قضايا وآراء

الحكومة المغربية في مواجهة الاحتجاج الاجتماعي

محمد مالكي
1300x600
1300x600
لم يبق  في عُمر الحكومة المغربية، المُشكلة في أعقاب انتخابات 25  كانون الثاني/ نوفمبر 2011، سوى السنة الجارية (2016)، إذ بمقتضى الدستور الجديد لعام 2011  يُنتظر أن يتم انتخاب مجلس النواب المقبل في بحر الخريف  القادم.

لذلك ، تخترق المجال السياسي المغربي تفاعلات كثيرة، منها ما هو سياسي، وأخرى ذات مصادر وأبعاد اجتماعية. وإذا كان المظهر السياسي لهذه التفاعلات ـ والمعني هنا الاستعداد للانتخابات المقبلة ـ مما أصبح يدخل في باب المألوف، فإن اللافت للانتباه موجة الاحتجاجات الاجتماعية التي عمّت التراب المغربي، وقد تشهد، إن هي لم تجد سبيلا للحل بالحوار، تصاعدا أقوى في الشهور القادمة.

ثمة على الأقل ثلاث قضايا مستأثِرة بالرأي العام الآن، منها ما هي قديمة و قد ازدادت أهمية وأولوية منذ السنة الماضية، كما هو حال موضوع إصلاح نظام التقاعد ونظم المعاشات بشكل عام، وأخرى طفحت على السطح في الشهور الثلاثة الأخيرة، كمعاشات أعضاء الحكومة والبرلمان، وأوضاع الأساتذة المتدربين.. والملفات الثلاثة يربطها خيط ناظِم يتعلق بالمسألة الاجتماعية، ومدى كفاءة الحكومة في بناء التأييد حول سبُل إيجاد حلول متوازنة وناجعة لها.

ليس إصلاح نظام التقاعد موضوعا جديدا أو مستجدا، إنه ملف قديم، تمّ التنبيه إلى خطورة استمراره دون إصلاح منذ سنوات، بل إن كل سنة يتأخر فيها إصلاحه يُكلف خزينة الدولة خسائرَ كبيرة، وقد أجرِيت حوله دراسات وتقارير، ونُظمت مناظرات، وصدرت توصيات واقتراحات، و للأسف عجزت الحكومات المتعاقبة عن حلّه، إلى أن أصبح مؤكدا أن ما بعد 2020/ 2021 سيُفرَغُ الصندوقُ المغربي للتقاعد من كل أرصدته واحتياطاته النقدية إن هو لم يعرف إصلاحا عميقا، يُعزّز إيراداتِه، ويوسع قاعدةَ المساهمين فيه برفع نسب اكتتاباتهم، وإعادة النظر في جداول مستحقات ما بعد التقاعد، أي مبالغ المعاشات.

والحقيقة أن مجمل صناديق التقاعد في العالم عرفت إصلاحات لإعادة التوازن المالي إليها، وإسعافها في الاستمرار مُستجيبة بشكل فعال لزبائنها والمشاركين فيها، لعل آخر تجربة لإصلاح نظام التقاعد ما عرفته تونس مؤخرا، حيث تمكّنت الحكومة، عبر حوار بناء مع الإتحاد العام للشغل، من إيجاد صيغة متوازنة وتوافقية للنظام الجديد. لذلك، ليس المشكل في مبدأ الإصلاح، لأنه ضروري ولازِم، ولكن ما السبيل لتحقيقه دون أضرار للمعنيين به؟ وكيف يمكن للحكومة الحالية تغليب منطق الحوار، والتوافق، والبحث عن المشترك مع المركزيات النقابية والمنظمات المهنية ذات المصلحة، دون فرض الأمر الواقع على الجميع، كما يُشتمّ من تصريحات رئيس الحكومة، ومن يشتغلون ضمن طاقمه الوزاري؟ الخلاصة إذن، أن قضية إصلاح نظام التقاعد ستُشكل مصدر قلق اجتماعي حقيقي في قادم الأيام، إذا لم تقع مقاربتها بروح الحوار البناء بين كل الأطراف ذات الشأن، وأساسا إذا لم تُنصت الحكومة لممثلي المعنيين بهذا الملف، والعمل إلى جانبهم لصياغة إصلاح متوازن وفعال.

تتعلق القضية الثانية، التي حظيت بحيّز كبير على مواقع التواصل الاجتماعي، وروابط الشبكة العنكبوتية، بمعاشات الوزراء وأعضاء البرلمان، التي وصل حجم انتشارها درجة من شأنها التأثير على السلم الاجتماعي.

جوهر هذه القضية أن الوزراء دأبوا منذ سنوات على الاستفادة من معاشات مقطوعة بعد استكمالهم مهامهم الحكومية، على الرغم من رجوع الكثير منهم إلى وظائفهم الأصلية بسبب عدم وصولهم سن التقاعد.. والواقع أن هذه الامتيازات، التي تكلف خزينة الدولة أموالا مهمة، غير مؤسسة على سند قانوني شرعي، بل هي مجرد تقديرات مُنحت في زمن سياسي سابق، عبر عنه بعض الوزراء الحاليين بأنفسهم، بأنها امتيازات تدخل في خانة " الريع السياسي.. وطالما أن المغرب اعتبر صراحة في نص الدستور الحالي (2011) بأن "الاختيار الديمقراطي" ثابت من ثوابت البلاد، وشدد في أكثر من مقطع من الوثيقة الدستورية على الحكامة والمساءلة والمحاسبة، فمن الأجدى أن يُلغى هذا الريع أسوة بالعديد من الدول الديمقراطية.. لذلك، عقد النسيج الجمعوي المغربي، المكون من عشرات الجمعيات والمنظمات عزمه على الاستمرار في الضغط، من أجل إلغاء المعاشات والامتيازات غير المبررة لأعضاء الحكومة.. والأمر نفسه ينسحب على أعضاء البرلمان بمجلسيه، حيث يتقاضى هؤلاء حين إنهائهم ولايتهم التشريعية، أي خمس سنوات، معاشا مقطوعا مدى الحياة.. وهو أمر غير سليم لا منطقيا ولا شرعيا.. وإذا عرفنا عدد أعضاء النواب والمستشارين حاليا البالغ 515 عضوا، نُدرك كم يكلف هذا الامتياز، المسمى تجاوزا معاشا، خزينة الدولة ، أي المال العام.

تخصّ القضية الثالثة وضعية الأساتذة المتدربين، أي الذين هم في طور التكوين ليصبحوا ممارسين لمهنة التعليم. فقد صدر مؤخرا مرسومان وزاريان ينظمان وضعية هؤلاء، لمسوا فيهما تراجعا عن مكتسباتهم الحقوقية، لاسيما بالنسبة للمنح المالية المقررة لهم خلال فترة التدريب.. فهكذا، خاض هؤلاء الأساتذة نضالات سلمية للضغط على الحكومة من أجل التراجع عما لحق بهم، فما كان من جانب الحكومة، ووزارة الداخلية تحديدا، سوى تعريضهم للتعنيف من قوى الأمن، والمساس بكرامتهم، علما أن المادة الثانية والعشرون من الدستور المغربي واضحة في فقراتها الثلاث، حيث حرمت تعريض الأشخاص للتعذيب والضرب والتنكيل بهم، واعتبرت أعمالا من هذا القبيل جرائم يُعاقب عليها.. نحن إذن أمام خرق واضح لنص صريح في الدستور وعودة غير مشرفة للمغرب، الذي قطع أشواطا مهمة في تسوية ملف حقوق الإنسان، خطوات إلى الوراء.

تعطينا القضايا الثلاث المبينة أعلاه صورة عن حال المغرب الاجتماعي، وآفاق تطوره، كما تعكس لنا الواجبات المطلوبة من الحكومة الحالية في انتهاج منهجية سليمة وبناءة للتحاور مع قطاعات المجتمع، الذي انتخبها قبل أكثر من أربع سنوات، ليس لتخذله، ولكن لتنصت إليه، وتجتهد في بناء حلول خلاقة لمشاكله.
0
التعليقات (0)