قضايا وآراء

السيسي يأكل أذرعه الإعلامية

قطب العربي
1300x600
1300x600
بعد انقلابه المشؤوم بأقل من 3 أسابيع وتحديدا يوم 24 يوليو 2013 في أثناء دعوته المصريين للنزول لتفويضه بقتل أشقائهم فيما عرف بجمعة التفويض، أطلق الجنرال عبد الفتاح السيسي إحدى عباراته الشهيرة التي كشفت الأيام زيفها " الجيش أسد، والأسد لا يأكل أبناءه"، كانت هذه العبارة من الأساطير المؤسسة لدولة السيسي العسكرية، إذ استقبلها مؤيدوه بكل حفاوة، فالجيش بشكل عام محل احترام من عموم المصريين على خلاف قادته الفاسدين وأعضاء المجلس العسكري الذين شاركوا في الانقلاب على السلطة الشرعية، والسيسي في هذه العبارة ربط نفسه بالجيش وكأنه هو الجيش، وربط الجيش بصفة من صفات الأسد وهي أنه لايأكل أبناءه على ما في هذه الجملة من جدل علمي؛ حيث إن الأسد يسعى لأكل أبنائه لولا اللبؤة ( أنثى الأسد) التي تدافع عن أبنائها فتنجح حينا وتفشل حينا، لكن دعنا من هذا الجدل العلمي، ولندخل إلى المعنى الذي قصده السيسي وهو أن سلطة الانقلاب لايمكن أن تنقلب على من ساندها ودعمها وجاد بروحه من أجلها، فهل صدق السيسي في ذلك؟ الرد جاء سريعا لتكذيب هذه المقولة فمنذ الأيام الأولى لعهد الانقلاب تم حبس العديد من الرموز الشبابية الليبرالية التي كانت شريكة في التحضير ل 30 يوليو، والتي باركت 3 يوليو، بل وباركت فض رابعة والنهضة، والسيسي منع رفيق مؤامرته أحمد شفيق من العودة إلى مصر، وكان المتوقع لكل عاقل أن هذا الجنرال لن يتوقف عن التهام شركائه الواحد تلو الآخر، كما كان يفعل عرب الجاهلية الذين كانوا يأكلون أصنام العجوة كلما جاعوا، وكان أحدث الضحايا للسيسي "الجائع دوما" هم الأذرع الإعلامية التي كانت شريكا أساسيا في صناعة الانقلاب ودعمه وترسيخه، التي لم تقتصر على عملها الإعلامي في الحشد والتعبئة والتحريض، بل تجاوزته إلى تنظيم المسيرات والوقفات داخل مصر وحتى خارجيا في أثناء الزيارات الخارجية للسيسي، وتحملوا في سبيل ذلك الشتائم والسخائم من المصريين في الخارج.

دع عنك الحكم الذي أصدره قضاء السيسي بالسجن المشدد ضد 6 صحفيين من قناة الجزيرة رغم أن أحدهم قدم كل ما يمكن من تنازلات سياسية ومبدئية طلبا للعفو، ففي النهاية هؤلاء يحسبون في المجمل من الأذرع المضادة للسيسي، ولننظر إلى الشركاء الإعلاميين في انقلاب الثالث من يوليو ومنهم توفيق عكاشة الذي يصفه أتباعه بأنه قائد "ثورة30 يونيو"، والذي كان يفاخر بأنه من أظهر عبد الفتاح السيسي ومهد له الأجواء لحكم مصر، حين أطلق كذبه بالاتفاق معه إبان حكم مرسي بأنه"أي السيسي " من الإخوان، ليكون ذلك بمنزلة طعم يبتلعه الإخوان أنفسهم فيثقون في السيسي، كما أنه من فاخر بأنه كان واحدا من مجلس قيادة 30 يونيو الذي شاركه فيه آخرون، منهم شخصيات عسكرية لم يسمها لحساسية موقفها، وهو ما يعني أنها تضم السيسي نفسه وهو المجلس الذي قاد الترتيبات ليوم 30 يونيو وما بعده من ترتيبات، وكان الرجل ينتظر مكافأة على هذه الجهود لعل أقلها أن يتم تعيينه وزيرا للإعلام، أو رئيسا لمدينة الإنتاج الإعلامي، كما كان يتوقع أن تنهال تبرعات رجال الأعمال لقناته التي مثلت إحدى الحراب الرئيسية في معركة الانقلاب على الشرعية، لكن شيئا من ذلك لم يحدث بل حدث نقيضه، وهو القبض عليه في قضية تافهة بمقاييس قضايا أيامنا هذه، ( تنفيذ حكم  بالحبس صادر لصالح طليقته وهي قضية تعود وقائعها إلى منتصف عام 2010 أي أواخر عهد حسني مبارك، وسبق للشرطة نفسها أن أبلغته بقدومها للقبض عليه ليتمكن من الهرب أيام الرئيس مرسي.

ما حدث مع عكاشه سبقه إليه الكاتب الناصري سليمان الحكيم الذي تعرض لاعتداء بدني من أحد ضباط السيسي في طريقه للمشاركة في حفل افتتاح تفريعة قناة السويس، وهذا الحكيم هو الذي طالما استشهد السيسي بكتاباته، وهو الذي سبق له أن طالب السيسي بأن يكون حازما في مواجهة معارضي الانقلاب، لكنه دفع ثمن تحريضه عدوانا عليه كمن حفر حفرة لأخيه فوقع فيها، للتذكير أيضا تعرضت الكاتبة الصحفية غادة الشريف صاحبة عبارة "يا سيسي اغمز بعينك" "ونحن ملك يمينك" للإهانة من رجال شرطة أيضا رغم أنهم كانوا يعرفون شخصيتها.

لقد تكررت حالات إهانة الأذرع الإعلامية للسيسي من أشخاص ومؤسسات، ولعلنا لم ننس منع محمود سعد من دخول الاستوديو قبل الهواء مباشرة، وإزاحة مجدي الجلاد من موقعه كرئيس تحرير لجريدة الوطن ليحل محله رجل السيسي الأقرب محمود الكردوسي، وبالطبع لا ننسى مصادرة ووقف طباعة جريدة الوطن مرتين وجريدة المصري اليوم وجريدة صوت الأمة التي يرأس تحريها عبد الحليم قنديل، الأكثر تزلفا للسيسي والحريص على الجلوس بجواره في اللقاءات العامة، وجريدة البيان، وأخيرا جريدتي المصريون والصباح.

الأمثلة كثيرة على انقلاب السيسي على أذرعه الإعلامية، ولايمكن أن يفسر ذلك بأسباب إدارية أو مهنية تقليدية، مثل الادعاء بنشر أخبار كاذبة أو تعكر الأمن العام، فكل ذلك يمكن التعامل معه بالقانون، بينما الذي حدث مع الحالات السابقة كلها تم خارج نطاق القانون والدستور تماما، وكان بطريق الانتقام  والتاديب المباشر الذي يستهدف إيصال رسالة محددة لايصلح معها القانون، فما هي هذه الرسالة؟
في تقديري إن سلطة الانقلاب تريد إنهاء صيغة الشراكة التي سكنت عقول هؤلاء الصحفيين والإعلاميون معها، فهم يرون أنفسهم شركاء أساسيين في الانقلاب، وأنهم عرضوا أنفسهم للهلاك، وأنهم كانوا ليدفعون حياتهم ثمنا في حال فشل الانقلاب أسوة بالجنرالات، ولذلك فهم يتعاملون باعتبارهم جزءا وشريكا أساسيا في النظام الحالي بما يعنيه ذلك من ضرورة معاملتهم معاملة مميزة، وتقريبهم أكثر لدوائر صنع القرار، والاستماع إلى نصائحهم وإرشاداتهم في حكم البلاد، وهذا وضع قبله العسكر لبعض الوقت لكنهم لايقبلونه كل الوقت، فهم كـ"الفريك لايحب الشريك" وهم يريدون أن يعيدوا هذه الأذرع الإعلامية إلى الوضع الطبيعي " بيت الطاعة" الذي كان قائما طوال فترات الحكم العسكري  منذ الخمسينات، وهو أن يكون هؤلاء الإعلاميون أجراء لا شركاء، عليهم فقط تلقي التعليمات وتنفيذها دون تفكير أو اجتهاد، كما كان أسلافهم يفعلون، وهي الرسالة التي وصلت سريعا إلى هذه الأذرع فبدأت تعيد حساباتها، وتخفض أسقفها التحريرية، وبدأت تضع من تلقاء نفسها رقيبا على ما تنشره أو تبثه حتى لاتدفع الثمن غاليا، وهذا ما انعكس بوضوح على شكل الصحافة فعادت العناوين الموحدة إلى الظهور، وعادت المقالات الافتتاحية المتشابهة، وقد انعكس كل ذلك تراجعا في مستوى توزيع تلك الصحف وتراجعا في مشاهدة القنوات، وهو ما دفع المعلنين للإحجام عن نشر إعلاناتهم في تلك الصحف والقنوات فتعثرت ميزانيات تلك المؤسسات الإعلامية، وأصبحت غير قادرة على الوفاء بالتزاماتها تجاه صحفييها وموظفيها ومصاريف طباعتها أو بثها، فسرحت المئات وتستعد لتسريع دفعات أخرى، وأغلقت بعضها نسختها الورقية مكتفية بالنسخة الإلكترونية ( جريدة التحرير نموذجا)، التي سيتبعها صحف أخرى قريبا، وأغلقت عدة مجموعات تليفزيونية بعض قنواتها اكتفاء بالقناة الأم؛ توفيرا للنفقات واستغناء عن إعاد كبيرة من العمالة.

كل التوقعات تشير إلى مستقبل حالك السواد للصحافة وحريتها حال استمرار هذا الحكم العسكري، المسكون بعقد لاتحصى ولاتعد ضد الحرية وفي القلب منها حرية الصحافة، ومالم تتحرك الجماعة الصحفية والإعلامية دفاعا عن مهنتها وكرامتها وحريتها، فإننا سنشهد المزيد من التضييق والخنق والحبس والغلق، وسنجد المزيد من طوابير المسرحين من عملهم بعد إغلاق قنواتهم وصحفهم.
التعليقات (0)