كتاب عربي 21

" أين البترول"...ثورة في الوعي

محمد هنيد
1300x600
1300x600
"أين النفط"، أو باللهجة التونسية "وين البترول"، هو عنوان أكبر حملة افتراضية يدشنها الأحرار والمناضلون على صفحات التواصل الاجتماعي في تونس اليوم.

الحملة بصدد الاتساع والتوسع وهو ما دفع لأول مرة قنوات "إعلام العار" و"صحف المجاري الصفراء" ـ من إرث الاستبداد ـ إلى مجاراة الحملة والحديث بخجل عن الثروات المنهوبة. 

"نواب الانقلاب الناعم" وشهود الزور تجرؤوا هم الآخرون من تحت قبة البرلمان، حفظا لماء الوجه الجهوي والنضالي على المزايدة على الفضاء الافتراضي، من أجل رفع شعارات الكشف عن الثروات المنهوبة، في حين لم يحركوا ساكنا طوال شهور حول شبكات النهب المنظم لثروات الوطن وعرق أبنائه. 

الثروات التونسية في الجمع من غاز ونفط وملح وفسفاط وحديد وكثير من المعادن النفيسة الأخرى هي مدار الصراع الحقيقي مع الدولة العميقة، باعتبارها الحارس الأمين والراعي الرسمي لمصالح الشركات الأجنبية الناهبة لخيرات الشعوب. شرط وجود الاستبداد وشرط وجود النظام السياسي المرتبط به، مهما كانت الأيديولوجيا التي يتغطى بها، إنما تقوم أساسا على حماية العقود الاستعمارية التي ذُبحت بها ما سُمي زورا بدولة الاستقلال. 

لقد رفعت الثورة التونسية الغطاء جزئيا عن هذا المسكوت عنه، وهو ملف الثروات الوطنية المنهوبة، وملف الفساد الكبير المحيط بها، باعتبار هذا الأخير أي الفساد هو الوجه الأشرس للنظام الاستبدادي. 

الفساد هو ورم الأورام التي يمكن أن تطيح بأعتى القوى الاقتصادية، وهو الورم الذي ينخر كل الاقتصاديات العربية تقريبا، بل هو في تونس دولة داخل الدولة، ما دفع نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي إلى تسميتها بـ"دولة الفساد والمفسدين". 

لكن الفساد المرتبط بقطاع الطاقة، وخاصة بقطاع المحروقات هو أخطر أنواع الفساد؛ لأنه يستنزف الجزء الأهم من ثروات الأمة، ويمنع الشروط الحقيقية لتحقيق التنمية، كما يساهم بشكل كبير في خلق الأزمات الاقتصادية، وانتشار البطالة، وكل السلوكات والمشكلات الاجتماعية والأخلاقية المرتبطة بها. 

فليس انتشار الدعارة والانحراف والمخدرات والإدمان بكل أشكاله، وتفشي الجريمة والرشوة، إلا النتيجة المنطقية لغياب التنمية الناتج هو الآخر عن الفساد وعن النهب المنظم لثروات الدولة وموارد الوطن. 

الجديد الهام في الصحوة الوطنية الأخيرة هو هذا التحول في الوعي الوطني التونسي بحجم الثروات الطبيعية والوعي بأنها أكثر أهمية من الصراع الأيديولوجي العقيم الذي لم يخلف غير الخراب والدمار في كل الأقطار العربية وليس في تونس فقط. 

بل إن كابوس الدولة العميقة اليوم هو أن يتحول هذا الحراك الافتراضي إلى حراك واقعي في الشارع التونسي، عندها تتغير كل المعطيات ويعود وهج ثورة 17 ديسمبر 2010، وتتعرى خيانة النخب ـ كلها دون استثناء ـ لمطالب الثورة والثوار. 

إن إثارة القضايا الجانبية، واستفزاز الأطراف المحافظة في المجتمع من خلال السماح قانونيا للجماعات الشاذة بالنشاط والسعي إلى تقنين اللواط والسحاق وكل الانحرافات والأمراض الجنسية، ليست إلا من قبيل الإلهاء، ومن قبل نشر بالونات اختبار الشارع وردود أفعاله، وإبعاده عن القضايا المصيرية. 

اليوم يقلب الشارع التونسي المعادلة لصالحه، وينقل الصراع من جديد إلى الشارع بكل سلمية، من أجل المطالبة بمراجعة العقود الاستعمارية المذلة والمهينة، والتي لم تنتفع منها غير حفنة من اللصوص والعائلات المتنفذة والفاسدة، في حين لم ير الشعب منها غير الأمراض من كل أنواع السرطانات والأوبئة المزمنة. 

قلنا دائما إن أعظم إنجازات الربيع العربي هو الوعي الناجم عن هذا الربيع، وإنه إن لم ينجز شيئا على مستوى البناء التحتي، فقد أنجز على مستوى البناء الفوقي أعظم الثورات بما عراه من الزيف وما كشفه من تظليل نخب العار العربية وإعلامها الكاذب. 

هذا الوعي هو بصدد التحول إلى قوة ضاغطة أجبرت الإعلام البوليسي في تونس إلى تغيير برامجه، والاهتمام بمشاغل الجماهير والطبقات المسحوقة، بعد أن كان همّه اتهام الشعب بالإرهاب، وترويع المواطنين، ونشر الإشاعات، ولعق أحذية اللصوص والعصابات. 

اليوم تتغير المعادلة، أو هي بصدد التغير؛ حيث يتحول الشعب إلى سيّد على أرضه وعلى ثروته، كما ينصّ على ذلك الفصل الثالث عشر من الدستور، رغم كل المحاولات اليائسة لإرجاع الشعب ووعيه إلى حظيرة الطاعة، والخوف من غضب العصابة وجلاديها. 

إن اليقظة الشعبية ممثلة في الفضاءات التي أسقطت نظام الطاغية بن علي، وعلى رأسها فضاء "فيسبوك"، هي التي تمنع العصابة من طي صفحة الثورة والانقلاب نهائيا على المنجز الثوري وإعادة ترميم جدار الخوف، خاصة بعد أن تحالف الإسلاميون من حركة النهضة مع جلاد الشعب، وتقاسموا السلطة معه في صفقة مذلة دمرت كل تاريخهم النضالي، ونسفت ما بقي لهم من احترام لدى عامة الشعب المحافظ بطبعه. 

لا حل اليوم غير مكاشفة الشعب بحجم ثرواته الباطنية، ومراجعة العقود الاستعمارية، التي سمحت لشركات النهب العالمية بامتصاص ثروات التونسيين، ورهنت مستقبل أبنائهم؛ لأن الصراع هو اليوم صراع على الثروة، وليس صراعا على الأيديولوجيات البائسة، كما توهمنا بذلك نخب العار من جامعيّ "بن علي" ومثقفي حقبة الاستبداد.
التعليقات (1)
Lotfi
الخميس، 28-05-2015 12:29 م
bravo