سياسة عربية

تونس وليبيا.. من يصدّر الإرهاب لمن؟

الحدود التونسية اليبيبة مرتع خصب للجماعات المسلحة - أرشيفية
الحدود التونسية اليبيبة مرتع خصب للجماعات المسلحة - أرشيفية
تشترك التحليلات المطروحة والقراءات المقدمة بخصوص ارتفاع معدلات وقوع العمليات الإرهابية في تونس، في أن أحد الأسباب البديهية لذلك الارتفاع يتمثل في توتر الوضع في ليبيا الجارة، والمتواصل منذ سقوط نظام العقيد معمر القذافي في 2011.

البارز للعيان أن ليبيا وبعد أن كانت تشكل متنفسا اقتصاديا لتونس منذ سنوات خصوصا فيما يتعلق بهجرة التونسيين للعمل فيها، أصبحت عبئا ثقيلا تخشاه كل الدول المجاورة، بعد أن جعلت التنظيمات التي توصف بـ"الجهادية"، لا سيما تنظيم "داعش"، من مناطق على غرار مدينتي سرت ومصراتة (شمال على البحر الأبيض المتوسط)، معاقل لها ومراكز تدريب، وأسهمت بشكل أو بآخر في تمكين تونسيين من تنفيذ عمليتين إرهابيتين في 2015 تعتبران الأكثر دموية في تاريخ البلاد. 

في الآونة الأخيرة، بدأت تونس توجه أصابع الاتهام للجارة ليبيا بعد أن أثبتت أن عديد من الشباب المنتمي لتنظيمات "جهادية" يدخل ليبيا للالتحاق بمعسكرات التدريب، ثم يعود لتونس لتنفيذ عمليات إرهابية، وهو ما تتنصل من مسؤوليته السلطات الليبية، بذريعة ضعف الدولة واستحالة سيطرتها على الميليشيات المسلحة وتدفق أعداد كبيرة من التونسيين للالتحاق بـ"داعش".

مفترق يطرح على طاولة البحث تساؤلا محوريا: من يصدّر الإرهاب لمن.. ومن يحمي حدوده مِن مَن؟ التحقيقات الأمنية في هذا الشأن، أثبتت أن  كل من صابر الخشناوي وياسين العبيدي وسيف الدين الرزقي منفذي عمليتي "باردو" و"سوسة" الإرهابيتين التي قتل خلالها نحو 60 سائحا معظمهم أوروبيون، كانوا تلقوا تدريبات عسكرية في معسكرات "جهادية" في مدن ليبية.

في هذه الأثناء، لا تكاد تمر مناسبة دون أن يجدد المسؤولون السياسيون بتونس التذكير بخطورة الوضع في ليبيا، وكان آخرهم رئيس الحكومة الحبيب الصيد الذي أعلن تدشين بناء جدار رملي واق، وخندق على طول 220 كيلومترا في المنطقة الحدودية الجنوبية مع ليبيا، إضافة إلى البحث عن تمويلات تقدر بنحو 75 مليون دولار لإرساء خطة مراقبة إلكترونية للسيطرة على الحدود، وتشديد مراقبة العبور في المنطقة، ومنع المسلحين من التسلل لتونس.

دبلوماسيا، تمر العلاقات الليبية التونسية بما يوصف بالـ''فتور'' حيث كانت حوادث اختطاف الدبلوماسيين التونسيين في طرابلس خلال الأشهر الماضية، سببا لها خصوصا بعد أن وجه وزير الخارجية التونسي الطيب البكوش مؤخرا تنبيها لجميع التونسيين داعيا إياهم للعودة لبلادهم، وتحميل السلطات الليبية مسؤولية أمن جاليتها، في نبرة بدت غير مسبوقة.

السلطات التونسية اتخذت أيضا مؤخرا قرارا بغلق قنصليتيها في كل من طرابلس وبنغازي، والاكتفاء بإحداث مكتب قنصلي على الحدود مع منطقة رأس الجدير (محافظة مدنين/ جنوب) إثر حادثة اختطاف 10 دبلوماسيين تونسيين في طرابلس من قبل مليشيات مسلحة في أيار/ مايو الماضي، واشترطت تلك الميليشيات إطلاق سراح الليبي وليد القليب الموقوف لدى السلطات التونسية، وكان لهم ذلك بعد مفاوضات امتدت على نحو أسبوعين أفضت لإطلاق سراح الدبلوماسيين. 

ويوضح، الخبير الأمني التونسي علي زرمديني في تصريح للأناضول، أن "ليبيا بركان متنقّل لا يهدد الأرض الليبية فقط بل المنطقة برمتها، وهو من مخلفات نظام القذافي، إضافة إلى احتوائه ترسانة الأسلحة المنتشرة بالبلاد".


ويتابع الخبير وهو ضابط أمن متقاعد في تصريحه لـ"الأناضول" قائلا إن "ليبيا هي منطقة تجمعت فيها قيادات التنظيمات الإرهابية في المنطقة؛ من تنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي، ومن الأزواديين (مقاتلو الشمال المالي) وأنصار الشريعة، والمُوقعون بالدم، إذ أصبحت نقطة ربط بين دول الساحل الأفريقي وشمال أفريقيا".

وأضاف أن "التنظيمات تلك جعلت من ليبيا مركزا لاستقطاب الجهاديين، ومن ثم انتشارهم في الدول التي تنوي استهدافها".

ويخلص زرمديني إلى أن "ليبيا أنموذج يجمع بين الصوملة (بمعنى انفلات الوضع الأمني على غرار الوضع في الصومال) والأفغنة (بمعنى التشدد الديني الذي تعاني منه أفغانستان)، والأمن القومي التونسي وثيق الارتباط بليبيا بحكم المعطى الجغرافي والتقارب".   

الباحث هارون زيلين في "المركز الدولي لدراسة التطرف''(أمريكي غير حكومي)، نشر مؤخرا دراسة بعنوان ''الرابطة الجهادية التونسية -الليبية" خلص فيها إلى أن "العمليات الإرهابية بين تونس وليبيا لها امتداد تاريخي، وتنسيق متواصل بين التنظيمات المسلحة في كلا البلدين".

وبين زيلين في دراسته أنه ''مع استمرار المخاوف الأمنية للحكومة التونسية، وصعوبة ضبط أمن الحدود بين تونس وليبيا على مدى السنوات الأربع الماضية، من المرجح أن نشهد هجمات مستقبلية لتنظيم داعش، تنطلق إمّا من داخل ليبيا أو تكون مرتبطة بليبيا".

ومضى بالقول "إن ما شاهدناه حتى الآن لم يأتِ من العدم، بل انبثق عن تاريخ يمتد إلى عقود خلت، ويمثل مشكلة تم تجاهلها في كثير من الأحيان من قبل المسؤولين التونسيين قبل ثورة 2011 وبعدها، أو لم تؤخذ على محمل الجد من قبلهم، أو إنهم ألقوا اللوم على حدوثها على الآخرين".

ويؤكد الباحث الأمريكي على أنه "في أعقاب تصنيف الحكومة التونسية لتنظيم أنصار الشريعة في تونس منظمة إرهابية أواخر آب/أغسطس 2013، فإن كل من لم ينفصل عن التنظيم، قد تم اعتقاله، أو انضم إلى الجهاد في سوريا أو التحق بصفوف كتيبة عقبة بن نافع في جبل الشعانبي، أو فرّ إلى ليبيا وإلى أنصار الشريعة في ليبيا، بمن فيهم زعيم أنصار الشريعة في تونس سيف الله بن حسين المكنى بـ ''أبو عياض التونسي، وبذلك حدث دمجٌ بين شبكات المقاتلين التونسيين والليبيين من خلال تغيير اسم أنصار الشريعة في تونس إلى "شباب التوحيد". 

وكانت الداخلية التونسية أعلنت منذ أيام أنها باشرت التحقيق في اختفاء 33 تونسيا من بينهم عسكري طيار، وسط شكوك بالتحاقهم بتنظيمات جهادية في ليبيا، وفقا لروايات أفراد عائلات الشبان.

وفي آذار/ مارس الماضي تأكد مقتل التونسي أحمد الرويسي (48 عاما)، المتهم في العديد من القضايا الإرهابية بتونس والاغتيالات السياسية، في معركة بين تنظيم "داعش"، وقوات "فجر ليبيا" بسرت الليبية.

وتحدثت تقارير إعلامية تونسية وأمريكية منذ نحو أسبوع عن مقتل زعيم تنظيم أنصار الشريعة سيف الله بن حسين، خلال الغارة الأمريكية التي استهدفت في 17 حزيران/ يونيو الماضي الإرهابي الجزائري مختار بلمختار.

وأعلن رئيس الحكومة التونسية الحبيب الصيد في جلسة استماع مع نواب البرلمان، الخميس الماضي، أن السلطات منعت قرابة 15 ألف شاب تونسي من السفر نحو بؤر التوتر بغاية "الجهاد".

وتمتد الحدود التونسية الليبية على نحو 500 كيلومترا وبها منفذان جهة البر، ''معبر الذهيبة وازن'' و''معبر رأس جدير ''، فيما تنشط على طول الحدود عمليات تهريب السلع والمحروقات التي تطورت إثر ثورة كانون الثاني/ يناير 2011 لتشمل عمليات تهريب الأسلحة.

ووفقا لتقارير أمنية لخبراء في الأمم المتحدة، فإن ما بين 1000 و1500 تونسيا، التحقوا بتنظيمات "جهادية" بليبيا، من مجموع يتجاوز 5500 تونسيا انظموا لتنظيمات إرهابية في سوريا والعراق ومالي واليمن. 

يقول الأكاديمي التونسي المتخصص في الشأن الليبي منصف وناس "إن قراءة تاريخية لتشكل الجماعات المسلحة في ليبيا تبين أن تشكل المجموعات المتشددة كان الأسبق في ليبيا منه في تونس''.

ويخلص الأكاديمي في معرض حديثه لـ"الأناضول" الى أن هناك "تنسيقا بين التنظيمات المسلحة التونسية والليبية الإرهابية، والجماعات المتشددة هي التي سيطرت على بنغازي وربحت الحرب ضد القذافي، ويأتي التحاق تنظيم أنصار الشريعة في تونس بالتدريب في ليبيا إثر ثورة كانون الثاني/ يناير 2011، على خلفية الضعف والتراجع الأمني بتونس، وتقوي شوكة معسكرات التدريب بالتعاون مع تنظيم أنصار الشريعة في ليبيا في كل من درنة وبنغازي''.
التعليقات (0)