قضايا وآراء

مصر 25 نيسان خطوة على الطريق الطويل نحو إسقاط النظام

ماجد عزام
1300x600
1300x600
مثلت الدعوات إلى تظاهرات في الخامس والعشرين من نيسان الحالي في حد ذاتها تحديا للسلطة المصرية، وتعبيرا عن التراجع في مكانتها وهيبتها، كما ازدياد ثقة المعارضين، خاصة الشباب منهم، بأنفسهم رغم ازدياد حدة القمع والقبضة الامنية بمواجهتهم.

في الحقيقة ثمة أسباب عديدة للواقع الحالي في مصر، وتجرؤ المعارضين وحتى بعض الأنصار السابقين على انتقاد وتحدي النظام المتداعي وتتراوح الأسباب بين السياسي الأمني الاقتصادي، وأخيرا الوطني العام المتعلق بجزيرتي تيران وصنافير اللتين مثلتا ما يشبه القشة التي قصمت ظهر البعير بالنسبة للنظام هيبته وسطوته.

أول الأسباب يتعلق طبعا بازدياد وتصاعد وتيرة القمع والتضييق على الحريات ليطال شخصيات من اتجاهات سياسية وفكرية مختلفة، ولم يعد الأمر مقتصراً فقط على الإخوان المسلمين، وإنما تعداه إلى تيارات مدنية ليبرالية، مثل شباب الثورة، حركة ستة إبريل، وشخصيات سياسية وفكرية أخرى معارضة تم تخييرها بين الصمت أو المنفى، بل وصل الأمر إلى التشهير الدنيء والهابط بكل من يتجرأ على انتقاد النظام حتى لو من داخله، كما كان الحال مع يوسف الحسيني وخالد يوسف وآخرين.

في السياق السياسي، مثلت الانتخابات الرئاسية والنيابية، وعزوف الناس عن العملية السياسية، تأكيدا على عزلة النظام، وتآكل شعبيته وشرعيته، ثم جاء أداء مجلس الشعب البرلماني الهزلي والممجوج ليؤكد الحقيقة التي لا لبس فيها عن انهيار شرعية النظام بشكل عام، وفي الحدّ الأدنى إعادة تحديث وإنتاج نظام مبارك الذي أسقطته الثورة بشخوصه ورموزه.

سياسيا أيضا بدا التراجع واضحا في مكانة مصر ودورها الإقليمي، وعجزها عن التأثير في الملفات الإقليمية الكبرى حتى تلك التي ترتبط مباشرة بالأمن القومي المصري، كما هو الحال في سوريا ولبييا والسودان، وحتى في ملف نهر النيل وسد النهضة بدا النظام عاجزا عن الدفاع وحماية مصالح البلد االاستراتيجية، وفاقدا الشجاعة المطلوبة لمصارحة الناس بحقيقة المشكلة وتداعياتها المستقبلية الكارثية على الأجيال القادمة.

ثمة شيء سياسي جوهري آخر يتعلق بالعلاقة المتنامية مع إسرائيل، والتي تلامس حد التحالف الأمني، تماما كما كان الحال زمن نظام حسني مبارك. ورغم أن الصحافة الإسرائلية تزخر بالأخبار والتعليقات والتقارير الرسمية وغير الرسمية التي تتحدث عن عمق الصلات بين تل أبيب والنظام، إلا أن هذا الأمر تتم التعمية عليه بشكل منهجي ومقصود من قبل إعلام النظام على اختلاف انتماءاته الأمنية والعسكرية، غير أن بعض الممارسات على الأرض تفضح القصة كلها، مثل اعتماد الشيكل مثلا في العملات الأجنية الرسمية المتداولة في مصر، وهو ما لم يجرؤ عليه حتى نظام مبارك، ويراكم شحنات الغضب في الوجدان الشعبي المصري الذي يجذر فيه العداء لإسرائليل، كما لأي علاقات رسمية أو غير رسمية معلنة أو غير معلنة معها.

في السياق الاقتصادي الاجتماعي، عجز النظام عن إحداث اختراق جدي في الأوضاع الحياتية للناس، إن فيما يتعلق بالصحة والتعليم أو البنى التحتية المنهارة والمتداعية، ومع تراجع السياحة وعزوف السائحين عن زيارة البلد، وتصاعد المطالب النقابية والاجتماعية وقمعها، بل وشيطنتها ووصمها بالتخوين، تبدت أيضا صورة النظام الفاسد والعاجز والمغامر بمشاريع إعلامية مكلفة وضخمة لا مردود جدي وملموس لها.

أمنيا، جاء الفشل في سيناء مقابل تنظيم داعش مضاعفا، ورغم القبضة الحديدية والتهجير والتجاوز المنهجي لحقوق الإنسان، إلا أن النظام عجز عن هزيمة داعش أو إعادة الهدوء إلى المنطقة، بل على العكس تفاقمت مشكلات سيناء على كل المستويات مع استمرار النظر إليها من الزاوية الأمنية ومن منظار أو مهداف البندقية فقط.

أخيرا جاءت قضية تيران وصنافير وموقف النظام المتخاذل والمشبوه فيها لتصب مزيد من الزيت على النار، ولتؤكد التسارع في وتيرة انهيار صورته شرعيته وشعبيته. ورغم أن الأمر يحتاج حتما إلى مزيد من البحث التدقيق، والدراسة التاريخية والقانونية، وبغض النظر عن كون الجزر سعودية أو مصرية، إلا أن الشاهد في الأمر كان موقف المصريين الجامع أو شبه الجامع، والقائل إن النظام لا يملك الشرعية أو المصداقية للحسم في هذا الملف الحساس والوطني.

بعد التظاهرات الاحتجاجية ضد التنازل عن الجزر مطلع نيسان الحالي، جاءت الدعوة إلى التظاهر في الخامس والعشرين منه، الموافق لذكرى تحرير سيناء، لتكرس الحقائق السابقة مجتمعة، ربما هي لم تسقط النظام أو تؤدي إلى اعتصامات طويلة تعجل بإسقاطه، ولكنها ستكون حتما محطة في سياق محطات مهمة قادمة على طريق هزيمته وزواله، والذي بات برأيي مسألة وقت فقط - شهور كثيرة أو سنوات قليلة – والسؤال هو شكل أو آلية السقوط، وهل سيكون نتاج انفجار اقتصادي اجتماعي تتكثف سحبه يوما بعد يوم؟ أم نتاج حركة سياسية أو جبهة وطنية معارضة عريضة تعمل على إعادة الاصطفاف واختصار الزمن للتقليل من كلفة إسقاط النظام على الناس والبلد بشكل عام؟ وهذا الأمر صعب ولكن ليس مستحيلا، ويحتاج حتما إلى شجاعة وجرأة ومراجعات من مختلف القوى السياسية والحزبية، وتحديدا الإخوان المسلمين الذين يفترض أن يمثلوا العمود الفقرى للجبهة، إلى جانب حركة 6 إبريل، وشباب الثورة، وتيارات مدنية وليبرالية أخرى؛ قطعت بشكل تام مع النظام المتداعي والمنهار.
كاتب فلسطيني
التعليقات (0)