مقالات مختارة

من تستهدف غارات بوتين في حلب؟

الياس حرفوش
1300x600
1300x600
بالطائرات والمدافع رد فلاديمير بوتين في حلب على العملية السياسية في جنيف التي استبعدت من صنّفهم هو وبشار الأسد معارضين، وطالب بجلوسهم إلى طاولة المفاوضات مع وفد النظام. لكن بوتين ردّ أيضا في حلب على تركيا وأوروبا وعلى حلفاء المعارضة السورية من العرب، كما ردّ في الوقت ذاته وبصوت عال على باراك أوباما صارخا: أنا صاحب القرار في الحرب السورية كما في الحل.

ينفذ بوتين في غاراته على حلب الهدف الذي وضعه النظام منذ بدايات الحرب، وهو انه لا توجد معارضة معتدلة للتفاوض معها في سوريا. هناك جماعات إرهابية لا بد من القضاء عليها قبل أن يصير ممكنا التوصل إلى حل سياسي. لذلك لا يرى الروسي في حلب وفي درعا وفي ريف اللاذقية وفي سائر المواقع سوى «إرهابيين»، حتى إن السفير الروسي في جنيف استغرب إن تقاطع الهيئة العليا للمفاوضات محادثات جنيف احتجاجا على الغارات الروسية، وطالبها بأن توجه الشكر إلى موسكو على حفلة القتل والتهجير التي تمارسها في سورية!

ما هي النتيجة الطبيعية للقضاء على مواقع المعارضة المعتدلة في سوريا وعلى قواعد «الجيش السوري الحر» سوى أن يتحول تنظيم «داعش» إلى القوة الوحيدة التي تزعم القدرة على حماية مصالح الأكثرية في سوريا؟ وعندها يتحقق حلم النظام وروسيا معا، وهما اللذان يستبعدان مواقع «داعش» من الهجمات التي يشنّانها على ما يقولان إنها «جماعات إرهابية». ثم، كيف يكون رئيس هيئة المفاوضات رياض حجاب مواطنا صالحا عندما يقبل تعيينه رئيسا للحكومة السورية، ثم يتحول إلى «راع للإرهاب» عندما يقف إلى جانب مواطنيه الذين يحتجّون على جرائم القتل التي ترتكبها قوات النظام؟

معركة حلب تزيل كل الشكوك حول طبيعة الدور الروسي وأهدافه. إنها تلغي أي دور لنظام بشار الأسد في تقرير المرحلة المقبلة. فالعنوان الأساسي للمفاوضين الغربيين، وربما العرب أيضا، سيكون بعد الآن في الكرملين مع فلاديمير بوتين. في يديه ورقة الضغط على الأوروبيين من خلال مسألة اللاجئين الذين اصبحوا يشكلون أكبر هاجس لأوروبا، يهدد مشروعها الوحدوي وحدودها المفتوحة. وفوق ذلك تساهم أزمة اللاجئين في صعود تيارات اليمين المتطرف في أوروبا، كما نشهد في ألمانيا وفرنسا وحتى في دول ليبرالية تقليديا مثل الدول الإسكندنافية، وهي تيارات حليفة للقومية والفاشية الروسية التي يعدّ بوتين أفضل رموزها المعاصرة.

معركة حلب هي أيضا عامل ضغط على تركيا من خلال دفعها إلى اتخاذ موقف صعب من التدخل العسكري في سوريا، فضلا عن تدفق الأعداد الكبيرة من اللاجئين عبر الحدود التركية، وما يشكله ذلك من عنصر قلق في الداخل التركي، واضطراب في العلاقات التركية - الأوروبية والتركية - الأطلسية، بينما تستمر المطالب الغربية بضرورة استيعاب تركيا لملايين الهاربين إليها، لتخفيف الضغط عن حدود «شينغن» الأوروبية.

لكن، أبعد من كل ذلك، من شأن التدخل الروسي أن يرسم خريطة جديدة للحرب السورية ولسوريا ذاتها، هي خريطة تثبيت التقسيم. يصعب على بوتين وعلى بشار الأسد وقاسم سليماني إخضاع كل السوريين لمشروعهم. يمكنهم السيطرة على المناطق ذات الأكثرية الشيعية، وإخراج المعارضة من المناطق والبلدات التي تقيم فيها هذه الأكثرية، كما حصل في نبل والزهراء وفي ريف اللاذقية. لكنهم لا يستطيعون فرض نفوذهم على أبناء المناطق الأخرى، حتى لو أخرجوا قوات المعارضة منها بالقوة. والدليل هو عشرات آلاف الهاربين من المناطق التي يزعم نظام الأسد وشركاؤه أنهم استعادوها إلى سلطة الدولة السورية. لماذا يهرب هؤلاء المواطنون السوريون من هذه السلطة ويبحثون عن أي مأوى، اذا كانوا يعتبرون أنها هي السلطة التي تمثلهم وتحميهم؟

عن صحيفة الحياة اللندنية
0
التعليقات (0)