كتاب عربي 21

الاستثمار الإمبراطوري في "الإرهاب"

محمد هنيد
1300x600
1300x600
الحرب المعلنة اليوم من طرف القيصر الروسي الجديد " بوتين " على " الإرهاب" في سوريا إنما تضع علامة جديدة على الحرب المعلنة منذ بضعة عقود على ما رسخ في الخطاب الدولي باسم " الإرهاب الإسلامي". فهجمات سبتمبر 2001 على الأرض الأمريكية قد دشنت منذ بداية القرن الاتجاه الجديد للتوسع الإمبراطوري العالمي خاصة بالنسبة للإمبراطورية الأمريكية إلى حدّ سُمّي معه  القرن الجديد " بالقرن الأمريكي الممتاز". 

الحرب الأمريكية على الإرهاب تأتي بعد حقبة أخرى من المواجهة التي تمثلت في الحرب الباردة بين المعسكرين الشرقي والغربي وقد خُتمت بانهيار الإمبراطورية السوفيتية واستقلال الدول التي كانت تمثل طوق التوسع الاستعماري للدب الروسي. هذه حرب تحولت من "حرب أمريكية" إلى "حرب عالمية" وإلى "تحالف دولي على الإرهاب" الذي اتخذ هو أيضا صبغة العالمية فتحول إلى "الإرهاب العالمي" حيث تحارب قوى "الخير المطلق" قوى "الشر المطلق" من أجل "خير البشرية والسلم العالمي" حسب الخطاب السياسي  الإمبراطوري.  

توسيع المفهوم بتوسيع ودلالة المصطلح النعت ـ من الأمريكي إلى العالمي ـ  يسمح بتحديد التحالفات وفتح قابلية استيعابها من ناحيتين : 

فهو من الناحية الأولى يمنح الإمبراطورية قوة جذب قادرة عبرها على إنشاء تحالفات حربية وإستراتيجية تصل طبيعة انجازها إلى حدّ التهديد والابتزاز مثلما فعل الرئيس الأمريكي السابق بوش الابن عقب اعتداءات سبتمبر عندما صرّح علنا بأن " من لن يكون معنا فهو ضدنا " وهو تهديد صريح يهدف إلى فرض التحالفات فرضا على الدول والقوى الدائرة في الفلك الإمبراطوري اقتصاديا أو سياسيا أو ثقافيا وهو ما يفسر كذلك انضمام الكثير من الدول إلى الحرب الأمريكية للإرهاب طوعا أو كرها في الأغلب. 

أما من ناحية ثانية فهو يوسّع دائرة الاتهام لتشمل كل الخارجين عن النطاق الإمبراطوري أو أولئك الذين يمثلون خطرا على توسعه وعلى مبدأ الهيمنة الذي ترتكز عليه. فاليوم لم يعد التصنيف شاملا لدول بعينها مثلما كان الأمر عليه بالأمس القريب عندما كانت صفة الإرهاب تلصق بدول ترفض الهيمنة الأمريكية المباشرة عليها كالعراق أو هي في حالات أخرى دول تعطّل المصالح الأمريكية  فتهدَّد بتهمة الإرهاب من أجل الابتزاز مثلما فعلوا مع " ليبيا " في عهد "القذافي" مثلا. بل يمكن القول في السياق التاريخي الحالي أن الإرهاب بلغ أقصى نقط الاتساع ليتجاوز مفهوم الدولة نحو التنظيمات والجماعات وحتى الأفراد ضمن مفهوم "الذئب المتفرد".

القول بعالمية الحرب على الإرهاب تدخل في نطاق التوظيف الإمبراطوري الأقصى لذرائع التدخل المباشر من أجل المحافظة على مصالح الإمبراطورية التوسعية بعينها وهو ما نلحظه منذ بداية القرن الجديد وكذلك عبر تاريخ تطور التطبيقات الإرهابية في الخطاب الأمريكي خاصة والإمبراطوري عامة.

 الإرهاب بالمفهوم الأمريكي حدّده بدءا "محور الشر" أو "محور الشيطان" حسب التوصيف الرسمي للولايات المتحدة وكان يشمل منذ أواخر القرن الماضي وخاصة مع إعلان الانهيار الرسمي للمعسكر السوفياتي العراقَ وإيران وكوريا الشمالية. أما اليوم وبعد سقوط نظام "صدام حسين" وخروج أكذوبة أسلحة الدمار الشامل إلى العلن تغيرت المحاور لتخرج العراق من المعادلة وتتحول موطنا مفرخا للإرهاب والعنف والفوضى وهو ما أريد لها منذ البداية لمنع خروج أي نموذج حضاري وعلمي ناجح عند العرب. أما إيران فقد خرجت المنتصر الوحيد من الحرب الإمبراطورية على العراق و تقاسمت الغنيمة مع المحتل الغازي وها هي اليوم ترفع شعار الشيطان عن خطابها وتطبّع علاقاتها الاقتصادية مع الغرب ومع من كانت تصفه بالأمس "بالشيطان الأكبر".  

الإمبراطوريات تاريخيا والقوى التوسعية عامة لا يمكن أن تكفّ عن التوسع لأنه يمثل شرطا أساسيا من شروط وجودها وليس الغزو والتمدد والاختراق وإفشال الدول والقضاء على منوالات التنمية إلا الوجه الأساسي لهذا التوسع الذي يتخذ أشكالا عديدة منها العسكري المباشر ومنها الاقتصادي أو المالي ومنها الثقافي الرمزي ومنها العقائدي... وهي كلها باختلاف أشكالها إنما تمثل مظهرا من مظاهر حياة الإمبراطوريات وتطورها. وجود الإمبراطوريات مشروط بالحرب إذن والتوسع بمحاربة "الأعداء" أو خلقهم في حال تعذر ذلك لأن الحرب والمحافظة على مناطق النفوذ هي الشغل اليومي للنظام الإمبراطوري.  

تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام أو ما يصطلح عليه " بداعش " يمثل اليوم آخر مراحل تطور الأنساق الإرهابية التي مرت من الدولة ـ في العراق ـ إلى المجموعة الثابتة ـ القاعدة ـ  إلى المجموعة المفتتة والغامضة وغير القابلة للتحديد. لكن التوقيت المريب لخروج هذا التنظيم إلى العلن بعد ثورات الربيع العربي السلمية ونجاحه في السيطرة السريعة على مناطق كبيرة من المشرق العربي يثير الكثير من التساؤلات حول حدود الطبيعي والصناعي في تكوّن الجماعات الإرهابية وخاصة تنظيم داعش.

أين الإرهاب الطبيعي وأين الإرهاب الصناعي الذي تديره أجهزة المخابرات الأجنبية وخاصة العربية ؟ يطرح هذا السؤال بشدّة إذا  علمنا أنّ هذه الجماعات " المجاهدة" لم تقدم لشعوبها وعقيدتها غير الخراب والدمار في حين قدمت للاستعمار أجلّ الخدمات ومكنته من بلوغ ما لم يكن يحلم به.     
2
التعليقات (2)
ايمن عبد المتعال
الجمعة، 09-10-2015 02:39 ص
وهل لو توقف المرابطون والمحاهدون كانوا لن يفعلوا وهل الحملات الصليبية حتى منتصف القرن التاسع عشر كانت بسبب الآرهاب اخى بارك الله فيك والله لو لم يجدوا ريعة الارهاب لوجدوا ريعة الإسلام والحمد لله فهدا ما اخبرنا به نبينا صل الله عليه وسلم عن تكالب الامم كما تكلبوا على القصعة
سالم
الخميس، 08-10-2015 07:57 م
شكرا أستاذ هنيد عذبونا بالارهاب وكذب الإرهاب