كتاب عربي 21

الطريق الثالث

السنوسي بسيكري
1300x600
1300x600
صور الدمار الفظيع الذي شهدته وتشهده بنغازي، لابد وأنه حرك عقول وقلوب كثيرين باتجاه البحث عن مخرج من هذا المنزلق الذي أوصل المدينة إلى ما وصلت إليه.

لا يشكل هؤلاء أغلبية، فهناك كثيرون يختزلون الخطر الأكبر في "الخوارج"، ويرون ضرورة استمرار الحرب وما تجره من مزيد من الدمار، والحجة أن بنغازي دُمرت في الحرب العالمية الثانية وعادت إلى زهرة شبابها، ولم يدرك هؤلاء أن دمار بنغازي اليوم لا يمكن أن يقارن بالدمار الذي حل بها على أيدي المستعمر، أو القوى الدولية المتحاربة في أربعينيات القرن الماضي، فالدمار اليوم يقع بأيدي أبنائها والقادمين إليها من المدن الأخرى، وهذا بحد ذاته كاف لتمييز ما يحدث اليوم عما حدث قبل سبع عقود، وإذا اقتصر الضرر يومها على العمران، فالتحدي اليوم في التدمير الذي لحق الإنسان والمجتمع، وغرس البغضاء والشحناء بين أهلها ومهد لتفشي التطرف الأيديولوجي والجهوي والقبلي بين أبنائها.
ولعلنا بالقطع سنوافق الداعين إلى استمرار خيار الحرب إذا كان هو آخر الدواء، لكننا لم نستنفد طاقتنا؛ فأي جهد مدني سلمي جنائي اجتماعي سياسي لمواجهة حملة الاغتيالات التي اجتاحت المدينة، وأودت بحياة المئات من الشخصيات العسكرية والمدنية البارزة، وكانت النتيجة أن مؤشر عداد الموت في تصاعد، والتشدد في توسع، ولحق ذلك صدع لا طاقة لنا برأبه في ظل التعقيدات التي صاحبت الحرب. فلم يتم مراجعة العملية التي انطلقت منذ نحو 15 شهرا بعد أن قضى فيها ما يقرب عن 5 آلاف من مقاتليها وعدد كبير منهم من خارج بنغازي، بل تستعد القيادة العسكرية بالدفع بغير ليبيين وغير مسلمين من دول الجوار، كما أكد أحد المبرزين في مناصرة العملية في بداية انطلاقها، مما يعني أن الوضع سيتجه إلى تأزيم جديد مخاطره أكبر.

ونعود لنقول بأن من يتحدثون عن مخرج يفضي إلى وقف الاقتتال ويبحث عن بديل لوقف نزيف الدم ومسلسل الدمار والحفاظ على ما تبقى من معالم وسط المدينة، إن بقي من معالمها الرئيسية شيء، ومحاولة إعادة الحياة إلى المدينة بعودة جامعاتها ومدارسها ومينائها ومطارها إلى سابق نشاطها، من يتحدثون عن هذا المخرج هم أقلية وصوتهم لا يزال خافتا، لأسباب لا تخفى، لكن الدافع لرفع صوتهم قوي في ظل الانسداد السياسي وفشل الحل العسكري.

من أبرز دواعي البحث عن طريق ثالث للخروج ببنغازي من وضعها البائس هو عدم إمكان استقراراها، حتى في حال انتصر أحد الطرفين المتحاربين، وانتصار أحدهما في المدى القصير مستبعد على أي حال. فلا الكرامة مؤهلة لإعادة الاستقرار للمدينة والانتقال بها إلى وضع نموذجي في ظل التحديات التي تواجهها من داخلها، وفي ظل تعدد أجنحتها وتعدد مراكز القوى فيها وتعدد نزوعات الأجنحة والمراكز، بالشكل الذي سيجعل المدينة ساحة صراع بينها في حال انتصارها.

الصورة ليست وردية في حال انتصر مجلس شورى ثوار بنغازي، فالمجلس لا مشروع ولا رؤية له لفرض الاستقرار في بنغازي وعودة الحياة إليها، وهو غير مقبول من شريحة واسعة من سكانها، كما أن المجلس ليس متجانسا وهناك تناقضات بين مكوناته أو بينه وبين مجموعات بات لها حضور واضح بعد حرب الكرامة في مقدمتها تنظيم الدولة، وبالتالي فإنه في حال انتصاره يمكن أن يدخل في جولة جديدة من المجابهات قد لا يكون لها نهاية قريبة.

بناء عليه فإن هناك حاجة حيوية لطريق ثالث لخروج بنغازي من واقعها المرير يشرع فيه مبرزون من أبنائها، بغض النظر عن أصولهم القبلية، ويجمعهم هدف واحد هو إنقاذ بنغازي من المنزلق الخطير الذي وقعت فيه، ويمكن أن يلتحق بهم حتى من ناصروا أحد الطرفين المتحاربين إذا قبلوا بخيار وقف الحرب واللجوء إلى التفاوض، شريطة ألا يكونوا ممن تورطوا في القتل والدمار أو حرضوا عليه، ليدفعوا باتجاه وقف الحرب ومعالجة آثارها وحلحلة أسبابها، بما في ذلك الاغتيالات والإرهاب والتطرف الذي من الواضح أنه لم يقتصر على المتشددين الإسلاميين، بل تورط فيه فريق ممن ناصروا عملية الكرامة. 
التعليقات (5)
عبدالوهاب محمدبن عمران
الإثنين، 03-08-2015 03:36 م
بالرغم الكثير من المغالطات بالمقال ولكن أتفق معك بضرورة وجود حلول وأعتقد بأنه يجب البحث عن أشخاص مقبولة للطرفين للدخول بهم في بداية التحاور أو التفاوض بينهم ومحاولة جمعهم على حلول معقولة ومقبولة ولو بنسبة قليلة
محمد مرعي
الإثنين، 03-08-2015 05:01 ص
فعلا حبيبتنا بنغازي مدينتنا التانية ف ليبيا للأسف بقدرة قادر اصبحت ف مأزق كبير ولايمكن السكوت ولابد من الحرب ان تتوقف والرجوع الى العقل ومحاولة تقريب وجهات النظر ومحاولة تقبل الرآي الأخر وهدا يعتمد ع مثقفينا واساتدتنا ومحاظرينا بجامعات ووعاضنا وعلامائنا ف بنغازي وطمئنت مواطنيها والابتعاد عن الاعلام المظلل ثبا له ومحاولة تنظيم الاعلام وفق ضوابط تتناسب مع مبادئنا واخلاقنا. . موفق أنشاء الله
أحمد السنوسي
الإثنين، 03-08-2015 12:53 ص
ليس هناك أمل لبناني إلا في هؤلاء الأخيار الذين يسعون حاليا لوقف القتال داخل المدينة و رأب الصدع داخلها .
mohamed gerrio
الأحد، 02-08-2015 11:25 م
نعم هناك حاجة إلى طريق ثالث ولكن ? يوجد اتجاه ثالث ... والمشكلة وتداعياتها أعمق من الحلول الممكنة علي السطح .... بنغازي منذ عقود تحولت تدريجياً من حاضرة عمرانية مدنية الي تكدس سكاني عشوائي متزايد وساعد علي ذلك التشريعات والتصرفات ا?نتقامية للجماهيرية العبثية وسياسة التفريق والتمييز السلبي لمكونات مجتمع بنغازي وإجتثاث روح المدينة والتعايش مع الهمجية وضخ ا?موال السهلة المنال في أيدي المفسدين.... كل هذا افرز تيارات سلبية وعقلية مهمشه وذهنية مشوشة الهوية تجلي في:- أ) في تكدس بشري لم ينصهر في المدينه ولم ينحاز لها بل وساعد علي تآكل مقوماتها ودفع بعيداً في اتجاه تعميق محنتها. ب) ثقافة التجهيل وآحادية التفكير وتجريم التنوير والقمع وفقدان ا?تجاه للنظام العام واحتكارالسلطة ?دارة الفساد أفرز جماعات وجدت في الدين م?ذ ومبرر للتمرد السلبي والعدوانية ضد مفاهيم النظام والدولة (ايا كانت) وانساقت تلك الجماعات ضحية للتلقين أ?عمي واستدرجت وانزلقت ?م?ءات خارج نطاق الوطن وحاجات الدولة ..... ووجد ك? التياران منفذ لهما بانب?ج ثورة فبراير وحالة السيولة السياسية للب?د ... وحيث ? رؤية لك?هما فالتكلفة ستكون عاليه للعودة للطريق الطبيعي ....
احمد ابوحشيشه
الأحد، 02-08-2015 01:41 ص
أتمنى من كل عاقل منصف أن يقرأ هذا المقال بعين البصيرة ?نه تحليل دقيق لواقع بنغازي وقد يكون بارقة أمل في ظل إستحالة تحقق أيا من الحلول ا?خرى