كتاب عربي 21

من حلب إلى الفلوجة.. سياسة أمريكية واحدة

شهيد بولسين
1300x600
1300x600
بدأت المقارنات بين ما يقوم به الأسد وداعموه من الروس في حلب، وبين أسوأ جرائم الحرب البوسنية، وهي مقارنات ملائمة طبعا، ولكن قبل أن نهيم في الخيال ونظن أن هذه الأعمال الوحشية ستلمس ضمير الغرب، قد يكون من المفيد أن نتذكر أن الهجوم الأمريكي على الفلوجة في عام 2004 كاد يستنسخ مجزرة سريبرينيتشا في معظم التفاصيل، بل إنه في الواقع كان ذا تأثير مدمر أكثر وأطول أمدا.

جدير بالذكر أيضا أن الفلوجة محاصرة في هذه اللحظة من قبل الولايات المتحدة وقوات حكومية عراقية مدربة، ومليشيات شيعية نظمتها الولايات المتحدة بدعم مباشر وبالتنسيق مع أفراد الجيش الأمريكي.

قبل أن نرثي فشل أمريكا في إيقاف المعاناة في حلب، نحتاج إلى أن نلاحظ أنهم فرضوا تقريبا المعاناة نفسها على أهل الفلوجة، فما يصل إلى 60,000 شخص محاصرون الآن في المدينة منذ كانون الثاني/ يناير الماضي، بدون غذاء ولا دواء، وقد تم منع جميع مساعدات الإغاثة من دخول المدينة، وكما حدث في مضايا بسوريا، أصبح الناس مجبرين على عيش الكفاف من خلال أكل أوراق الشجر. عندما فرض الأسد هذا النوع من الحصار اللاإنساني في مضايا؛ طلبت فرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة عقد اجتماع طارئ لمجلس الأمن بالأمم المتحدة للمطالبة برفع الحصار والسماح بتوصيل المساعدات إلى مدنيين يواجهون المجاعة.

وماذا بالنسبة للفلوجة؟

"...إن الحكومة المركزية... تتعامل مع وضع صعب للغاية، ومحاولة القضاء على مقاتلي داعش، بطبيعة الحال، سيكون له أثر سلبي على السكان المحليين...".

قد يكون لك عذر لو ظننت أن هذا البيان صدر عن متحدث باسم الأسد وهو يتحدث عن حلب، ولكنه صدر عن المتحدث باسم البيت الأبيض وهو يتحدث عن الفلوجة!

ولنكن واضحين حول بعض الأمور هنا: أولا، لا يتم تعريف جريمة الحرب وفقا لطبيعة العمل في حد ذاته، وإنما يتم تحديد التعريف وفقا للقائم على ارتكاب هذا العمل، والنقطة هنا هي أنه يجب ألا نتوقع بداهة غضبا حقيقيا من شخص ما بسبب عمل وحشي قام هو نفسه بارتكابه! لهذا فمجزرة حلب لا تحرك ضمير صناع السياسة الأمريكية.

ثانيا، علينا أن نتخلص من أسطورة متأصلة لدينا عن سياسة الولايات المتحدة تجاه سوريا، وهذه الأسطورة تقول: "إن الولايات المتحدة تريد إزاحة الأسد من السلطة"... لا، هم لا يريدون ذلك! وقد صرح مسؤولون صراحة في مناسبات عدة أن الأسد يمكنه أن يبقى، حتى أنهم رفضوا مطالبة الثوار برحيل الأسد كشرط مسبق لإجراء محادثات سلام، وعلى أكثر تقدير فإن الولايات المتحدة تتوقع أن رحيل الأسد يجب ألا يكون في أي وقت قبل شهر آذار/ مارس من العام المقبل، إذن فنحن بصدد أناس يتحدثون عن جدول زمني لاستمرار الاضطرابات، لا عن خطة لوضع حد لها، وقد وضع المخططان الاستراتيجيان هذا الأمر في إطار التنفيذ في وقت مبكر من الحرب.

"الحفاظ على جمود الوضع الراهن ينبغي أن يكون هدف أمريكا!". كما كتب إدوارد ن. لوتواك، وهو مستشار أول في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، في صحيفة نيويورك تايمز في عام 2013... "والطريقة الوحيدة الممكنة لتحقيق هذا الأمر هي تسليح الثوار عندما نرى أن قوات الأسد تتقدم عليهم، ثم قطع تزويد الثوار بالسلاح متى ظهر أنهم سيتغلبون عليه".

أما القنصل العام الإسرائيلي السابق في نيويورك، ألون بينكوس، فقد كان أكثر وقاحة وقال: "دعوهم (كلا الجانبان) ينزفون، ويفقدون دماءهم حتى الموت: هذا هو التفكير الاستراتيجي! وطالما أن هذا الأمر مستمر، فلا يوجد أي تهديد حقيقي من سوريا".

تلك هي بالضبط حقيقة سياسة الولايات المتحدة، وهكذا ستظل أبدا: إدارة أسهم المذابح.
التعليقات (0)