كتاب عربي 21

"جمهورية البلطجة الجديدة.". مفاهيم ملتبسة (71)

سيف الدين عبد الفتاح
يمثل التصريح بالهدم تهديدا لمن يريد الترشح- عربي21
يمثل التصريح بالهدم تهديدا لمن يريد الترشح- عربي21
في ردود فعل واسعة حول تصريحات السيسي بشأن تكلفة هدم مصر، وجدت أن الكثيرين قد أبدوا استغرابهم وعدم تصديقهم أن يكون هذا الكلام قد صدر عنه، وأنه لا يمكن أن يكون قد قال ذلك، وأن احتمالية أن تكون هذه التصريحات ملفقة هي الأقرب إلى المنطق، ولكني لم أستبعد ذلك، وإن كنت قد توقعت أن يكون هناك جزء مفتقد أو غائب عن كلامه اتهم فيه ثورة يناير بذلك.. ولم تمر ساعات قليلة، إلا وقد استكمل ذلك التصريح الكارثي الذي أشار فيه إلى أنه تحدث أمام مجلس القضاء الأعلى بقدرته على أن يهدم مصر في فترة وجيزة وبتكلفة لا تذكر، قائلا: "ممكن أهد مصر بـ2 مليار جنيه، أدي باكتة، وعشرين جنيه، وشريط ترامادول لـ10000 إنسان ظروفه صعبة أنزله يعمل حالة"، بتفسير إجرامي له بشأن ثورة 25 يناير، محاولا أن يدفع عن نفسه تهمة البلطجة، ومحاولا التوضيح أنه كان شاهدا باعتباره مدير المخابرات الحربية وأن ذلك ما حدث في الثورة قائلا: "وأنا كنت امبارح بكلمكم أن اللي كانوا بينزلوا الأشرار كانوا بينزلوهم بعشرين جنيه وشريط ترامادول".

تصريح إدارة البلطجة، أو الإدارة بالبلطجة، بل وجميع تصريحاته في المؤتمر الذي أسماه "حكاية وطن بين الرؤية والإنجاز" نتفق مع وصف المؤرخ "خالد فهمي" لها على منصة "إكس" بأنها تفوق كل ما قاله طوال فترة حكمه لمصر: "في التلات أيام دي، السيسي قال كلام وأدلى بتصريحات فاقت في عوارها وخطورتها كل ال قاله طوال سنوات حكمه العشرة"..

التفسير المباشر للتصريحات أن السيسي يهدد مصر والمصريين وكل من يفكر في عدم دعمه أو مساندته بأي شكل من الأشكال ليستمر في كرسي السلطة له وجاهته أيضا، خاصة وأنه في الانتخابات السابقة هدد من يريد الترشح

نعم هكذا يجب تقييم هذه التصريحات خاصة وأنها جاءت في المؤتمر الذي أعلن فيه ترشحه للرئاسة لفترة مغتصبة بالتعديات الدستورية الأخيرة، وقد مهّد لتعديلات/ تعديات دستورية مرتقبة بقوله: "أُعلن ترشحي لفترة رئاسية جديدة" ولم يقل الأخيرة، وهو إن دل على شيء إنما يدل على عدم احترامه للدستور، وهو أمر موثق خاصة فيما يتعلق بثورة 25 يناير. فعلى الرغم من أن الدستور بتعديلاته أو تعدياته يعترف بالثورة ويحترمها ويطالب بتقدير دورها في نهضة ونهوض الشعب المصري، إلا أن رئيس منظومة الثالث من يوليو يحرص في كل مناسبة على تشويه الثورة واتهامها بالمسؤولية عن كل ما حدث ويحدث وسيحدث في مصر.

إن التفسير المباشر للتصريحات أن السيسي يهدد مصر والمصريين وكل من يفكر في عدم دعمه أو مساندته بأي شكل من الأشكال ليستمر في كرسي السلطة له وجاهته أيضا، خاصة وأنه في الانتخابات السابقة هدد من يريد الترشح قائلا: "اللي هيقرب من الكرسي هشيله من فوق الأرض شيل"، وقد كان من عواقب ذلك التصريح ما وقع على "سامي عنان" و"أحمد شفيق"، بحبس الأول وفرض الإقامة الجبرية على الثاني. وها هو السيسي يكرر تهديده لمصر والمصريين بعبارة أخرى، أنه قادر على هدم مصر وهدها، وأنه يستطيع أن ينزل الجيش في ست ساعات، وذلك ضمن هجمة الهدم الأولى للمباني المخالفة؛ مؤكدا في تصريحه الأخير أن التكلفة في متناول اليد، ودلل على تفاهتها بأن البعض ينفقها في حفلة واحدة.

كذلك من الشواهد التي يمكن أن تؤكد أنه يقصد ما يقوله؛ "موقعة الجمل" إبان أيام ثورة يناير وما جرى فيها، وهناك من الشهود والتقارير الرسمية التي تؤكد بما لا يدع مجالا للشك تورطه شخصيا في هذه الجريمة النكراء التي تعرضت لها ثورة يناير في الثاني من شباط/ فبراير 2011، حيث هاجمت قطعان البلطجية ميدان التحرير من كل جانب وكادت أن تفتك بالميدان وأهله، وهو يعلم شخصيا وبدقة وقد تكون لديه تسجيلات وسجلات؛ عن ذلك اليوم وما حدث فيه، وقد قام بإدارته.

في الوقت نفسه لا نقلل من التفسير الأول الخاص بإلصاق تهمة البلطجة بثورة يناير، وأنه يقصد أن يحذر الناس من مخططات التخريب والتدمير لمصر، ولكن إصراره على أنه الوحيد القادر على مواجهة هذا التخريب هو أمر غير صحيح على الإطلاق، فما تعرضت له البلاد خلال السنوات العشر الماضية أمر لا يمكن تصوره على كافة المجالات والاتجاهات، وإن عمليات التخريب والهدم والتفريط والبيع غير مسبوقة، بل إن الأكثر إدراكا من جانب جميع الأطراف في الداخل والخارج أن هذه المنظومة التي يقودها لم تتوان عن التضحية بمقدرات البلاد الاستراتيجية والأمنية لكل الأطراف الإقليمية والدولية المحيطة، سواء في نهر النيل، أو تيران وصنافير، أو الموانئ الاستراتيجية أو الشركات الناجحة، ناهيك عن عملية التسليع التي تمارسها هذه المنظومة في كل مجالات الحياة في مصر وخاصة فيما ينفع الناس، حيث يتم النظر إلى أي إنفاق في التعليم أو الصحة وغيرهما على أنه خسارة متوقعة، وأن هذه الأموال لو تم إيداعها في البنوك لحققت عوائد ضخمة، مع مطالبة الناس بتدبير أمورهم الصحية والتعليمية وأن ذلك مسؤوليتهم المباشرة.

إصراره على أنه الوحيد القادر على مواجهة هذا التخريب هو أمر غير صحيح على الإطلاق، فما تعرضت له البلاد خلال السنوات العشر الماضية أمر لا يمكن تصوره على كافة المجالات والاتجاهات، وإن عمليات التخريب والهدم والتفريط والبيع غير مسبوقة، بل إن الأكثر إدراكا من جانب جميع الأطراف في الداخل والخارج أن هذه المنظومة التي يقودها لم تتوان عن التضحية بمقدرات البلاد الاستراتيجية والأمنية لكل الأطراف الإقليمية والدولية المحيطة

إن مسألة التسعير التي يتبناها رئيس منظومة الثالث من يوليو قديمة قِدم وصوله إلى السلطة في مصر، فهو القائل في أحد المؤتمرات خلال فترته الرئاسية الأولى: "والله العظيم أنا لو ينفع اتباع لاتباع"، ومن ثم فلن يكون غريبا عليه أن يتحدث في مؤتمر ترشيح نفسه لفترة رئاسية جديدة وثالثة أن "يطالب شباب الجامعات المصرية بتحقيق ثروة محترمة (رقم محترم) من خلال التبرع بالبلازما أسبوعيا، ويفتخر بفكرته على اعتبار أنها فكرة مبتكرة وعبقرية، وهو الأمر الذي يدفعنا للتساؤل عن منظومة القيم التي يعبر عنه ويتبناها ويؤمن بها. فتأمل هذه التصريحات يؤكد أنه لا يدرك وجود القيم من الأساس، ولا يعرفها من قريب أو بعيد، فحديثه سابقا عن عرض نفسه للبيع، وحديثه مؤخرا عن بيع الشباب للدم، يعبر عن افتقاده لمنظومة القيم الأساسية والتأسيسية، وأنه لا يكتفي بذلك وإنما يرغب في نشر ذلك في المجتمع وترويجه، وهو دور آخر خطير جدا يجب التنبه إليه وضمه إلى ما قام به من هدم وإهدار وتفريط وإضرار بمقدرات البلاد والعباد في مصر على كافة النواحي والمستويات.

مثل هذا المستوى من الانحدار وتوريطه لكل مؤسسات الدولة وسلطاتها، وإصراره على تشويه الجميع وربطه بمشروعه التخريبي التدميري لمصر مكانا ومكانة وكيانا وإنسانا؛ لهو أمر شديد الخطورة، ويجب علينا أن نتيقن بأنه يقصد ما يعنيه بدقة، فهو لم يكن غافلا عندما أشار إلى أنه تحدث عن هدم البلد وتخريبها بملياري جنيه أمام المجلس الأعلى للقضاء، فهذه المؤسسة هي المنوط بها تنفيذ القانون وضبطه وإحكامه، ولكن هو يحدثها عن وضع فوضوي أول ما يغيب عنه هو القانون، كما أنه كان أيضا حريصا على ربط باقي مؤسسات الدولة معه في استشهاده برئيس مجلس الوزراء وبوزير النقل، وفي اليوم التالي بوزير الدفاع.

فتخيل أنه في هذا التصريح الكارثي وتوضيحه الإجرامي أضر بمؤسسات الدولة جميعا، وأشركها معه في التصريح بتفسيريه سواء المباشر البلطجة، أو غير المباشر بتشويه ثورة يناير، ولم يجد من يردّه أو يصحح له. ولن تنفعه محاولات أجهزته الرسمية السيادية والإعلامية محاولة حذف الفيديو، وتعطيل الحسابات على مواقع التواصل الاجتماعي التي تقوم بنشره، وإن كانت محاولات الحذف هذه تثبت عليه الاتهام وتؤكده.

مثل هذا المستوى من الانحدار وتوريطه لكل مؤسسات الدولة وسلطاتها، وإصراره على تشويه الجميع وربطه بمشروعه التخريبي التدميري لمصر مكانا ومكانة وكيانا وإنسانا؛ لهو أمر شديد الخطورة، ويجب علينا أن نتيقن بأنه يقصد ما يعنيه بدقة، فهو لم يكن غافلا عندما أشار إلى أنه تحدث عن هدم البلد وتخريبها بملياري جنيه أمام المجلس الأعلى للقضاء

وفي هذا المقام علينا أن نقرأ كل هذا في اعتماد منظومة السيسي في جمهوريته الجديدة البلطجة كاستراتيجية تقوم على ساقين؛ أحدهما بلطجة الشارع التي كانت عهدة "نخنوخ"، زعيم البلطجية في مصر الذي حُبس وسُجن سجنا يمارس فيه كل أدواره من داخل سجنه بحرية تامة؛ فأبدى وزير الداخلية الأسبق "محمد إبراهيم" أن "نخنوخ" وهو في سجنه طلب من وزير الداخلية أن يرسل له في ذات محبسه أحد قادة الإخوان حتى يقوم بتربيته كما أشار زعيم البلطجية..

إن حلف السلطة والبلطجة يكاد يكون حلفا رسميا برز هذا الحلف كأداة لعصابة العسكر في تسيير الأحداث إبان ثورة يناير وما بعدها، وليس هناك من دالة واضحة فاضحة أن تكون شركة فالكون للأعمال الأمنية والتي تقوم بعمل حقير وخطير خاصة ضد قوى فاعلة وناشطة في المجتمع السياسي مثل الحركة الطلابية في الجامعات، فأسند إلى الشركة القيام بتأمين الجامعات بعد أن زاد نشاط الطلبة آنذاك في الاحتجاج على الانقلاب ومواجهته.. تخيل أن شركة فالكون تلك قد آلت في ملكيتها لـ"نخنوخ" زعيم البلطجية؛ الذي نال قبلها عفوا رئاسيا لأسباب صحية، كما نال طلعت مصطفى (المتهم بالقتل) وتابعه عفوا رئاسيا مماثلا.

أما الساق الثانية فهي بلطجة تجارة المخدرات والفساد التي تُربط بـ"العرجاني" كساق لمنظومة العسكر في سيناء مقابل إطلاق يده في فساد عريض؛ إنها منظومة البلطجة التي سكنت بر مصر في "مصر المحبوسة في ظل الجمهورية الجديدة المزعومة.

twitter.com/Saif_abdelfatah
التعليقات (1)
بدر 2
الخميس، 05-10-2023 10:12 ص
"شرط الحكم أن يكون أمانة بأمان الناس و البلد و ليس أمانة دولة أخرى" الجيش المصري سنة 1956 كان يفتقر للطيران و مضادات الطيران مجرد وحدات برية بأسلحة متوسطة و خفيفة متباعدة الخطوط و شبكة الاتصالات شبه منعدمة .. لكن بعدها في 1967 و 1973 كان هناك جيش مصري يضاهي جيوش دول مجتمعة بتسلح وعدة كبيرتين .. المشكل كان في الاستراتيجية و التكتيك و ليس في اللوجستيك .. و غلبة القرار السياسي العنجهي (السادات) على القرار العسكري الاستراتيجي (الشاذلي) و هو ما يحصل لحد اليوم الجيش المصري الأكبر إفريقياً مكبل سياسياً من الجبهة الشرقية باتفاقية كامب ديفيد .. و جنوباً باتفاقية إعلان المبادئ (والله والله والله) الغبية التي لا سمح الله سترهن الأمن المائي لمصر .. إذن الجيش موجود و لكنه ألعوبة في يد قادته فتارة بمعونة يمنع من دوره الدستوري في الدفاع عن البلد و يشغلونه بمهام خارجة عن نطاق تحت مسمى الاقتصاد الحربي فأصبح يركز على إنتاج الدواجن و الزراعة و تربية المواشي بدل تطوير السلاح و المناورات و التدخلات العسكرية لحماية المصالح الاستراتجية العليا للبلد .. سؤال المصير ؟ تجارب التقدم العربية و معوقاتها هناك فرق شاسع بين الخدمات العمومية تعليم و صحة و إقتصاد و بين التسلية كرة قدم و طرب و سينما يقول السادات أخطاء دهر كامل في الديمقراطية لا يوازي ساعة واحدة من الديكتاتورية .. الشعوب الحية تهتف للحرية و الحقوق و ليس علان و فلان .