كتاب عربي 21

اللامركزية الأمريكية والبيروقراطية المصرية في إدارة الاقتصاد

مصطفى محمود شاهين
1300x600
1300x600
كنت في زيارة عمل إلى مدينة سان أنتونيو بولاية تكساس الأمريكية، وهي ولاية غنية بالنفط خاصة مدينة هيوستن التي تعد رابع أكبر مدينة أمريكية. وولاية تكساس جوها مقارب لجو الخليج فهو حار صيفا دافئ شتاء. ومدينة سان أنتونيو مدينة لا توجد بها صناعات يقوم عليها الاقتصاد ولكنها تقوم بالمقام الأول على الخدمات المقدمة للناس، من الخدمات السياحية وخدمات البنوك والتأمين، واشتهرت سان أنتونيو بأن فيها أربع قواعد عسكرية، أهمها مركز التدريب للقوات الجوية، والتي عادة ما يتدرب فيها الطيارون من مصر ودول الخليج وبقية دول العالم.

وأثناء فترة الرئيس الأمريكي الأسبق  كلينتون وكإجراء لسد عجز الموازنة الفدرالية الأمريكية تم إغلاق 3 قواعد عسكرية مما أثر على اقتصاد المدينة تأثيرا بالغا حيث أن وجود القواعد في المدينة يغذي الطلب على الإنتاج والطلب على المساكن والمطاعم مما يحرك اقتصاد المدينة.

ولكن المدينة كانت مدركة تمام الإدراك أن الحكومة الفدرالية من الممكن أن تقلص من نفقاتها العسكرية في أي وقت فعملت المدينة على إيجاد مصادر أخرى للدخل فى حال تقلص الإنفاق العسكري في المدينة فقامت بشق نهر صناعي صغير داخل المدينة محاط بشلالات صناعية صغيرة تجذب السياح من كل بقاع الأرض وحول هذا النهر العديد من المطاعم والمحلات على ضفتي النهر وتوجد العديد من العروض المائية للسائحين حتى تحقق دخلا للمدينة من توفير فرص عمل ودفع الضرائب كدخل آخر للمدينة.

وقد يتساءل البعض: لماذا لا نطبق هذا في مصر؟ رغم أنه متاح في مصر ولكن على المستوى الكلي لا الجزئي، بمعنى أن الدولة هي التي تقوم بعمل المشروعات أما النظرية الأمريكية فهي قائمة على أساس اللامركزية فكل مدينة هي مسؤولة عن اقتصادها فالمدينة مصدرها الأول والأساسي هو فرض ضرائب على أصحاب البيوت وهي التي تمكن المدينة من الإنفاق على التعليم وخدمات الشرطة والقضاء محليا دون اعتماد يذكر على الحكومة الفدرالية. ومن هنا فكل مدينة تسعى جاهدة لجذب الاستثمارات إليها فمن مصلحتها وجود مزيد من الشركات والأعمال الصغيرة التى تستوعب العمالة من المدينة.
 
ومصر فشلت بامتياز فى إدارة مرافقها المحلية فلايخفى على أحد حجم انتشار الفساد كالرشاوى والتعقيدات الإدارية التي يواجهها الناس في تعاملاتهم مع هذا الجهاز البيروقراطي العتيد والذي يؤدي بالطبع إلى عزوف المنتجين الصغار عن بداية مشروعاتهم الصغيرة، أو حتى خلق جو تنافسي بين هذه الصناعات لتكون نواة لقوة الاقتصاد المصري، وقد يبدو أن الحل سهل في تطبيق اللامركزية في مصر، ففي مصر تمت المناداة باللامركزية منذ عام 1979 ولكن بلا جدوى فالسلطة في مصر تريد أن تكون هي المسيطر على كل القرارات الاقتصادية حتى تستطيع أن تجني الثروة من خلال التكويش على السلطة، معنى ذلك أنه لا أمل من إصلاح المحليات التي تقف عقبة في طريق أي مشروع للتنمية حقيقي في مصر.

فالنظام الغربى قائم علي اللامركزية حتى في أبسط الأمور التي لا يمكن أن يتخيلها المواطن في بلادنا فكثير من القضايا تترك للأفراد الحرية في التصرف فيها، فمثلا إنشاء الكنائس أو المساجد أو المعابد تترك فيها الحرية للأفراد في المساهمة في ما يخص قناعتهم. فمثلا الإنفاق على المساجد وصيانتها ودفع فواتيرها وإنشاؤها لا يكلف الاقتصاد القومي دولارا واحدا، ويترك للناس حرية وقف جزء من ثرواتهم وأوقافهم لصالح المشروعات التي يختارها الأفراد. وقد كان هذا هو النظام المتبع في مصر حتى قبل انقلاب يوليو 1952، فكانت الأوقاف مشتملة على جميع جوانب الحياة، مثل المدارس والمستشفيات والمساجد والمزارع والسدود والقناطر وبعد قيام انقلاب يوليو سيطرت الحكومة على الوقف وتدهورت قيمتة نتيجة لتدهور إدارته ونتيجة لما سبق أصبحت حكومة مصر في أزمة تصنعها بأيديها وهي التي تعمق الأزمة بمثل هذه السياسات التي عفا عليها الزمن وازدادت سوءا بعد هذا الانقلاب الغاشم الذي أطاح بالبقية الباقية من مشروع نهضة هذه الدولة المنكوبة. وللحديث بقية.. 
0
التعليقات (0)