كتاب عربي 21

"الحكواتي" وحلم عبد الناصر الذي ضاع

محمد طلبة رضوان
1300x600
1300x600
يقف في أحد أهم دور النشر بـ "بيروت"، بائعا للمعرفة، يدخن بشراهة، صوته الخشن ممتلئ بدخان سجائره، وغبار الحروب التي خاضها، وعلى وجهه مرارات الهزائم وانكسارات الحلم العربي.

رأيته لأول مرة في زيارتي لبيروت بالعام الماضي، 11 شهرا مروا، يومها، ما إن ألقيت السلام حتى سألني: مصري؟ قلت: نعم، قال: أهلا بالحبيب الغالي، مصر العظيمة، أم العروبة، بلاد جمال عبد الناصر!، سحب كرسيا وأجلسني، وطلب شيئا لأشربه، ابتسمت وقلت: جئت للكتب، قال: لازم، اعتذرت، وانكببت على الرفوف، كتابا وراء كتاب، نفدت "المصاري"، قبل أن تنفد الكتب، قال: لا يهمك، سأكتب الفاتورة بإسمي، وأحصل لك على خصم الموظفين، خذ كل ما تريد.

احكِ لي عن مصر، حكيت، اكفهر وجهه، لم يبد عليه التصديق، قال: لا يا "زلمة"، السيسي ليس كذابا، السيسي عبد الناصر الجديد، بدأ صوته يرتعش، وهو يرى رفضي، وابتسامتى الواثقة من إسرافه في حسن الظن.

يقول: اسمع يا ابني، أنا شريان قلبي انسد حين وقع السادات كامب ديفيد، يزداد صوته ارتعاشا: وإذا خذلني السيسي سأخسر شريانا آخر، وربما مت، السيسي زعيم الأمة العربية، وسيعيد لنا مصر من جديد، قل لي إنه سيفعل، لا تخبرني بأنه كذاب، لا يبدو عليك إخوانيا، اختياراتك بالكتب تقول إنك يساري، أبتسم: لست إخوانيا يا أبي، هون عليك، قلبك أهم من عبد الناصر، والسادات، والسيسي معا، يرد: "ما في أهم من مصر".

ليس مجرد بائع كتب، "حكواتي"، يكتب الأشعار وينشرها في صحف لبنان، له صور مع نجوم مصر الذين عرضوا مسرحياتهم ببيروت، مَثّل معهم، عرفهم عن قرب، يحب عادل إمام كواحد من أهله، حكى كثيرا عن مصر التي لم يزرها يوما في حياته، لكنها حياته، يذهب يمينا ويسارا، ويعود لعبد الناصر، وسط الحكايات، يسألني فجأة:

- أنت طبعا تحب عبد الناصر؟

ينظر إلي بخوف، كأن شريانا آخر ينتظر الإجابة، أتذكر غضبة أبي رحمه الله حين كان يسمع رأيي في ناصر ..

- كاذبا: نعم أحبه يا أبي..

يشرق وجه الحكواتي الحزين، تملأ الابتسامة جدران المكتبة، ترقص الكتب على الأرفف، تمطر السماء ذهبا وفضة، تخضر الدنيا، وتبدو بهية، رائقة، ينسى كل شيء، ويعود لعبد الناصر.

***
في بيروت الآن، ذهبت لحضور المؤتمر القومي الإسلامي في دورته التاسعة، ما يجمعنا أكثر مما يفرقنا، هكذا يقول الجميع للجميع، قوميون، وإسلاميون، نذهب في النقاشات في كل درب، الهوية، المقاومة، فلسطين، يمينا، يسارا، حتى إذا ما عدنا لمصر، توارى الجميع من الجميع، سورية أيضا كانت في حضرة الغياب، لا للتدخل الأجنبي، ولا لاستدعاء العسكر، ترددها أصوات عاقلة، فلا تجد سوى صمت مؤيد، وهمهمات، في النقاشات الجانبية، السيسي، مجرد ذكر الإسم، يدعو إلى الأسى، ألم نقل لكم، ألم نحذركم؟، من السبب؟، هؤلاء، بل هؤلاء، ما يجمعنا أكثر مما يفرقنا، ينتهي الحوار.

 تشرفت برؤية أساتذة لطالما  تمنيت لقائهم، الألقاب محفوظة، منير شفيق، ليث شبيلات، معن بشور، جواد الخالصي، محمد حسن الأمين، وآخرون، أسعدني كثيرا وجودي معهم، ينتهي المؤتمر، أروح للحكواتي!

***
اللقاء مختلف، لم يزل دخان سيجارته، وصوته الأجش، عرفني، يرحب، لكن بمرارة، يطلب الشاي، أخبره أنني جئت للكتب، يسألني عن مصر، أنظر إليه طويلا قبل الإجابة، فيقول: والله أنت ابن حلال، تذكرتك، أخبرتني منذ عام ألا أنتظر من السيسي شيئا، وقلت عنه كذاب، فلم أصدقك، سأموت حسرة منه ومن أفعاله، هذا الذي تأملت فيه عبد الناصر، فإذا به رجل الصهاينة والأمريكان، أوشك أن أكذب مرة أخرى تخفيفا عليه، وأخبره بأي شيء إيجابي عن الجنرال المدني، لا أجد شيئا، أسأله عن صحته، فيجيب:
تعبان، لكن آخذ أدوية، يسحب كتابا جديدا عن الماركسية، ويقول: سيعجبك، قبل أن أنصرف، يناديني الحكواتي، يحتضنني بحرارة، ويقول: سلم على أولادك، وعلى مصر، سلام.
التعليقات (1)
نبيل الشيشينى
الخميس، 02-04-2015 05:19 ص
ايه يااستاذ اللى مش عاجبك فى السيسى طب ما تتفضل سيادتك ترشح نفسك للانتخابات وتورينا هتعمل آيه بدل الكلام على الفاضى والفلسفة آيه رأيك ماتيجى نحب البلد دى بجد من جوه قلبنا ونبقى أيد واحده وياريت نبنى بدل مانهد ونصفى نفوسنا شويه علشان نقدر نقف على رجلينا