صحيفة مصرية تحذر السيسي: الصوت الواحد تأميم للإعلام

حذرت صحيفة "التحرير" المصرية، الداعمة لرئيس الانقلاب  عبد الفتاح السيسي، من أن "إعلام الصوت الواحد عودة إلى التأميم، والتكميم"، على حد تعبيرها.

وخصصت الصحيفة ملفا في عددها الصادر الأربعاء، من ثلاث صفحات، تحت عنوان: "الإعلام والرئيس.. من يقدر على الكلام.. التحرير تحذر: إعلام الصوت الواحد عودة إلى التأميم والتكميم"، مستعرضة آراء 18 إعلاميا وصحفيا وخبيرا للإجابة عن "الأسئلة الخطيرة".

ومن أبرز هذه "الأسئلة الخطيرة" التي أوردتها الصحيفة: هل يحرك السيسي الإعلام؟ هل يوجد إعلاميون فوق القانون؟ هل للرئيس شلته من الإعلاميين؟ هل تحول الإعلام إلى بوق للنظام؟ هل محاربة الإرهاب تتطلب تقييد حريات الرأي والتعبير؟ هل حصل بعض الإعلاميين على الضوء الأخضر لإذاعة تسريبات النشطاء؟

وقالت الصحيفة إنه "منذ تولى السيسي مقاليد الأمور في البلاد، وهو يبدي تحفظه على أداء الإعلام تارة، وغضبه من تناول الصحف والفضائيات لبعض الأحداث تارة أخرى، وما بين التحفظ والغضب هناك انفعالات وأحاديث كثيرة للسيسي لا يعلن عنها... من هنا يتملك الخوف معظم المراقبين لما يجري في غرف التحرير سواء في الصحف أو القنوات الإخبارية".

وأضافت: "في الفترة الأخيرة بدا واضحا أن تغييرا حدث في لغة الصحافة والتليفزيون، إذ أصبحت لغة أقرب ما تكون إلى السير بجوار "الحائط" عملا بالمثل القائل "الباب الذي يأتيك منه الريح"، إضافة إلى الأزمة المالية الطاحنة التي تعانى منها الفضائيات والصحف في ظل إحجام المعلنين، لذلك قام الإعلام المصري في الفترة الماضية بخطوات عدة إلى الخلف حتى بات النقد المتاح والمباح معدوما، وهنا ظهر سؤال ظل متواريا: ماذا يريد الرئيس من الإعلام؟

واستطردت "التحرير": "فى أكثر من مناسبة أبدى السيسي إعجابه بالرئيس الراحل جمال عبد الناصر، "يا بخت عبد الناصر بإعلامه"، قالها السيسي بنبرة صوت حزينة، وكما هو معلوم شهدت الصحافة في عهد ناصر أكبر عملية تأميم، وسيطرت الدولة على كل المنابر، وساد الإعلام الموجه، والصوت الواحد، وكان شعار "لا صوت يعلو فوق صوت المعركة" هو البطل رغم عدم وجود معارك حقيقية.

وأضافت: "قبل 30 يونيو كان الإعلام المصري فى معظمه ضد مرسي وجماعته، وبعد ذلك ظهرت نبرة تطالب بالهدوء والمشاركة فى بناء الدولة التي تعاني من انهيار اقتصادي وتفكك اجتماعي، وهى دعوة ظاهرها مصلحة الوطن، وباطنها "لجم" الإعلام.

وتابعت: "لسنا متربصين بالرئيس لكننا نطرح الأسئلة التى تدور فى عقل كل صحفي وإعلامي حتى لا نصل إلى مرحلة أن "من يجرؤ على الكلام" يصبح بطلا، ومن ينتقد يصير زعيما."

وتساءلت: هل ينحاز السيسي لحرية الصحافة، ويلغي المادة 33 من قانون مكافحة الإرهاب؟
وفي إطار الملف، قال رئيس قسم الصحافة بجامعة القاهرة محمود خليل، إن السيسي شأنه شأن أي رئيس سابق، كان ينظر إلى الإعلام على أنه أحد الأسباب الرئيسية المؤثرة على الشعب، موضحا أن الرئاسة تتدخل، ولا شك فى العمل الإعلامى، وشريك فيه.

وأضاف أن هناك تدخلا يبدأ بامتلاك أذرع إعلامية، ويمر بالاتصال برؤساء التحرير وتوجيههم، مضيفا أن مشكلة السيسي مع الإعلام أنه ينظر إليه على أنه أداة للسيطرة على الرأي العام، وهذا الكلام له بعض الوجاهة من الناحية العلمية، نظرا لأن الإعلام يمارس بالفعل نوعا من السيطرة الناعمة على الشارع مقابل السيطرة الخشنة التي يمكن أن تعتمد فيها الشرطة على أساليبها القمعية.

ومن جهته، قال نقيب الصحفيين الأسبق مكرم محمد أحمد إن الصحافة المصرية تعيش فى ظروف عصيبة، وأن هناك قلقا متزايدا لدى البعض فى الوسط الصحفي بأن هناك نوعا من التدخل والتوجيه من السلطة التنفيذية في أعمال الصحافة والإعلام.

وتابع أنه رغم أن كل الدلائل تشير إلى عدم وجود تدخل من السلطة التنفيذية في وسائل الإعلام، فإن الصحافة لا تزال تعيش ظروفا عصيبة سواء على مستوى الصحف القومية أو الخاصة.

وأشار إلى أن القوانين التي تحكم المهنة مهترئة، ولا تصلح أن تضمن حرية أو استقلالا، وأن الجهود التي بذلت من أجل إنشاء بنية قانونية لا نعرف ما مصيرها، كما أن هناك فوضى تشريعية فى القوانين الراهنة التي تحكم عمل الصحافة، نظرا لعدم الانتهاء من التشريعات والقوانين المنظمة لعمل الصحافة والإعلام، وفق قوله.

وقال النقيب الحالي يحيى قلاش: هناك وسائل إعلام ملكية أكثر من الملك.

وأضاف: "السيسي يعول كثيرا على الإعلام، ولكن يجب أن يستمع لمن يلمون بملف الصحافة والإعلام إلماما حقيقيا، وليس لمن هم أصحاب غرض أو هوى أو ممن لهم سوابق بالتطبيل والتضليل، وهو الذي تم ممارسته عليهم قبل 25 يناير.

وأضاف أن أول تقرير تقصي حقائق بعد ثورة 25 يناير تحدث عن الإعلام والتضليل الإعلامي أحد أسباب قيام الثورة، لأنه أدى إلى خداع الحاكم، وانفصام كامل بين الشعب والحكام، وبالتالي الإعلام المضلل انصرف عنه الشعب فأسهم فى قيام الثورة.

وقال رئيس تحرير جريدة "صوت الأمة"، عبد الحليم قنديل إن البعض يُردد أن السيسي يتدخل فى عمل الإعلام نظرا لما يرونه ويلحظونه من زياراته مع مرافقيه من الإعلاميين فى جولاته، بما يشبه "فرح العمدة"، الذى يذهب معه في جولاته وزيارته الخارجية.

وحذر رئيس تحرير جريدة "الشروق" عماد الدين حسين، من أن الخطر الأكبر حاليا يكمن فى فكرة التنميط الشعبي، ما يؤدي بالشخص أن يقول "الشروق إخوانية" أو "سي. بي. سي" تابعة للدولة"، موضحا أن هذا هو الخطر الأكبر الذي نخشاه، وهو أمر خطير، ومقلق.

وكان السيسي ألقى بتصريحات سلبية عدة بحق الإعلام، برغم حرصه على لقاء إعلاميي القنوات الفضائية ورؤساء التحرير، ففي 22 تموز/ مايو 2014، أي قبل انتخابه صوريا رئيسا بخمسة عشر يوما، خاطب الإعلاميين بقوله: "يجب عليكم معالجة مشكلات المجتمع دون تحويلها إلى قضية سياسية".
وفي 5 آب/ أغسطس 2014، أي بعد أقل من شهرين على انتخابه الصوري، قال السيسي إن "جمال عبد الناصر كان محظوظا، لأنه كان يتحدث، والإعلام معه".

وفى 23 آب/ أغسطس 2014، حذر السيسي في لقاء مع رؤساء تحرير الصحف من خطورة "استثمار الأزمات واستغلالها من أجل خلخلة الدولة، مخاطبا الصحفيين بقوله: "عليكم أن تحافظوا على اصطفاف المصريين فى مواجهة التحديات"، وهو ما عده مراقبون اختزالا  لدور الإعلام في الدعاية والتعبئة السياسية، كأنه يبحث عن "وزارة للإرشاد القومي".

وفي لقاء لاحق مع شباب الإعلاميين بالقنوات الفضائية، قال السيسي أيضا: "الإعلام ليس منضبطا، وعليكم دور كبير فى المرحلة المقبلة من حيث التعبئة الفكرية، وتكوين الظهير الفكري، ومسموح بالاختلاف دون إضرار بالوطن".