قضايا وآراء

في الذكرى 13 لأشواق 2011.. لماذا حدث الانقلاب؟

بحري العرفاوي
هل كان الغرب داعما فعلا للديمقراطية في العالم العربي؟- جيتي
هل كان الغرب داعما فعلا للديمقراطية في العالم العربي؟- جيتي
الموقف الغربي الداعم للكيان الصهيوني في حربه على غزة والمبرر لكل أساليبه في الإبادة والتدمير والتنكيل، يجعلنا نتساءل إن كان هذا الغرب فعلا داعما لـ"الربيع العربي" سنة 2011 من أجل الديمقراطية ومن أجل حرية الشعوب؟ وهل كان فعلا قابلا بديمقراطية لا يفوز فيها -غالبا- إلا الإسلاميون؟

ما كشف عنه طوفان الأقصى بعد السابع من تشرين الأول/ أكتوبر الماضي من زيف الشعارات الغربية المروجة لخطاب الحداثة والمدنية وحقوق الإنسان وكونية القيم، يجعلنا نراجع كل مواقف هذا الغرب من ديمقراطية فتحت الباب أمام الإسلاميين في كل من تونس ومصر وليبيا ليكونوا في صدارة الفائزين بأصوات الناخبين، وليكونوا إما أغلبية في السلطة مثلما حصل في مصر مع الإخوان وإما مشاركا رئيسيا فيها مثلما حصل في كل من تونس وليبيا. لقد سمعنا تصريحات عدة لمسؤولين غربيين يعبرون عن دعم "الربيع العربي" وتابعنا أيضا زيارات لعدد من مسؤولي تلك الدول يقولون، في العلن، إنهم يرافقون المسار الديمقراطي رغم فوز الإسلاميين.

لقد تحقق هدف هام كان يريده خصوم الإسلاميين، وهو "توريطهم" في السلطة "فجأة" ثم تعطيلهم وتشويههم "مُطَوّلا"، ثم إخراجهم من الحكم دون أن يجدوا مدافعا قويا عنهم لا في الداخل ولا في الخارج

صار لزاما علينا اليوم طرح عدة أسئلة حول تلك المواقف الغربية: هل كانت الخطة هي توريط الإسلاميين في الحكم وعدم السماح لهم بالنجاح حتى ينتهوا "فاشلين"، فيعاقبهم الشعب بانتخابات أو بالسكوت على انقلابات تحصل ضدهم كما حدث في مصر ويحدث في تونس؟ هل طُلِب من الإسلاميين بعد وصولهم إلى السلطة ما لم يستجيبوا له مما يعارض عقيدتهم ومبادئهم فوقعت الإطاحة بهم؟ هل فشل الإسلاميون في الدفاع عن الديمقراطية وفي خدمة الناس فكانت الإطاحة بهم سهلة؟ هل كانوا ضحايا مؤامرات خارجية وداخلية منعت نجاحهم وأعاقت عملهم فكانوا في متناول خصومهم وتمت إزاحتهم من السلطة، ولم يعبر هذا الغرب إلا عن "قلق" ذي طابع "حقوقي" و"إنساني"؛ لا دفاعا عن الإسلاميين وإنما دفاعا عن صورته التي أوهمنا بها طويلا حول الحقوق والحريات؟

الذين يعرفون عقدة الاستعلاء لدى الغرب الاستعماري، لم يكونوا يصدقون أنه داعم للديمقراطية خدمة للشعوب، ولم يكونوا يطلبون دعمه خدمة لطرف أو إضعافا لطرف، وحدهم محدودو الفهم وقاصرو النظر كانوا يراهنون على هذا الغرب لدعم مشاريع التحرر ومسارات الديمقراطية.

لقد تحقق هدف هام كان يريده خصوم الإسلاميين، وهو "توريطهم" في السلطة "فجأة" ثم تعطيلهم وتشويههم "مُطَوّلا"، ثم إخراجهم من الحكم دون أن يجدوا مدافعا قويا عنهم لا في الداخل ولا في الخارج.

نفس "الوصفة" كانت "تُعالج" بها الظاهرة الإسلامية في كل من تونس ومصر وليبيا، سواء على مستوى الإعلام أو على المستوى الشعبي أو على مستوى الإلهاء والإنهاك. لقد عبر الأمين العام السابق للاتحاد العام التونسي للشغل عن هذا المعنى بوضوح حين قال: "لم نترك الإسلام السياسي يرتاح يوما"، بل استعمل مفردة حربية حين قال: "الاتحاد لم يكبّ سلاحه أمام الإسلام السياسي".

وقد عبر رئيس الحكومة حمادي الجبالي في 2012 عما يعانيه وهو في السلطة من ضغط الشارع والمنظمات وخاصة الاتحاد، فقال: "معاناة السجن أهون من معاناة الحكم".

كانت تجربة الإسلاميين في الحكم تجربة إنهاك وإلهاء، فلم يجدوا مناخا مناسبا لاختبار كفاءاتهم ولامتحان شعاراتهم في عالم الناس وفي مسار التاريخ. لقد ظلوا طيلة وجودهم في السلطة -حاكمين أو مشاركين- يواجهون كل ممارسات الترذيل والتعجيز والتعطيل وبأساليب مهينة ومذلة، وظلوا يُبدون صبرا وتحمّلا لتأكيد سلميتهم ومدنيتهم وتوافقيّتهم وديمقراطيتهم، ولكن كلما تنازلوا تركوا مساحة لتقدم خصومهم

لقد كانت تجربة الإسلاميين في الحكم تجربة إنهاك وإلهاء، فلم يجدوا مناخا مناسبا لاختبار كفاءاتهم ولامتحان شعاراتهم في عالم الناس وفي مسار التاريخ. لقد ظلوا طيلة وجودهم في السلطة -حاكمين أو مشاركين- يواجهون كل ممارسات الترذيل والتعجيز والتعطيل وبأساليب مهينة ومذلة، وظلوا يُبدون صبرا وتحمّلا لتأكيد سلميتهم ومدنيتهم وتوافقيّتهم وديمقراطيتهم، ولكن كلما تنازلوا تركوا مساحة لتقدم خصومهم حتى بلغوا بهم لحظة الهجوم الأخير عليهم.

لقد واجه الإسلاميون خططا متعددة الأساليب في عملية إنهاكهم، ولعل أسوأ خطة كانت خطة اختراقهم من الداخل من خلال أساليب ماكرة لـ"تصعيد" أسماء من المراهقين المبالغين في إبداء "المبدئية" و"الثورية"، وذلك لتحقيق هدفين: الأول هو إغراء جمهور تلك الحركات بخطاب طوباوي يجعله ينظر إلى حركاته كما لو أنها ضعيفة وجبانة وحتى خائنة فينصرف عنها، والثاني هو ترويج صورة عن تلك الحركات كونها متهورة وغير ديمقراطية ولا تنتج إلا خطاب المواجهة والعدوانية والكراهية.

الاحتفال بأي ذكرى لا يكون فقط بإحصاء المنجزات ولا بذكر المؤامرات، وإنما يكون أساسا بتقييم مرحلة وطرح أسئلة لربط ما يحدث الآن بما حدث سابقا، فحركة التاريخ تحركها أسباب معقولة أي يمكن فهمها ضمن مبدأ "السببية"، فلا وجود لصدفة وإنما هي مقدمات ومآلات.

إن حديث النفس هو حديث تبرير وإن حديث العقل هو حديث تفسير، النفس أميل للعب دور الضحية أو البطولة، والعقل أجرأُ على طرح الأسئلة وعلى ربط النتائج بالأسباب وعلى تحديد المسؤوليات.

twitter.com/bahriarfaoui1
التعليقات (0)