كتاب عربي 21

السيسي في الكاتدرائية: هل سقط الكاثوليك والبروتستانت من "قعر القفة"؟!

سليم عزوز
1300x600
1300x600
لم يكد عبد الفتاح السيسي يظهر في قداس عيد الميلاد المجيد بالكاتدرائية الأرثوذكسية بالعباسية، حتى أقام له أنصاره "زفة بلدي"، وأسهبوا في الحديث عن هذه الخطوة الجبارة، التي أقدم عليها "الزعيم المفدى"، والتي أكدت، بحسب الحديث الاحتفالي، على وحدة الشعب المصري، وأن السيسي رئيس لكل المصريين!.

أنصار السيسي، يبحثون له عن أي انجاز، لكي ينصبوا له "مولد" ويقيموا له "زفة"، والرجل خيب أمالهم العريضة فيه، فلم ينجح في أي ملف، على نحو يحرضني للقول، أن الرئيس محمد مرسي كان محظوظاً، لأن السيسي هو من جاء بعده، وهو الفاشل على كافة المسارات، رغم أن كل أدواته في يده، على العكس من مرسي الذي تكالبت ضده الدولة العميقة، بهدف إفشال تجربته، وإفشال الثورة لصالح الثورة المضادة.

ليس في زيارة السيسي للكاتدرائية، أي قيمة مضافة، فالرجل يحظى بتأييد الكنيسة، تماماً كما كان يحظى بتأييدها حسني مبارك، وقد دعا البابا الراحل شنودة، أتباعه إلى عدم الخروج في الثورة، لأنهم مع مبارك. وفي كل تجليات الثورة المضادة كانت الكنيسة الرسمية حاضرة، تماماً كما كان الأزهر الرسمي حاضراً، ولا تثريب على شيخ الأزهر، فهو عضو لجنة السياسات التي أسسها جمال مبارك.

ومن أخطاء الثورة، أنها تجاوزت عن هذه الانحيازات التي يمثلها البابا وشيخ الأزهر، ومن الأخطاء التي ارتكبها الرئيس محمد مرسي أنه أدار الملف المسيحي على ذات قواعد نظام مبارك. فضلاً عن أنه كان يتقرب من شيخ الأزهر بالنوافل، لدرجة أنه عندما استخدم صلاحياته في التعيين بمجلس الشورى، خاطب شيخ الأزهر كما خاطب البابا ليزكوا رجالهم. فرشح له الأول أربعة اشخاص قبلهم الرئيس على الرحب والسعة!.

عندما وقع الانقلاب، كان شيخ الأزهر وبابا الكنيسة ضمن "ديكور المشهد"، والكنيسة كانت حاضرة في كل تجليات الثورة المضادة، وبشكل سافر، وقد كتبت من قبل أن قساوسة ورهباناً كانوا في مظاهرات التحرير ضد الرئيس مرسي، وكانوا في حصار الاتحادية، واعتقد أن جزءاً في أزمتنا يتمثل في الحرج الذي يتملكنا عندما يكون الحديث خاصاً بالكنيسة، فاذا كانت الشجاعة تملكتنا ونحن نفضح شيوخ السلطة من محمد حسان، الى خالد الجندي، رغم شعبيتهم الجارفة، فإننا نتجاوز عن تدخل الكنسية في شؤون السياسة، وانحيازها لسلطة الاستبداد من مبارك الى السيسي!.

لم يكن اختيار يوم "الأحد" 30 يونيو، للمظاهرات التي مهدت للانقلاب العسكري اعتباطاً، لكننا نحاول أن نقفز على هذا من باب الحرص على الوحدة الوطنية، في حين أن البابا الجديد "تواضروس" دائم التحرش بالثورة، وقد جعل من الكنسية حزباً سياسياً هو رئيسه!.

السيسي عندما زار الكاتدرائية، لم يكن هو خليفة المسلمين، الذي تمثل زيارته تأكيداً على الوحدة، ولكنه كان في زيارة لمكون أساسي من مكونات انقلابه، وكان عليه إن كان بالفعل يريد أن يقدم نفسه على أنه رئيساً لكل المصريين، أن يكون خطابه واضحاً هنا وهناك. فلا يطالب هنا شيوخ الأزهر بالتصدي للنصوص التي تدعو للإرهاب، وهناك يتحدث عن الحضارة، ولا يطلب بالتصدي للنصوص المشابهة مثل القول المنسوب للسيد المسيح "ما جئت لألقي سلاماً.. بل سيفاً".

ولو كانت الزيارة، لتأكيد إيمانه بالوحدة الوطنية، لكان الأجدر به، ألا ينتصر لأكثرية الأقلية، وكان عليه أن يساوي بين أبناء الوطن من الأقليات، فلم يحضر مهنئاً إخواننا المسيحيين الكاثوليك والبروتستانت بعيد الميلاد المجيد، وهم الذين سقطوا من "قعر القفة" في عهده، كما سقطوا من "قعر القفة" في عهد مبارك، والذين كانت دائماً تجري مجاملة الأرثوذكس على حسابهم، والمرة الوحيدة التي أنصفوا فيها عندما تم تعيين انجيلياً محافظاً لقنا.

 وإذا كان الشيء بالشيء يُذكر فقد كان المسيحيون الأرثوذكس يهاجمون المحافظ، ويطالبون بإقالته، ويقولون لو تم اختيار إخوانياً لكان خيراً منه. ولم يتم إعلان السبب الحقيقي، حتى لا تخسر الكنيسة الأرثوذكسية تعاطف الغرب. فالحقيقة أن هذا الهجوم كان بسبب مذهبه، وإن كان الجاهلون بحقيقة الموقف قالوا إن من يهاجمونه تجاوزوا مسألة الطائفية!.

ربما عينه مبارك، وفق سياسة كان يتبعها وهي "الكيد السياسي"، فعندما بلغه أن البابا شنودة غاضب، بعد تفجير كنيسة القديسين، واعتزل في الدير تعبيراً عن هذا الغضب، لأن البابا كانت لديه شكوك بأن السلطة تقف وراء التفجيرات، عندها رد عليه مبارك بتعيين أحد خصوم البابا، وهو "جمال أسعد عبد الملاك" عضواً في مجلس الشعب، وهو صاحب المقالات الناقدة للبابا شنودة، ومؤلف كتاب "من يمثل الأقباط.. الدولة أم الكنيسة؟". وعبد الملاك يحسب على معارضة مبارك، لكن المخلوع تجاوز عن ذلك إعمالاً لسياسة "كيد الضرائر" المعمول بها في عهده.

ومع ذلك فان البابا شنودة، عندما قامت الثورة، أعلن أنه مع مبارك، وظل حزينا على خلعه لآخر يوم من حياته، ذلك بأن المخلوع، كان استراتيجياً، وبعيداً عن التفاصيل اليومية، والشد والجذب، مع الكنيسة كما كانت الكنيسة معه. وكانت تعليمات البابا لرعاياه في كل انتخابات بأن أصواتهم للحزب الوطني، حتى وإن كان مرشح الحزب المعارض مسيحياً، كما حدث في حالة مرشح حزب التجمع في محافظة المنيا، ومرشح حزب الوفد "طلعت جاد الله" المستشار الإعلامي السابق للبابا، في دائرة المرج بالقاهرة.

شد مبارك فعين "جمال أسعد عبد الملاك" عضواً في مجلس الشعب، و"رخا" فكان القرار بتمكين الكنيسة الأرثوذكسية بتعديل قانون الأحوال الشخصية للمسيحيين وفق معتقداتهم هم وإن تم الجور على معتقدات الكنائس الأخرى. وكان الخلاف بين الكنائس الكبرى الثلاث سبباً في تعطيل وضع القانون. فبينما تصر الأرثوذكسية على أن الطلاق لعلة الزنى فقط، فإن الكنيسة الانجيلية تقول بأن هناك ثمانية أسباب موجبات للطلاق، وتقول الكاثوليكية بأبدية الزواج فلا يكون الطلاق ولا لعلة الزنى!.
وكانت كل المؤشرات تؤكد أن القانون سيصدر بالشكل الذي يريده البابا شنودة وعلى الكنائس الأخرى أن تشرب من البحر، لكن الثورة عطلت إقرار القانون!.

السيسي في زيارته للكاتدرائية، كان يقوم بتوصيل رسالة للغرب، بأنه الحامي لهم في مواجهة الأغلبية التي تهدد ليس حياة المسيحيين فقط، ولكنها تمثل تهديدا للجنس البشري كله، بحسب خطابه بمناسبة المولد النبوي الشريف عندما استنكر أن مليار و 700 مليون مسلم يهددون حياة باقي الكائنات الحية على ظهر الكرة الأرضية!.

وفضلا عن توصيل هذه الرسالة، فإنه والانتخابات البرلمانية على الأبواب والكتلة الوحيدة في مكونات انقلابه التي لا تزال متماسكة هي المسيحيين الأرثوذكس، يمكن أن تكون انتخابياً، مع نجيب ساويرس وحزبه وتحالفاته، ولأن الانقلابيين تحسبهم جميعاً وقلوبهم شتى، وعلى رأس مهام السيسي الآن ألا تكون الأغلبية من صالح ساويرس فقد ذهب ليتعامل مع المسيحيين الأرثوذكس وجهاً لوجه، وليس عبر الكفيل ساويرس!.

لاسيما وأنه وبعد أن انقشع الغبار، تم استدعاء أحداث "ماسبيرو" التي يقول المسيحيون إنه تم سحق المسيحيين المتظاهرين بواسطة قوات الجيش في فترة حكم العسكري، وهناك كلام بأن صاحب قرار المواجهة كان هو عبد الفتاح السيسي نفسه، وقد بدأ عدد من المسيحيين ينتقدون البابا لموقفه المنحاز لبطل "أحداث ماسبيرو"، ونشرت ناشطة مسيحية مقالاً عنيفاً ضد البابا لتجاهله لهذه المجزرة وتحالفه مع السيسي، وقيل إن خطيبها هو أحد ضحاياها، مما دفع بالبابا في تصريحات أخرى لتعليق الاتهام – كما هي العادة – في رقبة الإخوان. يبدو لأن السكرة قد ذهبت وحلت الفكرة، فأراد السيسي بزيارته، أن يغطي بهذه الخطوة على "أحداث ماسبيرو"، حتى لا يخسر في الانتخابات البرلمانية الكتلة المتماسكة، وتصبح من صالح ساويرس إذا حدث تضارب في المصالح.. وهي وقتها لن تذهب بعيداً!.
فمن المعروف أن بعض مكونات الثورة المضادة، قد تجد نفسها مضطرة للاستمرار في الوقوف بجانب السيسي حتى لا يعود الإخوان، لكن الكتلة المتماسكة عندها بديلها.

والجدير بالإشارة أن السيسي أراد أن يناور بزيارته لبابا الفاتيكان، والتي تبدو غير مبررة، وهو يعلم حساسية هذا التوجه، وقد ارتكب الكاثوليكي "رامي لكح" خطأ عمره، عندما دعا بابا الفاتيكان لزيارة مصر وفي زيارته للكاتدرائية لمقابلة البابا شنودة قام هناك ببعض الطقوس التي تراها الكنيسة المصرية "هرطقة"، عندها قال شنودة لوزير المالية "يوسف بطرس غالي": "هذا الولد لا أريد أن أراه مرة أخرى في مصر". لأن حضور بابا الفاتيكان كان سيعزز من قيمة أقلية أخرى هي المسيحيين الكاثوليك. وقد جرى التنكيل برامي استغلالاً لمواقف أخرى له، وبعد سنوات التيه خارج مصر، عندما تم السماح له بالعودة ذهب للبابا شنودة ليقدم له فروض الولاء والطاعة.

عندما شاهدت السيسي في حضرة بابا الفاتيكان قلت إنها رسالة لساويرس وجماعته بأنه يستطيع أن يستقوي في مواجهتهم بمسحيين آخرين، صحيح أنهم لا يملكون أصواتاً ذات قيمة من حيث العدد في مصر، لكنها ستمكنه من الحصول على الرضا الغربي السامي.

لكن السيسي جلس مؤخراً مع هيكل، وكما نقل أحد انصار السيسي أن مشكلته في أنه لا يسمع لأحد. وهذا أمر عادي وفق الطبيعة العسكرية فهو يحمل أعلى رتبة عسكرية، إذن هو يعطي الأوامر والآخرين ما هم إلا ادوات تنفيذ. والسيسي يدير مصر على أنها "كتيبة" لا دولة. لكن الوضع مع هيكل مختلف، فهو مرشده الروحي، وولي أمر الانقلاب!.

وربما عرض السيسي على هيكل تخوفاته من سعي ساويرس للهيمنة على البرلمان لاستغلاله عندما تتضارب المصالح في أعمال المقاولات. وكلاهما "مقاول".. والسيسي "المقاول" يريد أن يستحوذ على كل أعمال المقاولات في البلاد لصالح الجيش والفائض من حق الإمارات، وان فاض شئ بعد ذلك فلرجال الأعمال!.

قد يكون هيكل هو صاحب اقتراح: اذهب مباشرة للكنيسة، ولا تتعامل مع "وسطاء" فكان حضوره للقداس، وإلقاء كلمة حازت على التصفيق الحار للأقباط، لكن هذا التصفيق على حرارته لا يرتب له وضعاً استراتيجياً، ففي قداس سابق، كان التصفيق حاراً أيضاً لجمال مبارك، الذي ذهب الى هناك من أجل الفوز بكتلة مؤيدة، يمكن مع الكتل الأخرى، أن تشكل شعبية قد يحتاجها.. وفي النهاية قامت الثورة ولم يشفع لجمال مبارك التصفيق الحار!

السيسي يختلف عن جمال مبارك، لأنه يعلم أن مصدر شرعيته في هذه الكتلة وحدها، فذهب إليها منافساً، تحت لافتة أنه رئيس لكل المصريين، وكأن المصريين الكاثوليك وإخوانهم البروتستانت من البوسنة والهرسك!.

لو كان التصفيق الحار يفيد، لكان جمال مبارك رئيساً لمصر.
[email protected]
التعليقات (3)
Naji Hamed
الجمعة، 09-01-2015 02:43 م
احسنت يا استاذ سليم وجزاك الله خيرا
عباس
الجمعة، 09-01-2015 02:25 م
الكاتب غير مطلع تماما على وضع الكنائس ويخلط في العقائد
مارد الجبل
الخميس، 08-01-2015 05:32 م
عزوزمن يستحق التصفيق الحار حقا