يرى خبراء أن الهجوم على أحد قطارات تاليس الذي نفذه مسلح يشتبه بعلاقته بالتيار الإسلامي المتطرف، يثير الجدل مجددا حول المراقبة والوقاية، لكن التحديات كبيرة لأجهزة الأمن الأوروبية التي تعمل فوق طاقتها في معظم الأحيان.
وكان المشتبه تحت مراقبة المحققين. فهو مغربي في السادسة والعشرين من العمر، أبلغت السلطات الإسبانية
الاستخبارات الفرنسية بتحركاته في 2014. وتلقت السلطات البلجيكية أيضا معلومات عنه، لأنه أقام في بلجيكا. فقد استقل القطار من بروكسل.
ويثير وجود استمارة استخباراتية عنه تساؤلات وانتقادات، كما حدث خلال اعتداءات باريس على مجلة شارلي إيبدو ومتجر للطعام اليهودي، وتورط فيها الأخوان كواشي، اللذان كانا معروفين أيضا لدى أجهزة الاستخبارات.
لكن رافايللو بانتوتشي الخبير في مكافحة
الإرهاب في "رويال يونايتد سرفيسز إنستيتيوت" في لندن، يقول: "لا تتوفر لأجهزة الاستخبارات الوسائل الكافية" لمراقبة جميع المشتبه بهم، خصوصا "عندما نأخذ في الاعتبار أن 1600 فرنسي ذهبوا إلى سوريا والعراق وأن عددا كبيرا منهم قد رجع".
وأضاف: "تتوفر لدى السلطات معلومات حول عدد كبير من الأشخاص، لكنها لا تعرف من منهم سيشن هجوما".
وفي مقابلة نشرتها الجمعة مجلة "سنتينل" المتخصصة، يقول آلان غرينيار، أحد مسؤولي خلية مكافحة الإرهاب في الشرطة الفيدرالية البلجيكية، أن الرقابة تعني الاختيار.
وقال هذا الخبير الميداني، إن مراقبة "مجموعة من المشتبه بهم" على مدار الساعة، تتطلب "وجود عناصر وبضع سيارات وتأمين ثلاث عمليات تبديل في اليوم، كما أنها تتطلب أيضا فرقا في مركز العمليات لتنسيق التنصت". وأضاف أن تلك العمليات تؤدي إلى "اعتقال مئات الأشخاص خلال عملية واحدة. وسرعان ما تصبح التكاليف باهظة".
ويترافق ذلك مع خطر القيام بالخيارات الخاطئة، إلا أن ذلك غالبا ما يكون، كما قال، مسألة "حظ".
ومن الصعب أيضا ملاحقة المشتبه بهم، لاسيما الذين يعودون من سوريا أو العراق. ففي بلجيكا، "نستجوبهم ونوجه إليهم التهمة إذا توفرت لدينا الأدلة، لكن ليس لدينا ما يكفي من الأدلة في حالات كثيرة"، كما أضاف بأسى.
وقد أيد هذا التحليل المدعي الفيدرالي البلجيكي فريديريك فان ليو، في مقابلة مع صحيفة ليكو السبت. وقال: "لدينا ملفات تؤكد لنا إحباط هجمات، لكن ليس لدينا الدليل".
ورغم هذه الصعوبات، فقد فتحت النيابة العامة الفيدرالية "هذه السنة ملفات متعلقة بالإرهاب أكثر من العام 2014 كله، فهذه سنة قياسية شهدت فتح 195 ملفا"، بحسب فان ليو.
وشدد غرينيار على القول: "في السنتين الماضيتين، وجهنا إلى أشخاص تهمة الإرهاب أكثر مما وجهنا في الثلاثين سنة الماضية". وقد شارك في التحقيق حول الاعتداء على المتحف اليهودي في بروكسل، الذي أسفر عن أربعة قتلى في أيار/ مايو 2014.. ومنفذه الفرنسي مهدي نموش ينتظر محاكمته في بلجيكا.
والصعوبة الأخرى هي المراقبة الإلكترونية. وقال إن "هذا التحدي يزداد صعوبة. فليس من النادر أن يستخدم رجل يشتبه بانتمائه إلى خلية إرهابية عشرات الهواتف النقالة و40 رقاقة لتعريف المشترك. كما توقف كثر عن استخدام الهاتف"، مفضلين التواصل بوسائل أخرى مثل السكايب والواتساب أو التويتر، وبالتالي وحدات التحكم لألعاب الفيديو.
وأضاف أن "الإنترنت ووسائل
التواصل الاجتماعي، تؤمن كميات هائلة من المعلومات بحيث بات من الصعوبة التحكم بها".
إلى ذلك، تضاف أيضا صعوبة أخرى متصلة بحرية التنقل في فضاء شنغن الذي يرغم عددا كبيرا من البلدان على التعاون في تحقيقاتها. وأوضح بانتوتشي أن "أجهزة الاستخبارات في مختلف البلدان تعمل على تحسين طريقة تواصلها في ما بينها"، لكنها تتوصل أحيانا إلى تقييم مختلف للتهديد الذي يشكله هذا أو ذاك من الأشخاص.
أما في ما يتعلق باتخاذ تدابير أمنية في محطات القطار، "فيتعين القيام بذلك في المحطات الباريسية الكبيرة والمحطات الصغيرة في الريف الفرنسي، لكن هذا متعذر بكل بساطة".
وقال إن وضع عوائق أمنية إضافية "ستؤدي إلى تشكل حشود تتحول بحد ذاتها إلى أهداف".