قضايا وآراء

"داعش" تتمدد لتأسيس إمارة البغدادي في بلاد المغرب

محمد مالكي
1300x600
1300x600
لا يعرف المرء هل صدفة أم من مكر التاريخ أن تسقط مدينة "سرت" الليبية في قبضة تنظيم "داعش"، ويُعلن ، من أسموا أنفسهم "جند الله"، موطن مسقط رأس "معمر القذافي" بؤرة للانطلاق نحو تأسيس إمارة البغدادي في بلاد المغرب. ومن اللافت للانتباه أن يتقوى وجود "داعش" في هذه المدينة المتوسطية الساحلية، التي لا  تفصلها عن الشواطئ الجنوبية لأوروبا سوى مائتي كلم، بل وأن تصل قوتهم درجة الاحتفال علنا بما تعرضت له العاصمة الفرنسية باريس يوم الثالث عشر من شهر نونبر المنصرم، والابتهاج بما أصاب عواصم  الغرب وسيصيبها لاحقا.. ألم يجهر أحد أعضاء تنظيم  "داعش"  بسكينه عاليا بعد الانتهاء من مجزرة نحر الأقباط المصريين مهددا روما بنفس المصير؟؟.

لابد من التأكيد على أن الوضع المتأزم في ليبيا لم يحظ بنفس قدر الاهتمام الذي حظيت به الأوضاع في كل من العراق وسوريا من قبل القوى الدولية والإقليمية المتحكمة في خيوط ما يجري على الساحة العربية. ومن المفارقة أن مقابل ضعف الانتباه إلى ليبيا وما يعتمل داخل أراضيها، لم يتوقف تنظيم " داعش" من الاستفادة من واقع التفكك الذي أصاب ليبيا، وحقيقة انتشار السلاح يمينا ويسارا ، وغياب الدولة ومؤسساتها، ليشرع في بناء قواعد له منذ العام 2011. لننظر إلى خريطة التمدد الذي حققه التنظيم في غفلة أو سوء تقدير من طرف كل القوى التي قادت عملية الإطاحة بالنظام السابق تحت مظلة حلف "النيتو". ففي أقل من أربع سنوات) 2011 ـ 2015(، تمكنت " داعش" من الاستيلاء على ما يقرب من عشرين إلى ثلاثة وعشرين في المائة  من التراب الليبي، هادفة من ذلك إلى الوصول إلى منابع الهلال النفطي في منطقة "سرت" وما يحيط بها، مقتفية نهج ما سارت عليه في سوريا والعراق، حين أغنت خزينتها المالية من عائدات النفط المهرب، والمستخرج عُنوة وبالقوة.

لم تعد خافية اليوم نوايا تنظيم "داعش" وإستراتيجيته في الأراضي الليبية، وإن التزم قادتُه بالكتمان عما يرومون تحقيقه من تزايد نفوذهم في ليبيا. فالحاصل أن التنظيم مصر، إلى أن يحصل العكس، على ربط شرق العرب بمغربهم، وتوحيد الجناحين في إمارة "البغدادي" والإعلان عن دولة الخلافة. لذلك، ومنذ التمكن من الاستيلاء على مدينة "درنة"، شرق ليبيا على الحدود المصرية، بتاريخ 19 نونبر/ تشرين الثاني 2014، وهو يعمل بانتظام على التمدد نحو مدن أخرى مجاورة، وذات مواقع استراتيجية بالنسبة لمنابع النفط والغاز. والحقيقة أن تنظيم " داعش" لم يستفد فقط من تقاعس القوى الدولية والإقليمية عن جعل الملف الليبي ذو أولوية، بل استغل الصراع الداخلي بين الجيش الليبي وقوات فجر ليبيا، وكذلك تلاشي ما بقي من كيان الدولة والمؤسسات، واستثمار  إحساس سكان مدينة سرت بالإقصاء والتهميش في أعقاب سقوط ابن موطنهم "معمر القذافي".

فهكذا، فتح الاستيلاء على درنة، وبعدها على "سرت"، الباب نحو مدينة "مصراتة" في فبراير 2015، ومبايعة " البغدادي" حين دخولها، ليتوسع التنظيم في اتجاه "صبراتة" الواقعة غرب طرابلس، التي ما زالت تترنح تحت نار "داعش"، والأمر نفسه ينسحب على مدينة "صرمان".. نحن إذن أمام توسع متدرج ومنتظم ومسيطر عليه من قبل تنظيم " داعش". ومن هنا تبدو خطورة  عدم الانتباه إلى ما يجري فوق الأراضي الليبية، والإسراع إلى لجم التنظيم قبل أن يصبح مستقراً ومتوطنا في إحدى أهم دول الغرب الإسلامي إستراتيجية وأكثرها قيمة من حيث مصادر النفط والغاز.

يذكر أن الأمم المتحدة نبهت إلى خطورة ما يجري في الأراضي الليبية في أحد تقاريرها الحديثة) 16 نونبر 2015(. فقد أشارت  إلى الانسياب المتصاعد لـ"الجهاديين" الملتحقين بالتنظيم من كل حدب وصوب، الذين قُدر عددهم بما بين 3000 و5000 مقاتل. كما تمّ التنبيه إلى التدريبات التي يتلقونها داخل الأرضي المسيطر عليها، لاسيما في "سرت" و"درنة" وغيرهما. وفي عز التفجيرات التي طالت العاصمة الفرنسية باريس، لم يتردد قادة هذا البلد في التأكيد على خطورة ما يجري في الأراضي الليبية.. فما العمل إذن للحد من نفوذ " داعش" في ليبيا، والعمل الجماعي من أجل القضاء على هذا التنظيم؟.

يبدو واضحا لكل من يتابع ما يجري في ليبيا أن الحاجة ماسة إلى أن تعي القوى الدولية والإقليمية خطورة تمدد "داعش" في الأراضي الليبية، وعدم الاكتفاء بالحديث بين الفينة والأخرى عن أزمة هذا البلد والإشارة إليه بشفقة. ومن الواضح أن حصول مثل هذا الوعي سيقود إلى اعتبار الملف الليبي أولية دولية وإقليمية،  وأن التكاتف من أجل إيجاد تسوية سريعة وجذرية له لا تقل أهمية من ملف كل من العراق وسوريا. صحيح أن المبادرة التي تمت تحت الإشراف الأممي، واستضافتها المملكة المغربية على مدار العديد من الجولات ) مفاوضات الصخيرات( قد فتحت أبواب الأمل لإيجاد حلول توافقية بين الفرقاء المتصارعين، لكن يبدو أن هناك ضرورة قصوى للذهاب بعيدا لإيجاد مخارج ذكية وخلاقة للوضع في ليبيا، قبل أن تنفلت الأمور، ويتمكن تنظيم "داعش" من قضم ما تبقى من الأراضي الليبية خارج سيطرته.. إن استقرار  هذا التنظيم وتوطنه وديمومته في ليبيا سيشكل أكثر من خطر على الليبيين أولا وعلى دول الجوار في شرق المتوسط وفي غربه وشماله.
0
التعليقات (0)