معاد لكل ما هو إسلام وعرب، وكانت النتيجة أن الأمريكي يتعرض منذ نعومة أظافره إلى جملة من الصور النمطية ومن الأفكار المضللة والمزيفة ضد كل ما هو عربي ومسلم.. وأصبح الإسلام مرادفا للتخلف وللإرهاب وللجهل وللأنانية ولحب النفس ولإلغاء الآخر وعدم احترامه وللغطرسة والتعصب... إلخ.

عن صحيفة الشرق القطرية
0
التعليقات (0)