تستعد حركة
النهضة، الحزب صاحبة ثاني أكبر كتلة برلمانية والمشاركة في الائتلاف الحكومي، لعقد مؤتمر استثنائي مضموني كان قد أقره المؤتمر التاسع المنعقد سنة 2012، ولكن كان قد تم تأجيل انعقاده السنة الماضية إثر استفتاء داخلي.
للحديث حول هذا المؤتمر وكواليس الإعداد له، التقت "
عربي21" بالسيد برئيس لجنة الإعداد المضموني للمؤتمر العاشر لحركة النهضة، عبد الرؤوف النجار، حيث تمحور اللقاء حول رهانات المؤتمر وانعكاساته على الداخل النهضوي.
وكشف النجار أن جدول أعمال المؤتمر لا يتضمن أي مقترح بمناقشة تغيير اسم الحركة، مشيرا إلى أن المؤتمر يسعى للتركيز على القضايا الوطنية
التونسية وليس القضايا الداخلية للحركة فقط.
من جهة أخرى، رفض النجار محاولات إبعاد حركة النهضة عن الساحة، تحت شعار "التونسة" وبحجة أنها تمثل امتدادا لفكر خارجي، موضحا أن جميع التيارات السياسية في تونس "تفاعلت مع مدارس فكرية من خارج تونس، وارتبطت بعلاقات تعاون مع مثيلاتها" في الخارج.
وفي ما يأتي نص الحوار:
* أين تكمن أهمية هذا المؤتمر المضموني وما هي الأهداف العامة المرسومة له؟
- المؤتمر العاشر هو مؤتمر استراتيجي، يُنتظر منه أن يحسم في أهم المسائل التي ظلّت عالقة خلال المراحل التاريخية السابقة التي عاشتها الحركة. ونقدر بأنّ الأسئلة والقضايا التي ستتم الإجابة عنها ستكون لها انعكاسات إيجابية على مستقبل المشروع الوطني الديمقراطي لبلادنا، وستزيد من إشعاع النموذج التونسي على مستوى العالم (..). وتكمن أهمية هذا المؤتمر في طبيعة المحاور والقضايا المطروحة فيه، من ذلك تقييم تجربة الحركة قبل الثورة وبعدها، وبلورة الرؤية الاستراتيجية لتونس ما بعد الثورة، بالإضافة إلى تجديد تجديد مشروع حركة النهضة في إطار الوعي بالماضي والحاضر والمستقبل.
* أين وصلت التحضيرات؟ وهل تم تحديد موعد نهائي لانعقاد المؤتمر وتحت أي شعار؟
- تواصل لجنة الإعداد المضموني للمؤتمر العاشر لحركة النهضة عملها بنسق جيد، وهي ملتزمة بتقديم مشاريع اللوائح لمجلس الشورى للمصادقة عليها وإجازتها قبل نهاية شهر حزيران/ يونيو القادم. وقد انتهت اللجنة من إعداد مجموعة من الأوراق الأساسية، أولها التقييم، وهو المدخل الأساسي لتناول الملفات الاستشرافية المتعلقة باستراتيجية الحركة، وما يتطلبه ذلك من تصورات في الجانب السياسي والاقتصادي والتنظيمي. أما بالنسبة للتوقيت، فقد تم الاتفاق على موعد نهاية شهر تموز/ يوليو لانطلاق المؤتمرات القاعدية محليا وجهويا، أما تاريخ المؤتمر العام فسيتحدد بشكل نهائي خلال الأسابيع القادمة من طرف مجلس الشورى.
* هل تتوقعون أن هذا المؤتمر سينجح في تحديد إجابات لقضايا محرجة تحاشت المؤتمرات السابقة الخوض فيها؟ ولماذا؟
- لا أعتبر أن هناك أسئلة محرجة تتحاشى الحركة أن تجيب عنها، فالعديد من المسائل والقضايا قد تم طرحها في السابق على أكثر من مستوى، في الداخل وفي الخارج. إلا أن الحسم تأجل تقديرا منا بأن الحوار الداخلي لم يأخذ مداه ولم يكن بالعمق المطلوب، نظرا للظروف الاستثنائية التي مرت بها النهضة خلال المراحل التاريخية السابقة. وأقدّر من خلال متابعتي لملف المؤتمر، أن المستوى الجيد للحوار وحجم انخراط أبناء الحركة في هذا الملف، كلها عوامل من شأنها أن توفر الشروط المساعدة على نجاح هذه المحطة التاريخية والبت في أهم القضايا المطروحة، مع العلم أن المؤتمر العاشر سيركز بالأساس على المحاور التي تعتبر أولوية بالنسبة لتونس، ولن تكون القضايا الداخلية (للحركة) مهيمنة على أشغال المؤتمر، وستقدم اللجنة المضمونية مقاربة لأهم التحديات التي تواجه البلاد بناء على أهم خلاصات الواقع المحلي والإقليمي والدولي لاستجلاء الفرص والمخاطر المتصلة بمحيطنا الجيوسياسي.
* ما هي أهم المباحث التي ركزت عليها اللجنة المضمونية في عملها والتي من المنتظر أن تترجم للوائح؟
- كما سبق وأن أشرت، فخلاصات التقييم هي المدخل الأساسي لتناول بقية الملفات المطروحة على المؤتمر، والمتمثلة أساسا في إعداد الاستراتيجية المستقبلية للحركة، وما يتطلبه ذلك من إعداد تصورات في مختلف الجوانب السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية وغيرها، بالإضافة إلى تحديد المنطلقات الفكرية والنظرية التي يتأسس عليها مشروع الحركة وبناؤها التنظيمي، وذلك في إطار رؤية تجديدية منفتحة. وعلى هذا الأساس تقرر إعداد عدة ورقات مضمونية ستنبثق منها لوائح المؤتمر، وهي تقييم تجربة الحكم، وورقة الرؤية الفكرية، بالإضافة إلى ورقة تتناول الملف الاستراتيجي المتعلق بسبل إدارة المشروع، وورقة حول المشروع السياسي للحركة وورقة حول التطوير الهيكلي والتنظيمي.
* هل يمكن أن يفضي المؤتمر إلى الفصل بين الحركة الاجتماعية والحزب السياسي؟
- يتميز مشروع حركة النهضة برؤية حضارية شاملة وخلفية فكرية تجمع بين الأصالة والحداثة، وهو مشروع له أبعاد متعددة يقتضي إنجازُه مراعاة خصوصيات البلاد الحضارية والثقافية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية. وبحدوث ثورة الحرية والكرامة في 2011 حصل تغير نوعي في المعادلات على مستوى الدولة والمجتمع، وتناول موضوع الفصل بين الحركة الاجتماعية والحزب السياسي ينبغي أن يكون وفق الواقع الجديد ومقتضياته ومستفيدا من خلاصات التجربة.
والقضية المطروحة اليوم هي علاقة العمل السياسي الحزبي بفضاءات المجتمع المدني. ونحن نعتبر أن دستور البلاد التي ساهمت النهضة فيه بشكل أساسي والقوانين المنظمة للأحزاب والجمعيات، حسمت في جوانب أساسية لها ارتباط بهذا الموضوع. ومن ناحية أخرى، فأي خيار ستمضي فيه الحركة مستقبلا ينبغي أن ينبني على تأسيس استراتيجي لرؤيتنا الإصلاحية في مجالي المجتمع والدولة والعلاقة بينهما. وانطلاقا من هذه الرؤية يمكن البحث في كيفيات تنزيل مشروع الحركة في الواقع، وطبيعة الهيكلة التنظيمية المناسبة والنهج السياسي المطلوب، وهي من قضايا الحوار الأساسية المطروحة على كل أبناء الحركة والبت فيها سيكون بإذن الله تعالى خلال المؤتمر القادم.
6- صرح راشد الغنوشي، رئيس حركة النهضة، بأنه من المطروح أن يتم تغير اسم الحركة، في حين فند علي لعريض ذلك، فهل من المطروح أن تتخلى حركة النهضة عن اللافتة التي خاضت بها أهم معاركها (معركة الحريات، معركة الانتقال الديمقراطي.. الخ)؟
- بقطع النظر عن التصريحات التي أدلى بها عدد من قيادات الحركة في ما يخص تسمية الحركة، فإن لجنة الإعداد المضموني لم تتلق إلى حد الآن مقترحات واضحة في هذا الشأن يمكن إدراجها ضمن قضايا المؤتمر. ومن خلال جلسات الحوار التي تم تنظيمها إلى حد الآن على مستوى أبناء الحركة، لم تبرز هذه الإشكالية خلال النقاشات المسجلة، ويبقى من صلاحيات المؤتمر القادم التقرير في مثل هذه المسائل.
* يرتكز معارضوكم على نقطة "التونسة" لإحراجكم، فهل سيؤخذ هذا بعين الاعتبار في مؤتمر حركة النهضة؟
- تميزت حركة النهضة منذ تأسيسها بالجمع بين التوجه الإسلامي والمطلب الديمقراطي، ومن ثم كان دخولها الساحة السياسية معززا لرصيد الحركة الوطنية التونسية، وعاملا داعما لقوى التغيير داخل المجتمع، تواصلا مع تراث الحركة الإصلاحية في تونس منذ خير الدين التونسي والشيخ الثعالبي والشهيد فرحات حشاد وغيرهم. ولقد بذلت حركة النهضة منذ الإعلان عن تأسيسها سنة 1981 جهودا رائدة في تأصيل الفكر الديمقراطي التعددي في الوسط الإسلامي التونسي وفي المحيط العربي والإسلامي عامة، وكانت سباقة في تبني العمل التنسيقي والتعاوني مع بقية الأطراف الفاعلة في الساحة على أرضية تحقيق المطلب الديمقراطي، خاصة بعدما تقاسمت العائلة السياسية التونسية على اختلاف توجهاتها وألوانها أعباء التضحيات من أجل الحرية والتعددية والعدالة الإجتماعية.
فحركة النهضة هي مشروع ديمقراطي وطني متجذر في البيئة التونسية، تحمل رؤية في الإصلاح، متفاعلة مع الواقع وهي تمثل تيارا واسعا داخل المجتمع تسعى إلى الاستجابة لحاجاته ومتطلباته ومصالحه، وهذه الخصوصية لم تمنعها من الانفتاح على كل الاجتهادات والمقاربات النظرية الأخرى، إسلامية وغيرها، ضمن حراك وطني وفي إطار استقلالية قرارها وأصالة اجتهادها الفكري. فغدت الحركة عبر مسيرتها التاريخية عنصرا أساسيا داخل التيار الوسطي العام الذي تمثله المدرسة الإصلاحيّة التونسية بروافدها الزيتونية وبتوجهها الحداثي.
أما محاولة إحراج النهضة من باب "التونسة" فلا يمكن إدراج ذلك إلا ضمن المزايدة السياسية، فالكل يدرك أن أهم التيارات السياسية الموجودة في الساحة، يسارية كانت أم ليبرالية أم قومية، تفاعلت مع مدارس فكرية من خارج تونس، وارتبطت بعلاقات تعاون مع مثيلاتها في الساحة العربية والدولية.