كتاب عربي 21

الألماني وكتيبة الإعدام

طارق أوشن
1300x600
1300x600
الحلوة قلب كبير يضم الولاد

وزاد وزوادة و ضِلة وسبيل

الموت و الاستشهاد عشانها ميلاد

و كلنا عشّاق ترابها النبيل...

نهاية شهر أبريل من السنة الفائتة، وقفت ثلاثة عضوات من منظمة "فيمن" أمام السفارة المصرية بباريس تنديدا بأحكام الإعدام الصادرة في حق مئات من أعضاء جماعة "الإخوان المسلمون" بشعارات مكتوبة على صدورهن العارية وهن يهتفن: "لا لعقوبة الإعدام حتى للإخوان"، و"عدالة حقيقية لأعدائنا" و"مصر، مصر... أين عدالتك؟". 

لم يكن ذلك غير تجل "فاجر" لحملة التنديد الدولية التي رافقت ضربة كتيبة الإعدام المصرية التي أصدرت يومها حكما بإحالة أوراق ما يقرب من سبعمئة من معارضي الانقلاب إلى مفتي الجمهورية تمهيدا لإصدار حكم الإعدام بحقهم. 

وأصدرت ذات المحكمة حكمها بإعدام سبعة وثلاثين متهما من بين 529 كانت قد أحالت أوراقهم إلى ذات المفتي شهرا قبلها بتهمة قتل ضابط شرطة، وهو ما قرر النائب العام الطعن فيه. 

بعد سنة تقريبا من الواقعة، عادت التونسية أمينة السبوعي، المنتمية للمنظمة ذاتها، إلى التظاهر على أبواب السفارة ذاتها؛ اعتراضا على أحكام إعدام جديدة أصدرتها محاكم المحروسة على الرئيس المنتخب محمد مرسي ومن معه. 

الفارق الوحيد أن الأحكام الجديدة أتت بعد تنفيذ حكم سابق في حق محمود حسين رمضان، وتلاها تنفيذ الإعدام في حق متهمي قضية عرب شركس، ما يعني أن النظام الانقلابي انتقل من مرحلة الإصدار إلى مرحلة التنفيذ في ظل "صمت" دولي مريب.

 هي محاكمات جماعية، لا تستغرق غير دقائق معدودات، تنتهي بأحكام إعدام بالجملة، تتبعها حملة إدانة دولية "صورية"، لا تسمن ولا تغني من جوع. فالواقع على الأرض تكريس لـ"عدالة المنتصرين" كما الحال في كل الحروب والنزاعات. 

الغريب في أمر ما يحدث في مصر أنه ليس أبدا نتاج حرب، بل نتيجة صراع على الحكم حوله "المنتصرون" إلى "حرب" على "الإرهاب" مدججين بالسلاح والإعلام والقضاء ومختلف مؤسسات الدولة وقطاع كبير من "المواطنين الشرفاء" الداعمين للمؤسسة العسكرية بزعامة المشير. 

والأغرب في الأمر أن المجتمع الدولي يدبج بيانات الاستنكار على أحكام "قضائية"، ويغض الطرف على أحكام الإعدام التي تنفذ يوميا في مدن مصر ونجوعها، في الشوارع والأزقة، وفي حافلات الترحيل إلى السجون المكتظة بالمعتقلين. 

رائحة الموت تنبعث من كل مكان، فلا ضير من أن تتحول محاكم "القضاء الشامخ" إلى ركح مسرح يتوالى دخول الشخصيات الجريحة إليه في حضرة القاضي "العادل"، سيف السلطان المسلط ب"القانون" على رقاب المناوئين. لا ضير فالزمن عاد زمن العقيد واللواء والمشير وهلم رتبا عسكرية نالها أصحابها دون مشاركة في حروب أو تحقيق انتصارات. 

اتردي يا أبواب البيوت.. و أبعديهم

واتسدي يا أبواب القلوب.. واطرديهم

واتفتحي يا أبواب الجحيم.. وأورديهم

جزاة ما خانونا وباعونا لعدانا...

يفتح حارس السجن باب الزنزانة، ويتوجه بالكلام إلى حسن عز الرجال.

الحارس: خلاص يا حسن، مدتك خلصت وحتخرج بكرة.

ثم يتوجه إلى بقية السجناء،

الحارس: مبروك يا مذنب أنت وهو، عنبركم حينظف..

حسن عز الرجال موظف بإحدى البنوك تعوّد على توصيل مرتبات ضباط وعساكر الجيش الثالث 
بالسويس أيام حرب 1973، حيث يكون في ضيافة واحد من رجال المقاومة الشعبية بالمدينة. 

يُقتل المقاوم وابنه، وتُسرق مرتبات الجيش، لِيُتهم حسن بأنه سلم المقاومين للجيش الإسرائيلي، واستولى على المال. 

حسن في نظر الجميع خائن، وهو ما جعله منبوذا حتى من السجناء. ومع توالي الأحداث نكتشف براءة البنكي؛ حيث إن الخائن الحقيقي لم يكن غير شخصية طفيلية باسم فرج الأكتع قبل أن يغير اسمه إلى المهندس عزام أبو خطوة، رجل الأعمال ومؤسس أول سوبر ماركت بمصر.

كان للوطن وللمواطن ثأر عند حسن، سرعان ما تحول إلى الخائن الحقيقي الذي نال الجزاء بانتقام فردي من "ذوي الحقوق" في غياب عدالة أجهزة الدولة. ولأن القضاء في المحروسة "شامخ" فالإحالة في نهاية الفيلم أن عدالته ستحكم ببراءة المتهمين بالقتل بعد أن نظفوا البلد من "وساخة" الأكتع.

في الواقع، صارت مصر مجرد سوق ممتاز، اسما دون روح، وصار الخونة ومن ورثوهم في مرحلة الانفتاح وما تلاها، هم سادة البلد يتحكمون في السلطة وقضائها ويصدرون الأحكام حسب الرغبات و الأهواء إدانة للشرفاء وإفراجا على الفاسدين.

ما تطلعيش يا شمس ع اللي يخونّا

وما تنطفيش يا نار قلوبنا وعيونّا

وما ترحميش اللي إحنا على قلبه هنّا

واكوي بنارنا كالنقطة في دمانا

وعلى غير هوى المشير وزبانيته، كان خروج من أعدموا على خلفية قضية عرب شركس على وقع زغاريد الأهل من المشرحة، في سابقة مصرية، عنوان تحدي أشهرته الأسر المكلومة في وجه كتيبة الإعدام السيساوية وأبواقها من الإعلاميين الذين هللوا للأحكام في شماتة لا تليق إلا بمن صدرت عنهم جماعات وأفرادا.

وفي الوقت الذي استسلم فيه الجميع لواقع الأحكام إلا من تظاهرات دعم وتأييد هنا وهناك داخل مصر وفي قليل من الدول العربية، جاءت الصفعة الأكبر من نوربرتلامرت، رئيس البرلمان الألماني، الذي أعلن في بيان رسمي رفضه مقابلة رئيس الانقلاب في زيارته المرتقبة لألمانيا بداية يونيو. لم يتأخر رد الآلة الإعلامية البليدة للنظام حين انبرى "النبطشية" في التقليل من أهمية الموضوع مع التأكيد على أن "سيادة الرئيس" لم يطلب أصلا مقابلة "الألماني".

والألماني في المخيال السينمائي المصري مجرد عربيد سكير بلطجي يقتات من السرقة والبلطجة وحماية دور الدعارة. أليس الألماني مجرد ابن لامرأة بنت حياتها على احتضان الحاملات لأجنة غير شرعية في انتظار أن يضعن حملهن مقابل جنيهات معدودات؟

لكن فيلم "الألماني" لمخرجه علاء الشريف، ورغم ضعفه الفني البين، يقدم مفاتيح شخصية يمكن أن نجد لها إسقاطاتها في واقع مصر اليوم. فالألماني كان مجرد رجل ظِل صنع منه الإعلام "نجما" وهو يهتم بقصة شريط يصوره معتديا على شاب بالسلاح. 

كما أن علاقته بصباح كعلاقة أحدهم بـ"النخبة المثقفة" التي صدقت أن لها مكانا في "العهد الجديد"، فتبين لها أن القائد الملهم يرمي بأفرادها الواحد تلو الآخر كلما قضى "وتره" منه. والبقية في انتظار مصيرها في استسلام وكأنها فاقدة إرادة ورغبة في الفعل.

أم الألماني على التلفون تكلم ابنها بعد أن انتشر فيديو اعتدائه على الفضائيات،

الأم: أنت إيه ايلي عملتو ده؟ إزاي تتصور؟ أنت تلميذ يا ألماني؟

ظهرت التسريبات، وكُشِف الكثير من المستور. لكن المتورطين في التبشير بعهد العسكر غارقين في بئر الخيانة لا يرتضون عنه بديلا. وثمن الخيانة كما قال الألماني، وهو يقتل صديقه "الأصلي" (رخيص يا صاحبي).

حسن عز الرجال يزور صديقه السابق فهمي بعد خروجه من السجن. فهمي يطرده من بيته وهو يصرخ في وجهه.

فهمي: اأنت إنسان ملوث. والفلوس إيلي بعت بيها سيد الغريب وابنه وغفير البنك حتبقى تهمة متعلقة برقبتك وحتطول أي حد يتصل بيك...ده فلوس متعاصة بالدم، والدم حيفضل موسخ يديك زي أي حد يصدقك..

وصل "الرز" باسم الجيش، ولم يعرف أحد طرق صرفه. ودُفِع بالعساكر في أتون "حرب" قيل أنها ضد الإرهاب، فتساقط منهم الكثيرون. ومع ذلك ما من أحد رفع صوته للاستنكار أو طلب محاسبة المقصرين الذين طلبوا يوما تفويضا لمحاربة الإرهاب وبالقضاء عليه وعدوا الشعب، وذاك أضعف الإيمان.

لقد صارت الخيانة بطولة والكذب إلهاما والخديعة نباهة. أما الألماني فقد رأى أن وضع اليد في يد ملوثة بدماء الشعب خيانة لأمانة وثقة ناخبين ولو كانوا أبعد ما يكونون عن أرض "المجزرة"، فالديمقراطية وحقوق الإنسان حق إنساني.

شاهين(الألماني طفلا) داخل ورشة ميكانيكي.

الأسطى: شغلك حلو أوي يا شاهين زي الألمان

شاهين: هو شغل الألمان كله حلو؟

الأسطى: مبيعملوش حاجة غلط.

ألكم رأي مغاير يا "نبطشية" الكتيبة؟

ملعون في كل كتاب يا عار الخيانة

اللعنة و النار ع اللي خانوا الأمانة

عاشوا على موتنا.. و موتهم حيانا

عليهم اللعنة في ترابنا وسمانا.

ملاحظة: المقاطع الشعرية من أغاني فيلم كتيبة الإعدام للشاعر سيد حجاب.
التعليقات (0)