ملفات وتقارير

عائلات سورية تتمزق تحت وطأة الحرب وصراع من أجل الحياة

"هناك الآلاف من العائلات السورية التي مزقتها الحرب" بحسب ناشطين - أرشيفية
"هناك الآلاف من العائلات السورية التي مزقتها الحرب" بحسب ناشطين - أرشيفية
لم تكن ليلى تكترث برأي زوجها "المؤيد للنظام السوري"، عند اندلاع الثورة، وكانت تسعف المتظاهرين خفية عنه، لكن هذا لم يدم طويلا، حيث لم تستطع إخفاء نشاطها الإغاثي عنه، لأنه سرعان ما انضم إلى "الشبيحة"، وأصبحت المواجهة بينهما حتمية.

ليلى أم لثلاثة أطفال، كانت تعمل مدّرسة قبل قيام الثورة، تقول في حديثها لـ"عربي21" إن "الصعوبات بدأت تقف في وجهي عندما قام زوجي بإبلاغ الأجهزة الأمنية عن نشاطي، وتم تعميم اسمي على المنافذ الحدودية، لكنني استطعت النجاة بأعجوبة، حيث اصطحبت أطفالي الثلاثة خلال رحلة هروب صعبة وشاقة إلى تركيا، كانت ممتلئة بالمهالك".

العمل في مدرسة بإسطنبول

وتتابع ليلى قصتها: "بعد أن تم الطلاق بيني وبين زوجي، عانيت بشدة من أجل تأمين متطلبات حياتي الجديدة، والبحث عن مصدر رزق لي ولأطفالي في بلد اللجوء، فتمكنت من العمل بإحدى المدارس السورية في إسطنبول، وهناك تعرفت على أحد الناشطين السوريين، الذي أعجب بشجاعتي وتقدم للزواج مني، وما كان مني إلا أن وافقت بعد تردد، وأعيش الآن مع زوجي وأطفالي الثلاثة في إسطنبول".

الزوجة هربت بالأبناء للسعودية

أما أحمد، فلم يكن محظوظا مثل ليلى، فهو ناشط سوري يعمل في مجال الإغاثة، فرقت الحرب أيضا بينه وبين زوجته، التي لم تكن من مؤيدي النظام، لكنها لم تؤمن بجدوى الثورة، وعارضت بشدة انخراطه في أي عمل ثوري ضد النظام.

ويقول أحمد: "تصاعد الخلاف بيني وبين زوجتي، ومع اشتداد وطأة المعارك وخطورة الأوضاع الأمنية، قررت زوجتي مغادرة سوريا إلى أهلها في السعودية، مصطحبة معها أطفالنا، الذين استخدمتهم وسيلة ضغط علي لأترك العمل الثوري، لكن هذا لم يتم، كما لم استطع إقناعها بالبقاء".

الحلم في الحياة

يتابع: "ما زلت أحبها وأرغب أن نعيش معا -مثل كل أسرة- حياتنا الطبيعية، ولكن للأسف يبدو هذا حلما بعيد المنال، فهي لن تأتي لتعيش في حمص تحت قصف البراميل والطائرات، ولا تقبل أيضا بالعيش في تركيا، والسماح لي بمواصلة عملي الإغاثي، وأنا لا يمكن أن أغادر وأترك وطني وهو بحاجة لي، فأنا أحبه كما أحب زوجتي".

وتساءل أحمد: "لا أدري ما المخرج من هذا المأزق العائلي المعقد؟ فهل مطلوب مني أن أنتظر حتى تنتهي الحرب وأجتمع بمن أحب؟"، متابعا: "حالتي مثل  حال الآلاف من العائلات السورية التي مزقتها الحرب".

رشا تواجه قسوة الحياة وحيدة

وأما رشا الشابة الصغيرة، حديثة الزواج، التي تعاني من تمزق شمل أسرتها، ولكن بطريقة أخرى، فزوجها كان من المتظاهرين في دمشق، إبان اندلاع ثورة الكرامة، وعمل في الإغاثة، وتعرض للاعتقال عدة مرات، حتى اضطر لمغادرة سوريا والعيش في تركيا.

وعاشت رشا مع زوجها في تركيا فترة، حاول خلالها الحصول على عمل ثابت وبأجر جيد، لكنه فشل، وواجهته في هذه الأثناء مشكلة تجديد جواز سفره من السفارة السورية في إسطنبول، التي شكلت معضلة حقيقة بالنسبة له.

الهجرة إلى أوروبا

تقول رشا: "بدأ زوجي يفكر جديا بالهجرة إلى أوروبا، فهو لم يعد مواطنا في أي بلد، لأنه لا يملك جواز سفر، ولن يستطع الحصول على جواز سفر جديد إلا بأعجوبة، لذلك قرر الهجرة، وبعد محاولات طويلة ومضنية وانتظار طويل على شواطئ مرسين وبدروم التركيتين لمدة تجاوزت الشهرين، حيث كان المهرب يعده يوميا بأن السفر سيكون غدا، تمت رحلة التهريب أخيرا، بعدما كادت مدخراتنا تنفذ خلال فترة الانتظار الطويل".

تضيف: "وصل زوجي في البداية إلى اليونان، ومنها حصل على جواز سفر مزور ليستقل القطار إلى سويسرا ثم إلى فرنسا، ومنها إلى هولندا، وفي هذه الأثناء كنت حاملا في شهري الأخير، وأوشكت على الولادة، وأنا ما أزال في تركيا، لم يكن بجانبي أحد، لا زوجي ولا أهلي ولا إخوتي، كنت وحيدة أتردد على المشافي التركية".

تقول رشا: "تمنيت وأنا أعاني آلام ولادة طفلي أن يكون زوجي بجانبي، مثل كل الأزواج في العالم، يمسك بيدي ويمسح على رأسي، ليسمع صرخات طفلنا الأول، ولكنني حرمت من كل ذلك بسبب النظام المجرم الذي مزقنا جميعا بظلمه وعدوانه".

 وتختتم رشا بقولها: "اليوم أصبح عمر طفلي أربعة أشهر، ولم ير والده حتى الآن، وما زلت أنتظر لقاء زوجي الذي ذهب ليبحث لنا عن أمان، عن حياة آمنة وكريمة فقط".
التعليقات (0)