قال الوزير
التونسي السابق وأستاذ القانون الدستوري، الدكتور عبد الوهاب معطر، إن الرئيس قيس سعيّد "لن يقوم بإجراء انتخابات رئاسية في 2024، كما هو مقرر لها، وأتوقع قيامه بالإعلان عن أيّة تخريجة عبثية جديدة تسمح له بالاستمرار في سدة الحكم، مُستغلا دستوره الباطل بأي صورة من الصور".
وشدّد معطر، في مقابلة خاصة مع "عربي21"، على أن سعيّد "سيظل يتشبث بالسلطة لأبعد مدى، ولآخر لحظة في حياته، بغض النظر عن أي تداعيات لهذا الأمر، حتى وإن كانت فادحة، وهذا ما يتمناه ويخطط له بالفعل، لكن إرادة شعبنا في الأيام المقبلة سيكون لها رأي آخر".
ورأى أن "الاتحاد العام التونسي للشغل يتموقع تحت سقف انقلاب 25 تموز/ يوليو بصورة انتهازية، لأنه كان طرفا فاعلا في ما يسميه الآن (عشرية سوداء)، وهو لا يخوض معركته على أساس وطني، بل على أساس الحرص على وجوده كنقابة مركزية في مواجهة سلطة فرعونية لن ترضى إلا بتهميشه".
اظهار أخبار متعلقة
وأشار معطر إلى أن "قيادة الاتحاد الحالية ستصبح موالية للرئيس الانقلابي وبوقا له بمجرد أن يرمي لها بالفتات، وهو أمر ممكن ومتوقع على الأقل وقتيا، وعندئذ ستنتهي هذه القصة. وبالطبع إذا لم يحصل ذلك فإن المواجهة بين الطرفين ستستمر وستتنوع الأسلحة وستبرز ملفات ومحاكمات".
وإلى نص المقابلة الخاصة التي أجرتها "عربي21":
ما أبعاد قرار الرئيس قيس سعيّد حل جميع المجالس البلدية في تونس؟
دعني أشير إلى أن المجالس البلدية تنتهي عهدتها في أيار/ مايو 2023، وكان من المفترض تنظيم انتخابات لتجديدها خلال هذه الأيام، لكن الرئيس لم يقم بدعوة الناخبين لذلك، بل إنه قرّر بجرة قلم حل هذه المجالس جميعها، وعددها 354. وقرار الحل يتعارض تماما مع القانون النافذ، وخاصة مع الفصل 204 من مجلة السلطة المحلية في تونس الذي يُحدد شروط حل أي مجلس بلدي بعينه وليس جميع المجالس.
وقرار حل جميع المجالس فضلا عن دوسه للقوانين يدل على أن هذا الرئيس يضمر شرا بالتنظيم اللامركزي، وهو يريد القضاء عليه ووضع نهاية له بدليل أنه استبدل الآن المجالس البلدية المُنتخبة بنيابات خصوصية تابعة له، وذلك لأمد غير مُحدد نعتقد أنه سيطول لحين تطويع الواقع الميداني لرغبات سلطة مركزية متغولة مبتلعة لمبدأ التدبير المحلي الديمقراطي بما يتماشى مع البناء القاعدي المفكك لمؤسسات الدولة التونسية والطارد للكفاءات المحلية لاستعاضتها بالحشود الموالية.
لكن البعض يرى أن قرار حل المجالس البلدية من شأنه أن يقضي على "اللامركزية" أحد المبادئ التي نادت بها ثورة 2011.. ما تعقيبكم؟
نعم. وهو كذلك فعند قراءة المرسوم عدد 8 الصادر في 8 آذار/ مارس الجاري المتعلق بتنقيح القانون الانتخابي يتضح أن الرئيس ماضٍ في مشروعه السلطوي القائم على اعتبار نفسه سوبرمان بمثابة الشمس التي تدور وفقها وحولها جميع الكواكب الأخرى، مركزية كانت أو محلية؛ إذ أغرق البلاد بعدد ستة أصناف من المجالس هي مجالس بلدية، ومجالس محلية، ومجالس جهوية، ومجالس إقليمية، ومجلس جهات وأقاليم، ومجلس نواب، وبعض هذه المجالس يقع تصعيدها بالقرعة وعلى أساس صلاحيات غير معروفة إلى حد الآن، لكن طريقة تشكيلها وموقعها ودورها سيقع ضبطها مستقبلا بطريقة تؤمّن للرئيس الهيمنة المطلقة والسلطة الفرعونية على جميع مفاصل البلاد بما في ذلك المجالس البلدية. نحن أمام خطة خبيثة وخطيرة للغاية لتفكيك المجتمع والعبث الصرف في مؤسسات الدولة بما ينذر بمستقبل مخيف.
لماذا دخل قيس سعيّد في حالة عداء مع كل المؤسسات المُنتخبة قبل مجيئه للسلطة؟
هذه حقيقة ملموسة وواقع معاش؛ فالرئيس الذي هو نكرة سياسية ولم يسبق له الاشتغال بالشأن العام صادف أن التقى ذات يوم في مطلع عام 2011 بمجموعة يسارية تروتسكية تؤمن بالبناء القاعدي، كما روّج له كومونة باريس -أو الثورة الفرنسية الرابعة- والمنظرة الماركسية والفيلسوفة روزا لوكسمبورغ، والقادة الفوضويون في أوروبا الذين يعادون الديمقراطية المؤسسية والتمثيلية ويدعون إلى نظام قاعدي مجالسي مكون من حشود يربط بينهم قائد مُلهم يعرف ما تريده هذه الحشود، وينفرد بالسلطات جميعها دون حسيب أو رقيب.
وبالطبع فعلى الرغم من أن هذه الرؤية فشلت تاريخيا، وأدت إلى الفوضى، حتى في الحالات القليلة التي جُربت فيها فإن الرئيس التونسي وجماعته مُصرّون على تنزيلها في البلاد دون النظر إلى العواقب. ومن ثمة فإنه من الطبيعي أن يكون أول عمل يقوم به الرئيس هو هدم المؤسسات القائمة وتدمير منظوماتها ليتولى على انقاضها وضع بنائه القاعدي. ونحن نقول من الآن إن هذا المشروع مآله الفشل الذريع، لكن للأسف ستكون كلفته باهظة جدا على البلاد والعباد؛ فمعمر القذافي فشل على الرغم من دولارات البترول؛ فكيف سينجح قيس
سعيد، وهو الذي غدا عاجزا عن توفير المواد الأساسية للمواطن؟
البرلمان الجديد سيعقد أولى جلساته اليوم الاثنين.. فما هو المأمول من هذا البرلمان برأيكم؟
بقطع النظر أن هذا البرلمان غير شرعي وقاطعه الشعب، وهو مكوّن من طوائف ساندت الانقلاب على دستور 2014 ومؤسساته فإنه سيشتغل على دستور قيس سعيد لسنة 2022. وهذا الدستور قلّص من صلاحيات البرلمان إلى حد أنه لم يعد من الصواب تسميته ببرلمان كمصطلح متعارف عليه في القانون الدستوري والأنظمة السياسية؛ فهو لا يعدو أن يكون إلا مجرد غرفة مصادقة على قرارات سلطوية لرئيس متغول. إنه ديكور لديمقراطية مزيفة لا أكثر ولا أقل. وفي أقصى الحالات، وفي صورة خروج بعض مكوناته عن الطاعة والانسجام، فإن للرئيس أدوات لتأديبها ومحاصرتها. ونحن ندعو لعدم الاعتراف بهذا البرلمان الباطل واعتبار جميع ما سيصدر عنه باطلا تماما مثل جميع ما صدر وسيصدر عن الرئاسة .
كيف تقيم علاقة الاتحاد العام التونسي للشغل مع الرئيس قيس سعيّد منذ قرارات 25 تموز/ يوليو 2021؟
إن رصد مواقف
اتحاد الشغل يؤكد أن هذا الأخير يتموقع تحت سقف انقلاب 25 تموز/ يوليو بصورة انتهازية، لأنه كان طرفا فاعلا فيما يسميه الآن "عشرية سوداء"، وهو علاوة على ذلك وطوال أكثر من سنة ونصف، أجهد نفسه جهدا جهيدا لتطبيع علاقته مع الانقلابي فقدم مقترحات وأثنى على قرارات وخطب ود المنقلب لكن دون جدوى، لأن هذا الأخير يعادي كل من يريد لعب دور في البلاد غيره بما يعني بالنسبة لاتحاد الشغل التقزيم وربما الفناء في الأمد المنظور، وهو ما يفسر تصعيد لهجة الاتحاد في الأشهر الماضية.
والاتحاد لا يخوض معركته على أساس وطني، بل على أساس الحرص على وجوده كنقابة مركزية في مواجهة سلطة فرعونية لن ترضى إلا بتهميشه. وبمعنى آخر فإن قيادة الاتحاد الحالية ستصبح موالية للانقلابي وبوقا له بمجرد أن يرمي لها الانقلابي بالفتات. وهو أمر ممكن ومتوقع على الأقل وقتيا وعندئذ ستنتهي هذه القصة. وبالطبع إذا لم يحصل ذلك فإن المواجهة بين الطرفين ستستمر وستتنوع الأسلحة وستبرز ملفات ومحاكمات.
كيف ترى تداعيات التصريحات التي وُصفت بـ"العنصرية" وقد أدلى بها قيس سعيّد بحق المهاجرين غير النظاميين من دول أفريقيا جنوب الصحراء؟
دون الدخول في النيات فإن الاطلاع على بلاغ رئاسة الجمهورية إثر اجتماع مجلس الأمن القومي كاف لتأكيد المحتوى العنصري الفظ لهكذا بلاغ يتحدث عن مؤامرة التغيير الديمغرافي والاستبدال. زد على ذلك انطلاق تصرفات عنصرية ميدانية قامت بها بعض الفئات ضد الأفارقة وإسراع بعض الدول الإفريقية بإجلاء رعاياها. هذه مواقف وتصرفات غريبة عن شعبنا الذي نظم احتجاجات معادية لها.
وشخصيا، أشفق على أعضاء مجلس الأمن القومي كيف انساقوا إلى هكذا بلاغ عنصري يقطر تحريضا على إخواننا الأفارقة. طبعا استمات الرئيس الانقلابي ووزير خارجيته في الرد والتبرير ودفع التهمة، لكن سَبق السيف العَذَلَ، وأنا أشعر بالمرارة لمجرد التفكير في إدراج بلادي ضمن الدول المُتهمة بالعنصرية بسبب تصرفات الانقلابي الرعناء. إنها وصمة عار حقا.
قبل أشهر، صرّحت، في مقابلة سابقة مع "عربي21"، بأن من وصفتهم بالعقلاء والشرفاء داخل المؤسسة العسكرية والأمنية، وكل المؤسسات الأخرى في الدولة التونسية، "سيكون لهم تحرّك خلال الفترة القليلة المقبلة من أجل وقف استمرار حالة الانهيار غير المسبوقة التي تشهدها البلاد"، لكننا لم نجد أي تحرك لهؤلاء حتى الآن.. لماذا؟
نعم الانهيار يتفاقم وكل يوم يبقى فيه الانقلاب جاثما على صدورنا سيتسبب للبلاد في خسائر يصعب تداركها. وأمام هذا الوضع فإن كل مواطن تونسي، مهما كان موقعه، مطلوب منه العمل على إيقاف هذا النزيف الحاد. وطالما أن الجروح كانت، وما زالت، تنزف، فإنه سيقع التفطن لها تدريجيا من طرف المواطنين ومن طرف مؤسسات الدولة، وعندئذ يبقى الخيار لديها إما أن تترك الجثة تفرغ دماؤها أو تسارع لتضميد جروحها. وهذا الموعد لن يطول كثيرا، وستُشفى تونس من جراحها وترجع إلى مواطنيها قريبا بحول الله.
ما خطورة تصاعد الأزمة بين الرئيس والمعارضة في تونس؟
لقد استبدلت القوى الوطنية المناهضة للانقلاب تسميتها من معارضة إلى مقاومة، وشتان بين المصطلحين؛ فعبارة معارضة تعني مسبقا وجود دولة منظمة بقواعد لعبة قانونية تحدد العلاقة بين السلطة ومعارضيها في إطار ديمقراطي، لكن عندما تنتفي قواعد اللعبة هذه ويقع إلغاء الدستور والقانون فإنه لا معنى لمعارضة لا وجود لقانون يحميها ويضمن دورها، وتصبح بذلك رغما عنها مقاومة تتصدى للعدوان اللاقانوني عليها، وهو بالضبط ما آل إليه الوضع للمعارضة التونسية فهي اليوم ومع اتساعها في مواجهة سلطة رعناء لا تحترم أدنى المعايير القانونية دمّرت جميع مؤسسات الدولة وركّعت أهم صرح فيها، وهي المؤسسة القضائية، وأطلقت نزواتها لاختطاف واعتقال المناهضين لها في دوس بالحوافر للإجراءات والقوانين النافذة، وهدفها من ذلك هو تركيع المقاومين وتخويفهم وإذلال الشعب من ورائهم، لكن المقاومة صرخت بأنها لن تخاف ولن تستكين بما يؤشر على تواصل زخمها مع الأيام، وهي ستقبر هذا القوس المرعب في تاريخ تونس، و لا مفر من ذلك.
وبالتالي هل المرحلة القادمة ستشهد مزيدا من التصعيد والتأزم، أم إنها ربما تتجه نحو الحل؟
نحن متفائلون عقلا وقلبا؛ فمن الناحية المنطقية نقول إن السلطة الحالية ليس لها المقومات الدنيا للاستمرار؛ فهي تسوس البلاد بالعبث الصرف في جميع المجالات وتفتقر قراراتها وتصرفاتها إلى العقلانية الأولية، وهي عاجزة عن تقديم حلول لما تردت فيه البلاد اقتصاديا وماليا واجتماعيا، وهي قد عزلت نفسها داخليا بحكم تزايد غضب النخب وفئات واسعة من الشعب، كما عزلت نفسها دوليا بسبب سوء إدارتها للعلاقات الدبلوماسية، حتى مع الدول والمؤسسات الدولية المقرضة، وهي لا تملك إلا محاولات بائسة لقمع المقاومة والتسويق لشعارات شعبوية جوفاء على أمل اكتساب رضا مناصرين لها ما انفكوا في تقلص متزايد.
إن هذه الوقائع، وغيرها، تؤكد أن هذا الوضع لن يطول، وأن التغيير قادم لا محالة قريبا. لكن الأهم هو التحكم في هذا التغيير لكي يكون ديمقراطيا وموصول باستحقاقات الثورة التونسية، وهو التحدي الثاني المطروح على المقاومة التونسية التي تشتغل من أجل بلّورة مستقبل ديمقراطي لما بعد قيس سعيد. وأن تونس، وبعد عشرية ديمقراطية على نقائصها، لن تنتكس ديمقراطيتها ولن تهدر استحقاقات ثورتها وستزهر قريبا، وما انتكاستها الماثلة اليوم إلا حدث عرضي في مسار شعبها.
أخيرا، هل تعتقد أن الانتخابات الرئاسية المقبلة ربما تكتب نهاية قيس سعيّد؟
أؤكد لكم أنه لن يتم إجراء انتخابات رئاسية في 2024 كما يتوهم البعض؛ فلا يوجد أي شيء في قاموس الرئيس الانقلابي يدعوه لإجراء انتخابات رئاسية خلال العام المقبل ذلك أن الأساس الدستوري لهذه الانتخابات المفترضة هو دستور 2014 الذي يحدد نهاية عهدة الرئيس في 2024، لكن هذا الدستور وقع إلغاؤه من طرف الانقلابي، وبالتالي تلغى بذلك العهدة ومدتها ونهايتها في 2024.
وبوضوح أكثر فإنه من الناحية الدستورية الصرفة فإنه بإلغاء دستور 2014 تنتهي أوتوماتيكيا عهدة الرئيس وشرعيته، والمنطق الدستوري يقتضي منه الإسراع بتنظيم انتخابات رئاسية جديدة على قاعدة دستوره الجديد الذي دخل حيز النفاذ في آب/ أغسطس 2022، حتى يخرج من وضعية اللاشرعية الدستورية. لكن قيس سعيّد لم يفعل ذلك، مما يجعله فاقدا تماما للشرعية ومغتصبا للسلطات منذ آب/ أغسطس 2022 تاريخ إلغاء دستور 2014 وتكريس دستوره الجديد الذي لم يقم حتى بأداء اليمين الدستورية على أساسه، وأن انعدام شرعية قيس سعيّد من الناحية القانونية الصرفة متواصلة إلى اليوم وستستمر إلى غاية تنظيم انتخابات رئاسية جديدة، وهو رأي دستوري ستؤكده أيّة محكمة دستورية.
وبناءً على هذه المعطيات الثابتة، وما دمنا في سياق عدم الشرعية الدستورية على وضوح مبناها القانوني، فإن توقع إجراء انتخابات رئاسية في 2024 بالاستناد على دستور مُلغى هو وهم وبلاهة قانونية وسياسية.
وأنا أتوقع قيام قيس سعيّد بالإعلان عن إجراء انتخابات رئاسية في أي تاريخ يروقه ويراه مناسبا له، وذلك بالاستناد على أيّة تخريجة عبثية جديدة تسمح له بالاستمرار في سدة الحكم. إن هذا الرجل سيظل يتشبث بالسلطة لأبعد مدى، ولآخر لحظة في حياته، بغض النظر عن أي تداعيات لهذا الأمر، حتى وإن كانت فادحة، وهذا ما يتمناه ويخطط له بالفعل، لكن إرادة شعبنا في الأيام المقبلة سيكون لها رأي آخر.