قضايا وآراء

أزمة الإخوان.. 3 بيانات وحقيقة واحدة

قطب العربي
1300x600
1300x600
ثلاثة بيانات متتالية صدرت عن هيئات قيادية إخوانية داخل مصر وخارجها، خلال الأيام القليلة الماضية، تمثل إحدى مظاهر الأزمة التي تعيشها قيادة الجماعة، وتنعكس سلبا على صفها من ناحية وعلى الصف الثوري عموما، بينما تنعكس بردا وسلاما على السيسي وأعوانه.

هذه البيانات الثلاثة التي كان أولها من لندن بتوقيع نائب المرشد العام في الخارج إبراهيم منير، حول رؤيته وفريقه لمفهوم السلمية (17 نوفمبر)، تلاه بيان من لجنة الإدارة في الداخل يحدد موقف الداخل من القضية ذاتها (19 نوفمبر) ثم أخيرا بيان لمكتب الأزمة في الخارج (28 نوفمبر) يرد على بعض الاتهامات التي تعرض لها المكتب مؤخرا سواء من فريق آخر يناوئه داخل الجماعة أو من بعض المحسوبين بشكل عام على أنصار الشرعية، بهدف النيل منه وتشويه سمعته، أو سمعة بعض أعضائه، بدعاوى كاذبة عن تخليه عن شرعية الرئيس مرسي أوالقصاص للشهداء إلخ (وهو ما نفاه البيان).

بيانا لندن والقاهرة تركزا على رؤية كل طرف لمفهوم الثورة والسلمية، وهما البيانان اللذان سبقهما مقالات للدكتور أحمد عبد الرحمن، مسؤول مكتب الأزمة في الخارج، تطرق في جزء كبير منها للقضية ذاتها، التي كانت واحدة من أبرز أوجه الخلاف بين طرفي الأزمة (أو هكذا تم تصويرها)، للتغطية ربما على النقطة الأهم للخلاف، وهي حول الإدارة وشرعية القيادات.

وفي نظري أنه تم استدعاء إشكالية السلمية من هذا الطرف أو ذاك لكسب نقطة على الطرف الآخر، رغم أنني واثق تماما أن القيادات الأساسية التي تتصدر الجناحين تؤمن برؤية شبه متطابقة في هذا الأمر، وأن كل فعاليات الحراك التي كانت تتم في الفترات الماضية قبل ظهور الأزمة كانت بتوافق كامل وبرضا تام من الجميع.

لكن هذا لا يمنع من وجود أصوات أكثر ميلا للعمل المسلح في مواجهة أصوات أكثر اقتناعا بالسلمية المطلقة، وعلى كل فقد جاء بيان لجنة الإدارة الحالية في الداخل والموقع من الدكتور محمد عبد الرحمن عضو مكتب الإرشاد لينهي الجدل في هذه القضية، وليقطع الطريق على الأصوات النشاز في كلا المعسكرين، وليضع النقاط على الحروف، ويحدد رؤية القيادة الميدانية التي تتحرك وفقا لها بالفعل.

وبالتالي لم يعد هناك مجال لأحد في الخارج أن يدعي أن لديه تصورا مختلفا، حتى لو كان لديه هذا التصور المختلف، فهو مجرد كلام نظري ليس في مكنته تطبيقه عمليا، لأن العصمة ليست بيده، وإنما بيد القيادة الميدانية على الأرض.

الصياغة التي نشر بها بيان الداخل الموقع باسم الدكتور محمد عبد الرحمن (المسؤول التفيذي حاليا عن الإدارة في الداخل) تشي بأنه بيان تنظيمي داخلي موجه إلى الصف، حيث لم يكتب بطريقة المقالات المعتادة، وهذا يكسبه قيمة أكبر، وهو يأتي في أجواء الاستعداد لموجة ثورية جديدة في يناير المقبل غابت إلى حد ما عن اهتمامات قادة الخارج.

والمأمول الآن، أن يقطع هذا البيان قول كل خطيب، ويمنع أي طرف من إعادة طرح القضية للنقاش، وإعتبارها مادة للمزايدة، وكسب النقاط.

تبقى المشكلة الحقيقية الآن هي في حق الإدارة في الخارج تحديدا بين مكتب الأزمة الذي نشأ بقرار صادر من الداخل (وهو مكتب مؤقت ينتهي عمله بانتهاء الانقلاب، ويساعد مكتب الداخل في إدارة الملفات الخارجية السياسية والإعلامية والقانونية والحقوقية إلخ) وبين الرابطة التي تضم ممثلي الإخوان المصريين العاملين والمقيمين في الخارج (وهي كيان مستمر قبل الانقلاب وبعده، ومهمتها رعاية شؤون الإخوان المصريين في الخارج)، وهو خلاف يمكن حله بسهولة إذا خلصت النوايا، وصفت النفوس، وجلس الفريقان معا وجها لوجه ليحددا مجال اختصاص كل منهما، وطبيعة الملفات التي له حق إدارتها، أو التي يجيد الآداء فيها.

وعلمي أن هناك جهودا للوساطة بين الطرفين لتحقيق هذا التعاون المشترك، والعقبى ستكون على من يرفض هذا التعاون، ومن يتسبب بأنانيته في إطالة أمد الأزمة، ومن ثم إطالة عمر نظام السيسي.

تقديري أن القيادات الموجودة في الخارج في معظمها (مع كل التقدير لدورها ولتضحياتها) ليست مؤهلة تنطيميا ولا سياسيا -بحكم الأوضاع التي تعمل فيها- لإدارة الملفات الخارجية لمعركة كسر الانقلاب، وأن أغلبها بحكم إقامته الطويلة خارج مصر لا يعمل على الموجة الثورية ذاتها التي يحملها أبناء الداخل، أو الذين خرجوا حديثا من مصر، كما أن الأولويات تتباين بين الطرفين أحيانا.

فبينما تمثل الناحية الأمنية والحرص على وجود أفراد الإخوان في الدول التي يقيمون فيها دون ملاحقة أو إبعاد أولوية كبرى لدى القائمين على الرابطة، فإنها لا تأخذ المكانة ذاتها لدى الداخل أو الخارجين حديثا الذين تمثل الثورة ودعم الحراك الأولوية الكبرى لهم على حساب أي أمور أخرى، حتى لو كان الإبعاد من الدول التي يقيمون بها، كما حدث مع القيادات الإخوانية التي تم إبعادها من قطر قبل نحو عام.

مع تعثر جهود الوساطة والتوفيق التي تقودها قيادات وكوادر إخوانية، وقفت على مسافة من الطرفين، ومع تكسر هذه الجهود على عتبة الانطباعات النفسية والمواقف الشخصية يبقى الأمل في حل حاسم يأتي من القيادة في الداخل، فيلتزم به أهل الخارج دون مراجعة أو تشكيك، ويبقى أن البيانات الثلاث وما سبقا أو سيلحقها هي أحد وجوه الأزمة، بينما تظل الحقيقة ذات وجه واحد، وهي أن الخلاف والتنازع هو طريق الفشل.

والفشل هنا لن يكون للتنظيم فقط، بل لثورة ولوطن بأكمله.
التعليقات (0)