كتاب عربي 21

دراسة حالة "الجثة رقم 13": بروفايل إرهابي من تونس

طارق الكحلاوي
1300x600
1300x600
تبين الآن أن "الجثة رقم 13" في العملية الإرهابية في شارع "محمد الخامس" في العاصمة تونس يوم 24 نوفمبر الجاري، التي أدت إلى استشهاد 12 من أعوان الأمن الرئاسي، وجرح آخرين، ليست جثة شيخ قابل الرئيس السابق المرزوقي، وليس عون أمن رئاسي اندس عندما كان رئيسا.

تبين أنه شاب لم تطأ، بحسب نقابة القضاة، ساقه محكمة، وبالكاد مسجل في قائمات المشبوهين. يقطن في أحد أكثر أحياء العاصمة فقرا، "حي الجمهورية" القريب من حي "دوار هيشر". حاول السفر إلى سوريا، وبقي معزولا بين أبناء حيه في الفترة الأخيرة.
 
ولد الإرهابي حسام العبدلي سنة 1988، أي تقريبا في العام ذاته الذي أصبح فيه بن علي رئيسا، وانطلق في التأسيس لدولة الاستبداد والفساد. تعلم في مدارسه وتفرج في تلفزته، وانتفع من التنمية التي مست الأحياء الشعبية المحيطة بالعاصمة.

كان مثل عدد من أبناء حيه يغازل أوساط الجريمة والانحراف والسكر، ثم قرر التدين المفرط، ليكون من أنصار تنظيم الشريعة الذي تأسس سنة 2011 مباشرة، إثر العفو التشريعي العام على قيادات السلفية الجهادية في فيفري 2011. وأخيرا قرر أن يكون إرهابيا، صنف "انغماسي"، تحت الطلب لداعش.
 
المثير للانتباه أن بعض "المحللين" و"الخبراء" المسيسين والسطحيين أصيبوا بخيبة أمل؛ لأن بروفايل الإرهابي لم يتوافق مع تمنياتهم المتمثلة في إرهابي يعكس حالة تواطؤ عامة في جهاز الدولة مع الإرهاب.

نظرية المؤامرة المنبثقة عادة من متعاطفين مع نظام بن علي، المتمثلة في التشكيك في "الإرادة السياسية" سابقا، تحولت الآن إلى تشكيك في أجهزة أمنية وقضائية برمتها.
 
بين حاله شبه منحرف إلى حاله إرهابيا، توجد قصة خمس سنوات. التمعن في هذا التحول هو أحد المفاتيح لفهم مسار تشكل البروفايل الإرهابي.

هذه النقطة تحديدا أي بروفيل إرهابي في هذا الحي الشعبي ذاته، تم العناية بها في دراسة "السلفية الجهادية في تونس، الواقع و المآلات" من إنجاز المعهد التونسي للدراسات الاستراتيجية (نشر في ديسمبر 2014)، وهو حصيلة عمل وحدة البحث في هذا الموضوع التي أسستها منذ جوان 2012 وواصلت عملها الى ديسمبر 2014 تاريخ استقالتي من إدارة المعهد. من ضمن بحوث الدراسة "الشّباب الجهادي في دُوّار هيشر: دراسة حالة إثنوغرافيّة"  للباحث الشاب جهاد الحاج سالم، الذي كان من بين الباحثين الذين انتبدتهم للعمل في وحدة البحث تلك من بين باحثين شباب آخرين. كان التوجه الذي قادني مع منسق وحدة البحث هو التركيز جزئيا على الأقل على باحثين شبان، بعيدين عن القوالب المعتادة وخاصة متحمسين للعمل الميداني المباشر، وأيضا من الجيل ذاته الذي ينتمي إليه عديد المنتسبين للتيار السلفي الجهادي.
 
سأنقل هنا أهم ما جاء في هذه الدراسة. طرح جهاد إشكالياته الأساسية كالتالي: "من هو الشباب الجهادي بدُوّار هيشر؟ كيف تجري ديناميكيّات حشد الإيديولوجيا  الجهاديّة في معيشه اليومي وحِراكه؟ كيف تشكّلت ساحة التيّار الجهادي في الحيّ؟ وما هي العمليّات التي يعيشها هذا الشباب ضمنها؟"
واعتمد للوصول إلى أجوبة لأسئلته هذه، على مقاربة إثنوغرافية ميدانية: "عبر استخدام أداتي استقصاء أساسيّتين، وهما الملاحظة المركّزة والمقابلات البحثيّة المفتوحة المدعّمتين بالمعطيات الكميّة". ويفسر جهاد ذلك كما يلي: "وقد امتدّت عمليّة الملاحظة المركّزة في هذه الدراسة إلى ما ينيف عن السنة، من منتصف شهر ماي 2013 إلى أواخر شهر تموز/ يوليو 2014، وتركّزت على محاولة ولوج فضاء مجموعات الشباب الجهادي في الحي، أو ساحة حركتهم الاجتماعيّة." ومن جهة أخرى: "تضمّنت الدراسة 8 مقابلات بحثيّة، 5 منها كانت مع شبّان جهاديّين تتراوح أعمارهم بين 19 و28 سنة، والبقيّة كانت مع أفراد من أبناء الحيّ لهم معرفة واختلاط بالشّباب الجهادي بدُوّار هيشر".
 
وتبين من هذه العينة "أنّ نسبة عالية من الشباب الجهادي في دُوّار هيشر ينحدرون من شريحة اجتماعيّة معيّنة تعيش وضع عَطُوبة اجتماعيّة (vulnérabilité sociale). وتبعا للتعريف السوسيولوجي الإجرائي، تتحدّد العطوبة كوضع اجتماعي وَسَطٍ: بين الاندماج الخالص في المجتمع من جانب، والانفكاك التامّ عنه من جانب آخر". لمزيد تفسير هذه "العطوبة الاجتماعية" يقول جهاد إنها "انفتاق الروابط الاجتماعيّة من أربع جهات ممكنة". ويعرضها بالترتيب التالي:
أولا، "جهة الاندماج الاقتصادي، تعاني نسبة معتبرة من هؤلاء الشبّان البطالة أو يمارسون أعمالا موسميّة لفترات زمنيّة متقطّعة، يدخل أغلبها في حقل الاقتصاد اللاشكلي"  وهذا ينطبق تحديدا على حي "دوار هيشر" حيث إن نسبة البطالة "بلغت 18 بالمئة سنة 2012، أي أعلى من المستوى الوطني بنسبة 3 بالمئة".
ثانيا، "من جهة الاندماج العلائقي... فأغلبهم ينحدر من عائلات وفيرة العدد، يتجاوز معدّلها الأربعة أنفار وفقيرة وافدة من مناطق الشمال والوسط الغربي للبلاد على وجه الخصوص".
 
ثالثا، "من جهة الاندماج المدرسي. حيث عرف نسبة مهمّة من هؤلاء الشبّان تجربة انقطاع مدرسي مبكّر في السنوات الأولى من التعليم الإعدادي، وإن كان عدد منهم تمكّن من تحصيل شهادة تكوين مهني، أو حتّى بلوغ السنوات الأخيرة من التعليم الثانوي أو الأولى من التعليم العالي".
 
رابعا، "يعيش هؤلاء الشبّان حالة إنكار اجتماعي، أو ما يعبّر عنه في اللهجة العاميّة بـ"الحُقرة"، من ناحية الوصم الذي يُلحقه بهم المجتمع. ففي مجتمع يقترن فيه تمثّل النجاح الاجتماعي للفرد بحيازته عملا دائما ذا مردود مادّي مستقرّ، خاصّة بالنّسبة للذّكور، يصبح العاطل أو الممارس للعمل الهشّ والموسمي فاشلا اجتماعيّا وعنصرا ناشزا في محيطه".
 
وهنا يكون الانتقال من حالة "العطوبة" إلى شخصية الجهادي مسارا نحو وهم "التمكين"، من خلال الانتماء إلى عائلة جديدة تجمعه بها عناصر انتماء شكلية، مثل: المظهر واللباس والرائحة (أنواع خاصة من العطور) واستعمال الكنية. وعناصر انتماء مضمونية، مثل: طريقة خطاب (الفصحى مدعمة بالمتن الديني) وطريقة الكلام والتفاعل وتحديد الزمن عبر مرجعية الصلاة. في المقابل يتم تركيز الاستهداف على ما يسمونه "الطاغوت" الذي يرونه كمجسم مباشر لكل الشرور، بالاستناد على العلاقة المتوترة والمزمنة بين الأمن وشباب هذه الأحياء. فعديد المنتمين إلى هذا التيار كان ينتمي إلى أوساط منحرفة قانونيا، أو ببساطة لمجموعات مشجعي الكرة "الأولترا" التي هي في صدام متواتر مع الشرطة.
 
وضمن هذا السياق تتشكل حالة التضامن الداخلي المتينة للشبكات التي تشكل هذه الجماعات، مثلا على أساس الانتماء للحي "الحومة" أو لمشروع اقتصادي مشترك. وكان مسجدا "النور" و"أبو بكر" مركزي هذه الشبكات المتقاطعة. وضمن هذا الإطار يمكن فهم العنف الكبير بين المنتسبين لهذا التيار، وكل من يعتبرونه دخيلا على أطرهم ومجالاتهم مثلما كان في أحداث شهر أكتوبر سنة 2012 في الصراع الذي تفجر بينهم وبين شبان مخمورين والانتقال إلى عنف مع الأمن.
 
في النهاية "الجثة رقم 13" حسام العبدلي لم تتولد في ذهنه حالة الإرهابي كصدفة. هو بروفيل لمرشحين آخرين في السياقات والشروط أعلاه. ولا يمكن مقاومة هذا الإجرام الإرهابي دون محاولة تفكيكه، حتى يمكن محاصرته والقضاء عليه بوصفه حالة مرضية لداء أصلي يحتاج علاجا مستديما. أبناء حي حسام وغالبيتهم غير ملتحين الذين ظهروا في التلفاز، ويبدون محرجين ومترددين في الحسم تجاهه، وبعضهم ترحم عليه يعكسون عمق المشكل وتعقده.
التعليقات (1)
بلال الزريبي
السبت، 28-11-2015 08:29 م
دراسة غبية لأنها أغفلت الجانب المخابراتي المتمثل في العناصر القيادية المندسة داخل هذه الجماعات و التي تقوم بالتغرير بالشباب المتدين حديثا من أمثال حسام العبدلي لتنفيذ أجندت الدولة العميقة و هذا المخطّط الجهنمي دبّر بليل من أيام المخلوع و بأيادي يسارية استئصالية الهدف منها تشويه الإسلام و الإسلاميين حتى تتم محاصرتهم و الزج بهم في غياهب السجون و الصحبي الجويني ذالك النقابي الأمني المعتوه الذي يعمل لحساب كمال لطيّف صرّح بهذا على المباشر من حيث لا يدري ممّا جعل المخبر الصغير لزهر العكرمي يتقزّز من كلامه لأنه شريك في هذا المخطّط الإجرامي بدليل أنّه سكن في نفس الشقّة في يوم من الأيام في سوريا مع الصندوق الأسود للإرهاب أحمد الرويسي