قال المحلل
الإسرائيلي ناحوم برنياع إنّ قوات الجيش الإسرائيلي اختفت من مناطق الاحتشاد في غلاف
غزة، بين عشية وضحاها، مخلفة وراءها شيئا يصعب قياسه وهو شعور بخيبة الأمل والاكتئاب.
وأضاف برنياع، في مقال الافتتاحي لصحيفة يديعوت، الأربعاء، أن خيبة الأمل كانت من نصيب المقاتلين وسكان الجنوب أيضا، فقد أمل هؤلاء وأولئك نهاية لا لبس فيها، وإنجازا يمحو بمرة واحدة والى الأبد التهديد من جانب غزة.
ونوه إلى أن هذا "قد يحدث في المستقبل بفضل الانقلاب في مصر في الأساس وقد يحدث أيضا بفضل العملية، لكن لا أحد يستطيع أن يعِد بأن الأمر سيكون كذلك".
وشدد برنياع على أنّ توالي خيبات الأمل مقلق. وقد يكون من الصعب على الجيش الإسرائيلي برغم تفوقه العظيم بالنيران، وبرغم أنه يعمل بلا تشويش عليه من الجو والبحر، وبرغم معلوماته الاستخبارية المطورة ووسائل تدريبه الرائعة، قد يكون من الصعب عليه أن يقهر بضعة آلاف من "مقاتلي الإرهاب"، على حد وصفه.
واستدرك بالقول "أو أن توقعاتنا مبالغ فيها. فهذه غزة وهذا هو الجيش الإسرائيلي وهذا ما نعرف فعله، ومن المؤسف جدا أنه لا توجد عملية عسكرية بسعر مخفض".
وأكد برنياع أنّ "حماس أبدت قدرة على الصمود وروحا قتالية، ولم يصب أحد من كبار قادتها في الحرب، ولم تفقد سلطتها في غزة. وهذه إنجازات لا يستهان بها في مواجهة مع جيش قوي حديث أرسل إلى المعركة كل وحدات خطه الأول".
ونوه إلى أنّه "طرأ تغير على توجه نتنياهو خلال العملية. فقد أصبحت إسرائيل مستعدة الآن للتسليم بل ربما للتعاون مع سلطة فلسطينية تكون حماس جزءا منها. وبدأ جهد دولي لإعادة السلطة الفلسطينية إلى غزة. ويفترض أن تصبح حماس الفرع الديني لأبو مازن فتتخلى في ظاهر الأمر عن حكمها لغزة وتحصل مقابل ذلك على موطئ قدم في الضفة. والشيء الأساس أن تكف نشاطها العسكري".
ولكنه أبدى مخاوف من هذا السيناريو قائلا: "الخوف بالطبع من أن يحدث عكس ذلك؛ بأن تصبح السلطة مسؤولة عن غزة لكن من غير أن تحكمها وأن تعود حماس للعمل علنا في الضفة".
وأضاف "إن أبو مازن هو الرابح الأكبر في ظاهر الأمر. ومما يتفق عليه الجميع من قطر إلى واشنطن ومن القاهرة إلى القدس أنه هو الحل. لكنه ليس أكثر من عميل في نظر أكثر الفلسطينيين. وقد قال أحد المقربين من أبو مازن هذا الأسبوع: نحن في الضفة لحم ميت. واذا عدنا إلى غزة على حراب الجيش الإسرائيلي فسيدعونني بالخائن، حتى أبنائي".
وقال: "لأول مرة منذ كانت حرب الاستقلال انصرف اهتمام إسرائيل إلى الجبهة الأمامية؛ فقد هدد نصر الله في 2006 ولم ينجح في التنفيذ، وهددت حماس ونفذت برشقات يومية. فلم تتعرض غوش دان وحدها للضرب بل تعرضت أيضا سلسلة أهداف استراتيجية. وقد عرفت حماس أن تختار".
وشدد الكاتب على أنّ "هذا التعرض للضرب يجب أن يقلقنا. إن نجاح القبة الحديدية يمكن أن يُسكن جأشنا، فلولا القبة الحديدية لما كان مناص من احتلال القطاع مع ما ينطوي عليه ذلك".
ونوه إلى أنّ "سلوك العملية في الجانب الإسرائيلي خلف أسئلة كثيرة، فقد جُرت الحكومة إلى غزة، وسعت إلى هدنة بعد أيام القصف الأولى فورا، ولم يكن استقرار الرأي على الدخول البري جزءا من التخطيط، بل وُلد من محاولة دخول حماس عن طريق نفق قرب كيبوتس صوفا، وأصبحت الأنفاق تهديدا حقيقيا لـ 50 ألف إسرائيلي يعيشون في الكيبوتسات والقرى الزراعية قرب الحدود، وكما قالت لي بعضهن في خلال العملية: اعتقدنا أن الانفصال انشأ حدا بيننا وبين غزة، لكن الأنفاق محت الحد".
واستهجن الكاتب سلوك المجلس الوزاري المصغر "فبدل أن يخترق الجيش الإسرائيلي نظام حماس الحصين أو يلتف حوله، أضعف جنوده بالهجوم على كل موقع حصين في الخط الأمامي. وزعم أحد الوزراء أن ليس هكذا تُصنع الحرب".
وأكد برنياع أنّ الحرب الداخلية بين اليهود بدأت بعد انتهاء القتال بغزة، فالوزراء يلقون المسؤولية على الجيش الإسرائيلي، وهم يصفون نتنياهو بأنه سار في ثلم شقه الجيش.
وأشار إلى أنّه قد عُرضت على المجلس الوزاري المصغر في ظاهر الأمر كل الخيارات الممكنة. لكن احتلال غزة وُصف بلغة مبالغ فيها؛ فالعشرون قتيلا من الجيش الإسرائيلي في الشجاعية مضروبون بـ 34، فذُعر المجلس الوزاري المصغر وأطاع.
وخلص الكاتب إلى أن حكومة إسرائيل دخلت العملية دون خطة استراتيجية وخرجت منها دون خطة استراتيجية. وكما حرصت على ألا تبادر إلى شيء في السنوات بين الحروب، حرصت على ألا تبادر إلى شيء في أيام القتال، بل انساقت مع الأحداث.