ملفات وتقارير

هل تمثل سوريا خطرا مباشرا على أمريكا في الوقت الحالي؟

الرئيس الأمريكي باراك أوباما  - أرشيفية
الرئيس الأمريكي باراك أوباما - أرشيفية
على مدى الأسبوعين الماضيين لمح مسؤولو إدارة الرئيس الامريكي باراك اوباما - عن قصد أحيانا ودون قصد في أحيان أخرى - إلى أن اسوأ السيناريوهات تتبلور حاليا في سوريا.

فمحادثات السلام متوقفة فعليا فيما فوت الرئيس بشار الأسد الذي اكتسب جرأة بدافع من التطورات الأخيرة على الارض مهلتين لتسليم أكثر أسلحته الكيماوية فتكا. ويشن متطرفون يحاربون في سوريا هجمات في مصر وتثور مزاعم عن تطلعهم لاستهداف الولايات المتحدة ايضا.

وأبلغ مدير المخابرات الوطنية جيمس آر. كلابر أعضاء الكونجرس الأسبوع الماضي أن جبهة النصرة وهي جماعة مرتبطة بتنظيم القاعدة في سوريا "لديها تطلعات لشن هجمات في الوطن". وعبر مسؤولون أمريكيون ومصريون عن انزعاجهم الأسبوع الماضي من علامات على أن المصريين الذين قاتلوا في سوريا يعودون الى البلاد لشن تمرد.

ويقول منتقدو سياسة إدارة اوباما في سوريا بأنه لا شيء من تلك الأمور يجب أن يشكل مفاجأة. فمنذ سنوات توقعوا أن الأسد وداعميه الإيرانيين والروس سيقاتلون بضراوة، وأن المتشددين سيتدفقون الى سوريا، وأن المنطقة ستمر بحالة من عدم الاستقرار بسبب تدفق اللاجئين وتنامي النزعة الطائفية وعودة المقاتلين الذين تحولوا إلى التشدد إلى بلادهم.

قال شادي حامد الخبير بمعهد بروكينجز الذي دعا إلى تدخل عسكري في 2012 "كثير من الأمور التي تحدث عنها دعاة التدخل (العسكري) قبل عامين تحقق.. النقاش (وقتها كان) أن التحول الى التطرف سيتعاظم".

من المستحيل معرفة ما إذا كان تدخل على غرار ما حدث في ليبيا من شأنه أن ينهي الصراع في سوريا أو يزيده سوءا. لكن حامد جادل -مستشهدا بالتصريحات الأخيرة لمسؤولي الإدارة- بأن النهج الأمريكي الحالي لا يجدي نفعا.

وقال كلابر في شهادته الأسبوع قبل الماضي إن وكالات المخابرات الأمريكية التقطت إشارات على وجود "مجمعات تدريب" داخل سوريا "لتدريب الأشخاص على العودة إلى بلادهم وارتكاب أعمال إرهابية لذلك فهذا مبعث قلق كبير".

وقدر الجنرال المتقاعد بسلاح الجو أن اكثر من سبعة آلاف مقاتل من 50 دولة -"كثير منهم من اوروبا والشرق الاوسط"- يقاتلون في سوريا. وشبه المناطق التي تسيطر عليها المعارضة في شمال سوريا بالمناطق القبلية الخاضعة للادارة الاتحادية في باكستان حيث يتحصن المتشددون المحليون والأجانب منذ سقوط طالبان في 2001.

وقال كلابر "ما يجري هناك ربما يكون في بعض النواحي شبيها بمناطق قبلية جديدة خاضعة للإدارة الاتحادية، واجتذاب هؤلاء المقاتلين الأجانب مقلق للغاية."

وسبق أن واجه كلابر اتهاما بالمبالغة في تقييم خطر الإرهابيين وبالإدلاء بتصريحات مضللة بشأن نطاق أنشطة المراقبة الأمريكية. لكن كلابر ليس المسؤول الكبير الوحيد الذي يعبر عن قلقه بشان زيادة وجود المتشددين في سوريا.

فقد قال عضو مجلس الشيوخ الجمهوري لينزي جراهام للصحفيين إن وزير الخارجية الأمريكي جون كيري قال في لقاء خاص مع أعضاء الكونجرس على هامش مؤتمر الأمن في ميونيخ الأسبوع قبل الماضي إن "خطر القاعدة حقيقي ويخرج عن نطاق السيطرة". وأضاف "تحدث بكل صراحة عن دعم تسليح مقاتلي المعارضة، وتحدث بصورة واضحة عن تشكيل تحالف ضد القاعدة لانها تهديد مباشر".

وقال مسؤولو وزارة الخارجية إن جراهام وأعضاء آخرين في الكونجرس ممن كشفوا عن اللقاء الخاص حرفوا تصريحات كيري. ونفوا أن يكون كيري أثار مسألة تسليح المعارضة أو وصف السياسة الحالية بأنها فاشلة.

ووصف نوح بونسي كبير المحللين في المجموعة الدولية لمعالجة الأزمات والذي يعمل في بيروت التصريحات المنسوبة لكيري بأنها "إقرار بالحقائق". ففيما يخص جانب المعارضة من الصراع شوه متشددون مرتبطون بالقاعدة سمعة المعارضة السورية. وفي جانب الحكومة يزداد الأسد وداعموه في إيران وروسيا ثقة.

وقال بونسي في مقابلة بالهاتف في إشارة إلى محادثات السلام "جنيف أوضحت بجلاء أن النظام ليس مستعدا للتنازل عن أي شيء على الإطلاق مهما كان صغيرا. يعتقدون أنهم هم الفائزون ويتصورون أنهم لا يرون ضغطا حقيقيا، وبالتأكيد ليس من إيران وربما ليس من روسيا".

حرب اهلية بالوكالة

أقر ستيفن إيه كوك خبير شؤون الشرق الأوسط في مجلس العلاقات الخارجية بأن الأسد والمتشددين كليهما يزداد قوة. لكنه دافع عن قرار الإدارة ألا تتدخل فيما وصفه "بالحرب الأهلية بالوكالة". وقال كوك إن الطريقة المثلى التي ترد بها واشنطن على زيادة التشدد في سوريا تكون عن طريق الحلفاء في المنطقة وليس من خلال العمل الأمريكي المباشر.

وقال كوك "السؤال هو كيف نشرع في مواجهتهم.. أشك أننا نقوم بذلك بالفعل مع دول صديقة -تركيا والأردن ودول أخرى- لمواجهة النصرة دون تدخل شامل في سوريا".

وقال بونسي إنه يعارض بشدة التدخل الأمريكي المباشر، لكنه أوضح أن الولايات المتحدة كانت تحاول خلال العامين الماضيين على الأقل العمل عن طريق حلفاء إقليميين لكنها لم تفلح في ذلك. ورغم عشرات الإعلانات المشتركة، تواصل الولايات المتحدة وقطر والسعودية جميعها دعم جماعات مختلفة من المعارضة، الأمر الذي يزيد من تشرذم المعارضة السورية المقسمة بالفعل.

وقال "الخطوة الأولى لا تزال هي العمل مع الحلفاء الإقليميين للمعارضة. (أسلوب) العصا والجزرة يمكن أن يشجع على التحرك نحو النهج العملي الذي يمكن أن يجعلها قوة اكثر فاعلية".

وأضاف بونسي أن الإعلان الذي صدر الأسبوع الماضي عن زيارة أوباما للسعودية في مارس/ آذار قد يكون خطوة باتجاه مسعى أكثر توحدا، لكن حامد قال إن إدارة اوباما ليس لديها مصداقية تذكر بعد رسم "خطوط حمراء" للأسد تقاعست عن فرضها.

وقال خبراء إن السؤال المحوري المتعلق بسوريا لا يزال موضع خلاف في واشنطن ألا وهو : هل تمثل سوريا الآن تهديدا مباشرا للأمن القومي للولايات المتحدة؟ وقال حامد الذي دعا إلى التدخل من قبل إنها كذلك.

وأضاف حامد "هم يقولون إن المقاتلين سيتدربون في سوريا ويعودون إلى الولايات المتحدة، لا نستطيع التظاهر بأنه ليس هناك أثر لذلك على مصالح الأمن القومي الأمريكي."

ويتفق كوك وبونسي على أن التهديد يزداد لكنهما يقولان إن على الإدارة أن تطور أولا نهجا متماسكا تجاه سوريا مع حلفائها الإقليميين، وتظهر استطلاعات الرأي العام في الولايات المتحدة على نحو متواصل معارضة كاسحة لمشاركة أمريكية أكبر بما في ذلك تسليح المعارضة المعتدلة.

ويقول خبراء إن أحد السيناريوهات يمكن أن يغير موقف واشنطن وهو أن يضرب متشددون يعملون انطلاقا من سوريا الأراضي الأمريكية. وإلى أن يحدث ذلك فمن غير المرجح أن تغير المذابح -في سوريا ومصر والشرق الأوسط سواء كانت محدودة أو واسعة النطاق- الحسابات السياسية لواشنطن.
التعليقات (0)