كتاب عربي 21

التسوية أم حرب استنزاف طويلة لإيران وآخرين في سوريا؟

ياسر الزعاترة
1300x600
1300x600
فلندع الكلام الدبلوماسي هنا، فقد تحولت سوريا إلى ثقب أسود يستنزف الأمة بأسرها؛ بشيعتها وسنتها، ودولها وقواها السياسية أيضا، لكن إحالة هذا الوضع إلى مؤامرة إمبريالية صهيونية لا يعدو أن يكون سقوطا أخلاقيا، لأنه يخوِّن شعبا ثار من أجل حريته وكرامته ضد نظام دكتاتوري فاسد تتلبسه روح الطائفية، وبالطبع من أجل تبرئة نظام مجرم، والأهم من أجل تبرئة النفس والقوى التي ساندت النظام ضد شعبه، وأوصلت الأمور إلى معادلة تصب في خدمة الصهاينة من دون أن يتكلفوا أي ثمن، فقد دمروا الكيماوي السوري، وها هم يتفاوضون على النووي الإيراني، ودمروا سوريا ووضعوا إيران وحزب الله في وضع بائس، وعزلة عن بقية الأمة، وأصابوا تركيا بالكثير من الخسائر، ووضعوا ربيع العرب في الزاوية، فيما أفادوا أنظمة الثورة المضادة التي تقاتل ضد الثورات وضد الإصلاح السياسي، ولو بخدمة أعداء الأمة.

لو انتصرت ثورة سوريا لكان مشهد المنطقة أفضل بألف مرة، ولكان وضع إيران أيضا أفضل بكثير، وربما كان وضع العراق ولبنان كذلك أفضل، إذ من قال إن سقوط بشار سيعني تهميش شيعة العراق (وهم أكثر من نصف السكان إذا استثنينا الأكراد شبه المستقلين)، أو أن سقوطه سيهمِّش شيعة لبنان الذين باتوا رقما صعبا في البلد؟!

الآن يمكن القول إن المشهد السوري يعاني من مراوحة واضحة، ومن يعتقد أن النظام يحقق تقدما يؤدي إلى الحسم فهو واهم، اللهم إلا إذا كان الحساب هو القياس مع وضعه قبل عام مضى حين كان يترنح، لكن التقدم الذي أحرزه ويحرزه إنما يواجهه تقدم آخر من الثوار في عدد كبير من المناطق، والنتيجة أن المعادلة العسكرية باتت جد واضحة، إذ أن أحدا لن يتمكن من تحقيق حسم عسكري في المدى القريب، وربما حتى المتوسط، ما يعني أننا إزاء حرب طويلة قد تمتد لعشر سنوات، ما لم يتم التوصل إلى حل سياسي.

إن مزيدا من التدقيق في المشهد وميزان القوى لن يدع مجالا للشك في أن إيران وحلفاءها هم الأكثر استنزافا في المعركة القائمة، أعني يإيران نفسها والعراق التابع عمليا، وكذلك حزب الله (دعك من الشرخ الذي أصاب علاقة السنة بالشيعة في كل المنطقة)، فهم الذين يدفعون عمليا الكلفة الأكبر؛ اقتصاديا وسياسيا (عداء غالبية الأمة).

ونتذكر هنا أن إيران إنما ذهبت تفاوض على النووي من أجل تحسين وضعها الاقتصادي، وفي الخلفية إنقاذ بشار.

إنه نزيف كبير يشبه نزيف الاتحاد السوفياتي في أفغانستان، فيما يؤثر على العراق الذين لن يستقر ما بقي الوضع في سوريا على حاله، وكذلك حال حزب الله الذي انتهى حزبا شيعيا معزولا تعاديه غالبية الأمة، فهل يستحق بقاء بشار هذا الثمن الباهظ؟ والأهم هل ستؤدي إطالة الحرب حقا إلى الحفاظ عليه؟

إن الجواب هنا مشكوك فيه، إذ لن تقبل القوى الداعمة للثورة، ولن يقبل الشعب السوري أن تنتهي الحرب الطويلة بالنهاية التي تريدها إيران مهما طالت الحرب، ويبدو أن المنطق السياسي يقول ذلك أيضا، فلن تحكم أقلية غالبية الشعب بعد كل هذا الذي جرى ويجري، وبالتالي فإن المنطق يقول بضرورة البحث عن حل سياسي يلبي الحد الأدنى من مطالب الشعب، من دون أن يكون ذلك بمثابة هزيمة لإيران، مع العلم أن استمرار الحرب سيؤثر سلبا أيضا على وضع المحافظين في السلطة داخل إيران، لأن الناس لن ترضى بأن يستمر النزيف على هذا النحو من جيوبهم، هم الذين انتخبوا روحاني ردا على سياسات المحافظين الخارجية التي استنزفت إيران وعزلتها.

إيران إذن في حاجة للحل، لكن الآخرين في حاجته أيضا، ما يعني أن حوارا إيرانيا تركيا مع السعودية وقطر (الدول الفاعلة في الملف السوري) قد يفضي إلى نتيجة ما تلبي الحد الأدنى من مطالب الجميع، وفي المقدمة الشعب السوري، لكن الخطوة الأولى يجب أن تأتي من إيران، ليس لأنها الأكثر استنزافا، بل لأنها الراعية العملية للنظام.

خلاصة القول هي؛ إما أن تبقى سوريا هي "أفغانستان إيران" بلا نتيجة في نهاية إيجابية في نهاية المطاف، وإما أن يكون هناك حل سياسي، وعلى قادة طهران أن يختاروا.

نحاول أن نتفاءل بموقف جديد في ظل ما يقال عن اتصالات سعودية إيرانية، لكن عوامل كثيرة تجعلنا نشك في ميل القوم إلى خيار العقل والرشد، مع أننا ندعو الله أن يختاروه بدل هذا النزيف العبثي.
التعليقات (0)