سياسة عربية

برلمان السيسي يضع نفسه في "عصمة" مجلس الدولة

انحاز عدد من النواب إلى ضرورة العرض على مجلس الدولة- (أرشيفية)
انحاز عدد من النواب إلى ضرورة العرض على مجلس الدولة- (أرشيفية)
أقرّ مجلس النواب المصري، الثلاثاء، المادة 178 من مشروع قانون اللائحة الداخلية للمجلس، الخاصة بضرورة عرض مشروعات القوانين الصادرة منه على مجلس الدولة لمراجعتها، ما وصفه إعلاميون بأنه وضع للمجلس في "عصمة" مجلس الدولة، في حين اعتبره قانونيون أمرا غير دستوري، بينما وصفه نواب بأنه جعل من مجلس الدولة "مندوبا ساميا" على البرلمان.

وتنص المادة على أن يرسل رئيس مجلس النواب إلى مجلس الدولة مشروعات القوانين المنصوص عليها في الفصل الثاني من الباب السادس من هذه اللائحة، بعد موافقة المجلس عليها في مجموعها، وقبل أخذ الرأي النهائي عليها، ليقوم مجلس الدولة بمراجعتها وصياغتها على أن يتم ذلك خلال مدى زمني، مدته ثلاثون يوما على الأكثر، وإلا عُد المجلس موافقا على مشروع القانون دون ملاحظات عليه.

وفي الطريق إلى إقرار المادة، شهدت جلسة المجلس، الثلاثاء، خلافات حادة بين الأعضاء إذ رفضها البعض مؤكدا أنها تمثل انتقاصا من دور المجلس، وتغولا من السلطة القضائية على السلطة التشريعية.
 
بينما انحاز عدد من النواب على رأسهم رئيس المجلس علي عبدالعال، والنائب بهاء أبو شقة، إلى ضرورة العرض على مجلس الدولة، على أساس أن رأيه استشاري، وليس ملزما.

فقهاء وقانونيون: قرار غير دستوري

من جهته، اعتبر الفقيه الدستوري الدكتور صلاح فوزي، أن إرسال مواد اللائحة الداخلية لمجلس الدولة لمراجعة وصياغة موادها قرار غير دستوري.

وأكد في تصريح صحفي أن المادة 190 من الدستور تنص على أن مجلس الدولة يختص بمراجعة وصياغة مشروعات القوانين المقترحة من الحكومة.

ولفت إلى أن مجلس الدولة سوف يقوم بمراجعة المواد المرسلة من مجلس النواب دون التدخل فيها قائلا: "إن التدخل في تعديل مواد اللائحة يضع مجلس الدولة موضع التشريع المختص في البرلمان ما يتنافى من الدستور".

أما الخبير القانوني الدكتور شوقي السيد، أكد أنه ليس من حق البرلمان أن يحدد موعدا لمجلس الدولة لمناقشة لائحته والقوانين التى تصدر عنه، مشيرا إلى أن مجلس الدولة غير ملزم بإتمام مناقشة القوانين خلال الـ30 يوما التي حددها المجلس.

وأضاف في تصريحات صحفية أن البرلمان يمكنه فقط أن يلتمس من مجلس الدولة الاستعجال في مناقشة قوانين بعينها لأن المجلس معطل بسببها، لكنه لا يسمح له بتحديد موعد محدد للانتهاء من مراجعة هذه القوانين في مجلس الدولة، وفق قوله.

البرلمان في عصمة مجلس الدولة

هذا الوصف أطلقه الكاتب الصحفي أحمد الحضري، على البرلمان، في مقاله بهذا العنوان بجريدة "البوابة"، مشيرا إلى أنه في عهد الرئيس المخلوع حسني مبارك كان رئيس البرلمان فتحي سرور يحلو له ترديد عبارة أن البرلمان ليس في عصمة الحكومة إذ كان عدد كبير من الوزراء لا يعيرون البرلمان ولا نوابه أي اهتمام في ظل جبروت الحزب الوطني.

وأضاف أن الأغلبية المريحة التي يمتلكها الحزب الوطني "المنحل" كانت تستطيع إسقاط أي استجواب يقدم ضد الحكومة، وبطلب مقدم من 22 عضوا تعلن المنصة سقوط الاستجواب وتجديد الثقة في الحكومة التي كانت تنكل بالشعب، ويتم الانتقال إلى جدول الأعمال ليتأكد للمتابعين أن البرلمان في عصمة الحكومة.

وتابع الحضري بأنه في برلمان 2016 انتقلت عصمة البرلمان من الحكومة، التي تبدو هشة وخائفة بل ومرعوبة من أشياء يخبئها النواب في صدورهم تجاهها ورغبات قوية بإسقاطها، إلى مجلس الدولة الذي تحول إلى وصي على البرلمان والسلطة التشريعية، بشكل لا يقبل التشكيك، بعيدا عن حكاية أن مهمته ضبط الصياغة، وضمان عدم المخالفة الدستورية لأي مشروع قانون.

وحول أزمة اللائحة الداخلية لمجلس النواب تساءل: "إذا كان نواب الشعب لا يستطيعون ضبط الصياغة، ولا ضمانة عدم مخالفة ما يقومون به من تشريع مع الدستور ونصوصه فليتركوا المجلس"، على حد تعبيره.

وتابع: "بهذه الطريقة فإن أعمال البرلمان لن تنضبط وتستقر قبل شهر أبريل المقبل ثم تأتي الحكومة وتلقي بيانها ويعمل المجلس شهرين ثم ترفع جلساته بسبب شهر رمضان المبارك وانتقال الحكومة وكبار المسؤولين إلى مارينا".

واستدرك: "إذا كان المقصود مشروعات القوانين التي يقرها مجلس النواب فليحل مجلس النواب أفضل من هذا العبث، لأن مجلس النواب في هذه الحالة يكون في عصمة مجلس الدولة، وتحت الأمر والطاعة له، لماذا؟".

وأجاب: "لأنه إذا لم يلتزم برأي مجلس الدولة -الذي يتردد أنه استشاري- فإن جميع أعمال مجلس النواب وقراراته ربما تكون عرضة للطعن عليها بعدم الدستورية".

نواب يرفضون "المندوب السامي"

من جهتهم، رفض عدد من النواب إقرار المادة 178 بلائحة المجلس.

واعتبر النائب خالد يوسف أنه كارثية وستتيح الفرصة لمجلس الدولة أن "يركب" البرلمان، وأن يسلبه جميع صلاحياته، وفق قوله.

وأضاف: "عرض القوانين على مجلس الدولة يعني أن المجلس هيتركب من مجلس الدولة، وهذا الأمر غير مقبول إطلاقا".

وأكد أن مجلس الدولة سيكون بمثابة "المندوب السامي"، وصاحب الوصاية على المجلس، وهذا أمر سيكون من شأنه وجود برلمان بلا قيمة، مشيرا إلى أنه إذا كانت المادة وفق نص الدستور بمادته 190، فأنا كنت عضوا بلجنة الخمسين، ولم نكن نعني هذا الأمر إطلاقا، ولكن كان الأمر متعلقا بمشروعات الحكومة ليس أكثر، أما في ما يقوم به النواب فهم أصحاب الرأي النهائي فيه.

من جهته، قال النائب هشام مجدي، إنه بالرجوع إلى الأعمال التحضيرية للدستور من محاضر لجنة الخمسين المعنية بوضع دستور 2014، للوقوف على نية المشرع الدستوري آنذاك، تأكد أنه يقصد مشروعات القوانين المقدمة من قبل الحكومة، وليس البرلمان، استنادا إلى مبدأ الفصل بين السلطات الذي ينص عليه الدستور في المادة (5).

وأردف أن إلزامية العرض من مجلس النواب على مجلس الدولة، تعد انتقاصا وافتئاتا وتدخلا من السلطة القضائية في أعمال وشؤون السلطة التشريعية.

وأضاف: "هكذا يصبح البرلمان من ناحية الواقع العملي عديم الجدوى والفائدة، وقبول هذا الأمر يعنى أيضا افتئاتا من مجلس الدولة على سلطة المحكمة الدستورية العليا".

وتابع: "بهذه المادة لم يعد لمجلس النواب أي دور تشريعي، وهذا ما يسلب البرلمان حقه الأصيل سلطة تشريعية جاءت لتصوغ القوانين".

واستطرد: "المحكمة الدستورية العليا تتولى الرقابة على دستورية القوانين التي يصدرها البرلمان، والقول بوجوب عرض الأعمال التشريعية الصادرة عن مجلس النواب -ومنها لائحته الداخلية- على مجلس الدولة لمراجعتها وضبط صياغتها مؤداه أنه أصبح لدينا نوعان من الرقابة على التشريعات، رقابة لاحقة تتمثل في المحكمة الدستورية، ورقابة سابقة تتمثل في مجلس الدولة".

واعتبر أن ذلك يعد إخلالا بنصوص الدستور وأحكامه، وتعديا واغتصابا لاختصاص أصيل للمحكمة الدستورية العليا، التي تتولى الرقابة على دستورية القوانين، وتضمن عدم مخالفتها للدستور، بحسب قوله.

وأشار إلى أنه "اتساقا مع النقطة السابقة، يصبح منطقيا أن يكون مجلس النواب ملزما بما سينتهي إليه رأي مجلس الدولة إذا كان النص يخاطب المجلس، وإلا فما الجدوى من العرض عليه إذا لم يلتزم بذلك؟".

من جانبه، طالب رئيس الهيئة البرلمانية لحزب المصريين الأحرار، علاء عابد، بإحالة نص المادة 190 من الدستور إلى المحكمة الدستورية العليا، في إطار التعاون بين السلطات، للفصل في أمر إرسال مجلس النواب مشروعات القوانين التي يعدها إلى مجلس الدولة، ما يعد سطوا على السلطة التشريعية، إذ إن صلاحيات المجلس ستكون معلقة، وفق قوله.

وفي نهاية المناقشات، رفض المجلس حذف المادة، ووافق عليها متضمنة أن يرد مجلس الدولة خلال 30 يوما.

وقال رئيس المجلس علي عبد العال إن الموافقة على هذه المادة طهرت كل التشريعات من العوار الدستوري.
التعليقات (0)