أثار مشروع قانون جديد يتيح للحكومة
المصرية الاطلاع على حسابات البنوك لغرض الضرائب لتمويل عجز الموازنة، في خطوة وصفها مراقبون بأنها تنتهك خصوصية وسرية حسابات الأشخاص، وقد تؤدي إلى عزوف المواطنين عن الإيداع في البنوك وسحب مدخراتهم.
وكانت حكومة رئيس سلطة الانقلاب عبد الفتاح السيسي أحالت، الأربعاء، مشروع قانون ينص على إدخال تعديل على قانون الإجراءات الضريبية الموحد، يتم السماح للبنوك بمقتضاه بالإفصاح عما لديها من معلومات لأغراض تبادل المعلومات؛ تنفيذا للالتزامات الواردة في الاتفاقية الدولية الخاصة بالضرائب والنافذة في مصر.
بدوره، أحال رئيس مجلس النواب المصري مشروع القانون المقدم من الحكومة بتعديل بعض أحكام قانون الإجراءات الضريبية الموحد، الصادر بالقانون رقم 206 لسنة 2020 إلى لجنة مشتركة من لجنة الخطة والموازنة، ومكتبي لجنتي الشؤون الدستورية والتشريعية، والشؤون الاقتصادية.
وبعد ساعات من إحالة المشروع إلى البرلمان، ضجت وسائل التواصل الاجتماعي بمشروع القانون، واتهموا الحكومة بمحاولة الاطلاع على حسابات المواطنين، وحذروا من مغبة إقرار المشروع القانون على عملاء البنوك، خاصة من المستثمرين والتجار ورجال الأعمال.
في محاولة لاحتواء ردود الفعل السلبية على مشروع القانون، قال البنك المركزي؛ إن مشروع قانون تعديل بعض أحكام قانون الإجراءات الضريبية الموحد المقدم من الحكومة، يتعلق فقط بتبادل المعلومات مع السلطات الضريبية الأجنبية، وليس مع مصلحة الضرائب المصرية للأغراض المحلية، وأن ذلك سيتم تنفيذا لأحكام الاتفاقية الدولية، التي تلتزم بها جميع الدول الأعضاء في المنتدى العالمي للشفافية، وتبادل المعلومات للأغراض الضريبية، الذي تأسس مـن قبـل مجموعة العشرين ومنظمة التعاون الاقتصادي، وانضمت له مصر عام 2016.
إظهار أخبار متعلقة
المركزي المصري يعلق
ونفى البنك المركزي المصري، في بيان له مساء اليوم ذاته، أن يكون مشروع القانون المشار إليه يمس سرية حسابات عملاء البنوك في مصر، التي وضع قانون البنك المركزي والجهاز المصرفي ضمانات مشددة لحمايتها، حيث كفل حماية سرية بيانات عملاء القطاع المصرفي، وحساباتهم وودائعهم وأماناتهم وخزائنهم في البنوك، وكذلك سرية المعاملات المتعلقة بها.
وبحسب البيان، ينص القانون على أنه لا يجوز الاطلاع عليها أو إعطاء بيانات عنها لأي جهة بطريق مباشر أو غير مباشر، إلا بإذن كتابي من صاحب الحساب أو الوديعة أو الأمانة أو الخزينة أو من أحد ورثته أو من أحد الموصى لهم بكل هذه الأموال أو بعضها، أو من نائبه القانوني أو وكيله، أو بناء على حكم قضائي أو حكم تحكيم.
عين الحكومة على حسابات المواطنين
انتقد المستشار السیاسي والاقتصادي الدولي ورئيس جامعة كامبردج المؤسسية بسويسرا، حسام الشاذلي، القرار وقال؛ إن "النظام في ظل الظروف الاقتصادية الحالية، يوظف كل أدوات السياسة والحكم، وحتى منظومة العدالة من أجل محاولة إنقاذ ما لا يمكن إنقاذه، ومن أجل البحث عن الممكن وغير الممكن؛ من أجل إنقاذ نظام تجره الأزمة الاقتصادية إلى هوة سحيقة، وعلى رأس تلك الأدوات المسيسة، ذلك البرلمان الذي قد بات (ترزي) لقوانين النظام بعيدا عن الشعب، لا يمثله ولا يشعر بنبض معاناته التي بات يعرف عنها الأقصى قبل الأدنى".
وأضاف في حديثه لـ"عربي21"؛ "إن القوانين الاقتصادية للمنظومة البنكية في مصر تنظم التعاملات على حسابات المواطنين وودائعهم بصورة كاملة، مثلها مثل باقي المنظومات البنكية في العالم، حيث تبدأ مع عملية الكونترول والمراقبة على مصادر الأموال من بداية عملية الإيداع، مارة بكل معايير المراقبة على التحويلات والمعاملات البنكية المحلية أو الدولية، وبإشراف مباشر من البنك المركزي".
وتابع: "ولذلك، فأنا أزعم بأن ذلك القانون غير المسبوق الذي يسمح للحكومة بالاطلاع على حسابات المواطنين وودائعهم، يمثل سابقة بنكية غير معروفة، هدفها الرئيسي هو التمهيد لإجراءات قانونية وبنكية مفتعلة؛ لتجميد بعض الحسابات ومصادرة الأموال والودائع لحساب الحكومة وأزمتها الاقتصادية، وهو أمر جلل قد يعجل بعواقب عدم الاستقرار، وسيزيد من وتيرة هروب المستثمرين أجانب ومصريين وبصورة أسرع بكثير، حيث لا يمكن الاستثمار في مناخ لا يضمن الحماية البنكية للمودعين".
إظهار أخبار متعلقة
إنهاك الاقتصاد وانتهاك الحقوق
قال المحلل السياسي والاقتصادي، محمد السيد؛ إن "الحالة المزرية التي وصلت إليها مصر في ظل هذا الحكم الفاسد المبدد لثروات الشعب المصري، قد عجز تماما عن إيجاد مخرج لكوارثه المتلاحقة في إدارة البلاد بعدما تفاقم عجز الموازنة، وارتفاع الدين الخارجي بشكل غير مسبوق أدى إلى انهيار تاريخي لقيمة الجنيه أمام الدولار، والخضوع للشروط المجحفة من صندوق النقد الدولي للحصول على المزيد من القروض".
وأضاف في تصريحات لـ"عربي21": "محاولة النظام تعظيم ايراداته بفرض المزيد من الضرائب لم يعد كافيا، فعاد إلى ما طرح من قبل عام 2018 بالكشف عن
الحسابات البنكية، وخرق قانون البنك المركزي والجهاز المصرفي والنقد في المادة 97، التي تنص على أن: تكون جميع حسابات العملاء وودائعهم وأماناتهم وخزائنهم في البنوك، وكذلك المعاملات المتعلقة بها سرية، ولا يجوز الاطلاع عليها أو إعطاء بيانات عنها بطريق مباشر أو غير مباشر، إلا بإذن كتابي من صاحب الحساب أو الوديعة أو الأمانة أو الخزينة، أو من أحد ورثته أو أحد الموصى لهم بكل أو بعض هذه الأموال، أو من النائب القانوني أو الوكيل المفوض في ذلك، أو بناء على حكم قضائي أو حكم محكمين".
واستدرك: "وعندما رفض محافظ البنك المركزي طارق عامر مشروع القانون وقتها، بدعوى أن هذا الإجراء سيكون له عواقب سلبية على المستثمرين ورؤوس الأموال تراجع النظام.. فهذا القانون الذي يسعى الآن النظام لاستصداره، يأتي في نفس سياق الحصول على المزيد من الأموال، لكن على حساب المودعين بدلا من فتح آفاق جديدة للاستثمار لجذب أموال المستثمرين ودعم الصناعة لزيادة الصادرات، لكن هذا القانون يستبيح ودائع البنوك ويلغي سريتها، وأصبح تحت يد الحكومة وقت ما تشاء .