مقالات مختارة

دفاع في قضية خاسرة

فهمي هويدي
1300x600
1300x600
جماعة حقوق الإنسان في مصر يركزون على المسجونين ولا يكترثون بضحاياهم. استوقفتني العبارة في مداخلة تلفزيونية لمساعد وزير الداخلية اللواء أبوبكر عبدالكريم، أراد أن يعلق بها على انتقادات حقوقية وجهت للأوضاع غير الإنسانية في سجن دمنهور. إذ كرر الرجل الكلام الذي سمعناه مرارا من مسؤولي الداخلية، الذي يؤكد على أن «كله تمام» في السجون، فالرعاية الطبية متوافرة والخدمات في أفضل حال والطعام يحسدون عليه وإشراف النيابة العامة يتم طوال الوقت، فضلا عن أن أبواب السجون مفتوحة لمن يريد أن يطلع على «الحقائق» ويطمئن. بعد أن قال الرجل ما ينبغي أن يقوله بحكم منصبه كمسؤول عن العلاقات العامة، فإنه وجه عتابه سابق الذكر إلى «جماعة» حقوق الإنسان. لم يكن هناك جديد في دفاعه، لكن الجديد في كلامه كان انتقاله إلى الهجوم وتوجيه اللوم إلى الحقوقيين مستخدما ورقة «الضحايا». وهي الورقة التي يلوح بها بين الحين والآخر لإسكات أصوات الحقوقيين والمعارضين السياسيين، الذين كثيرا ما يتهمون بأنهم يهدرون حقوق الضحايا وينسون أرواحهم التي بذلت ودماءهم التي أريقت. وهو ما أعتبره حيلة ماكرة لتكميم الأفواه ودغدغة مشاعر الرأي العام الذي عادة ما يتعاطف مع الضحايا، ومن ثم يراد بها تعبئة الجماهير واستنفارهم ضد من يفترض أنهم جناة.

سواء كان عتاب مساعد وزير الداخلية مجرد اجتهاد من جانبه، أم أنه يعكس إستراتيجية جديدة لإدارات التوجيه المعنوي في مواجهة تعالي موجة النقد والتنديد بالحاصل في مختلف السجون المصرية التي ساءت سمعتها في الداخل والخارج، فالشاهد أن عتاب اللواء أبوبكر يستحق المناقشة، لأنه انبنى على قدر كبير من التغليط الذي يخاطب الغرائز في حين يجافي المنطق ويشوه الإدراك. إذا سألتني كيف ولماذا فردي أوجزه في النقاط التالية:

ــ إن المسجونين والضحايا كلهم مواطنون لهم الحق في الحياة، فضلا عن الكرامة، والدفاع عن الأولين لا يعني بالضرورة إهدار حقوق الآخرين، لكنه وثيق الصلة بطبيعة الاختصاص، فجماعة حقوق الإنسان تختص بالدفاع عن المظلومين بصرف النظر عن مواقعهم أو هوياتهم.

وإدانتها معلنة للجرائم التي ارتكبت بحق جنود الجيش والشرطة في سيناء وغيرها من أقاليم مصر، لكن ذلك لم يمنعها من أداء واجبها إزاء فضح الانتهاكات التي تتعلق بالحريات العامة أو التي ترتكب بحق نزلاء السجون.

ــ إن الربط بين المسجونين في القضايا السياسية وبين الجرائم التي ترتكب بحق رجال الجيش والشرطة لا يخلو من تعسف وتخليط، إذ لم يثبت أن المسجونين الذين تدافع المنظمات الحقوقية عنهم هم أنفسهم الذين ارتكبوا الجرائم المشار إليها، وحتى إذا كانت لبعضهم صلة بالعنف فالقانون كفيل بمعاقبتهم بما يستحقونه. مع ذلك لا ينبغي أن تتسامح مع تعذيبهم أو تجريدهم من إنسانيتهم.

ــ إن نسبة غير قليلة من المسجونين لم يتم توقيفهم لأنهم ارتكبوا جرائم كان لها ضحاياها، ولكنهم في حقيقة الأمر ضحايا الصراع السياسي المحتدم، وهو ما أدى إلى إقحام أغلبهم في قضايا لا علاقة لهم بها أو ارتهان البعض الآخر لصالح تحقيقات مفتوحة الأجل.

ــ إذا كان المقصود بالضحايا جنود الجيش والشرطة الذين هم مواطنون قبل أن ينسبوا إلى هذا المرفق أو ذاك، فليس صحيحا أنه لم يكترث بهم، لأن المجتمع والإعلام ومؤسسات الدولة جميعهم استنكروا ما لحق بهم، وقدموا مختلف أشكال التكريم للشهداء والرعاية لذويهم. أما الذي يحتاج إلى رعاية وإنصاف حقا، فهم الذين أصبحوا في موقف أضعف جراء تعرضهم للاعتقالات العشوائية عقب وقوع تلك الحوادث أو نظراؤهم الذين شاركوا في المسيرات والتظاهرات التي فضتها الشرطة وقمعت المشاركين فيها. وهؤلاء لم يتعرضوا للظلم والانتهاكات فحسب، ولكن أهاليهم كان لهم نصيبهم من الظلم والهوان أيضا، والأخيرون الذين يعدون بعشرات الألوف ليسوا منسيين فحسب، ولكنهم منبوذون أيضا سياسيا واجتماعيا.

إنني لا أخفي تعاطفا مع المسؤولين الذين تفرض عليهم وظائفهم التورط في الدفاع عن بعض القضايا الخاسرة، لكني مع ذلك أتمنى على هؤلاء أن يحترموا عقول المتلقين، وألا يفترضوا بهم البلاهة أو الغباء.

(عن صحيفة الشروق المصرية)
0
التعليقات (0)