قضايا وآراء

قراءة سياسية في تفجيرات تقسيم التركية

عبد القادر النايل
1300x600
1300x600
شهد شارع الاستقلال بمدينة إسطنبول في تركيا والمعروف عالميا بمنطقة تقسيم؛ تفجيرا إرهابيا عبر حقيبة مفخخة وضعت في وسط الزحام يوم الأحد (13 تشرين الثاني/ نوفمبر 2022) راح ضحيته ستة قتلى و81 جريحا، وهو ما حدا بأجهزة الأمن التركية للتحرك سريعا لمعرفة الجاني، وفي غصون 24 ساعة جرى القبض على منفذة الهجوم والخلية الإرهابية التي خططت للعملية الإرهابية. وأعلنت السلطات التركية بشكل صريح ومباشر أن منظمة البي كي كي المصنفة إرهابية تقف وراء الجريمة البشعة.

وبعيدا عن التوصيف وأصل الجريمة لا بد من قراءة فاحصة لهذا الحدث الخطير وتوقيته ومن يقف وراءه، وهل يمكن أن يكون حدثا عارضا طبيعيا في ظل عمل منظمة حزب العمال الكردستاني التي تستهدف الشعب التركي. وللوصول إلى نتيجة علمية لا بد من وضع أسس الصراع في المنطقة من خلال معلومات ميدانية، نستطيع نحن العراقيين قراءتها لعدة أسباب؛ أهمها أن رؤوس المنظمات الإرهابية ومنها حزب العمال موجودون على الأراضي العراقية ولديهم مقرات ومعسكرات تدريبة وامتيازات مالية مخصصة من حكومة بغداد، والجميع يعلم ذلك سواء دول الجوار ومنها تركيا، والمجتمع الدولي بقيادة أمريكا. وإذا علمنا من يمول ويدعم هذه المنظمات الإرهابية يمكن أن نعرف لماذا نُفذ تفجير تقسيم وأسبابه.
رؤوس المنظمات الإرهابية ومنها حزب العمال موجودون على الأراضي العراقية ولديهم مقرات ومعسكرات تدريبة وامتيازات مالية مخصصة من حكومة بغداد، والجميع يعلم ذلك سواء دول الجوار ومنها تركيا، والمجتمع الدولي بقيادة أمريكا. وإذا علمنا من يمول ويدعم هذه المنظمات الإرهابية يمكن أن نعرف لماذا نُفذ تفجير تقسيم وأسبابه

حزب العمال الكردستاني يحتل بشكل علني وصريح أراضي عراقية وساهم بتهجير أهلها، أبرزها قضاء سنجار التابع لمحافظة نينوى العراقية. ومن أهم أسباب احتلال قضاء سنجار؛ ارتباطه بالحدود السورية التي تسيطر عليها قسد المدعومة من الولايات المتحدة الأمريكية، مما جعل التنقل بين الدولتين مفتوح بشكل انسيابي. وحتى الطيران التركي ومراقبة المنطقة لم يكونا كافيين لشل تحركات البي كي كي لأن مقاتليه استطاعوا حفر أنفاق يتحركون فيها تحت الأرض بعيدا عن كاميرات المراقبة، وينقلون الأسلحة والأشخاص من خلالها.

أما في الأراضي العراقية فإنهم ينسقون مع مليشيات الحشد الشعبي المرتبطة بالحكومة في العراق ويأخذون رواتب مالية، ولديهم تنسيق رباعي مع ميليشيات مرتبطة بإيران أبرزها بدر وسيد الشهداء والنجباء والعصائب، ومعلوم أنهم يستخدمون بنايات حكومية لإدارة تحركاتهم وتنسيقهم، ومن هذه البنايات بناية مقابل مستشفى سنوني في سنجار يجتمعون فيها بحضور ضباط من الحرس الثوري الإيراني في بعض الأحيان.

ولم يقتصر الأمر على ذلك بل إن الإيرانيين استولوا أيضا على معسكر مجاهدي خلق في ديالى ويتخذونه معسكرا لتدريب البي كي كي، ومن أبرز هذه التدريبات؛ التدريب على استخدام الطائرات المسيرة، وهذا المعسكر شأنه شأن ناحية جرف الصخر يمنع على الحكومة التقرب منه. أما سنجار فمعلوم أن حكومة بغداد عقدت اتفاقا حول القضاء مع إربيل ولم يستطع الطرفان تنفيذ هذه الاتفاقية الرامية لإعادة السيطرة على المنطقة، لوجود ميليشيات البي كي كي بالتنسيق مع مليشيات الحشد الشعبي.
رغم أن هذه المعلومات لا تخفى على القوات الأمريكية والدول الغربية، إلا أنها تغض الطرف عنها ولا تلقي لها بالا، بل هناك دعم واضح لهذه المليشيات الإرهابية، وهو ما أكدته فرنسا بزيارة ماكرون إلى بغداد

ورغم أن هذه المعلومات لا تخفى على القوات الأمريكية والدول الغربية، إلا أنها تغض الطرف عنها ولا تلقي لها بالا، بل هناك دعم واضح لهذه المليشيات الإرهابية، وهو ما أكدته فرنسا بزيارة ماكرون إلى بغداد. وفرنسا متهمة في دعم مشروع عزل سهل نينوى عن العراق، الذي بدأت خطواته الأولى بعدم السماح لسكان السهل الأصليين ولا من يجاور السهل بالرجوع إليه بمسافة خمسين كيلومترا. وتشهد هذه المنطقة تواجدا للقوات الفرنسية، التي أصبحت هي الأخرى تنسق مع المليشيات لإرسال مرتزقة إلى دول أفريقيا التي تسيطر عليها فرنسا.

ويمكن أن نقول إن هذه الخطوة تأتي للرد الفرنسي على المشاريع التركية في القارة الأفريقية التي أغضبت فرنسا التي تستولي على ثروات دول أفريقية وتغتصبها؛ لأن فرنسا تعتبر هذه الدول مرتكزا لاقتصادها ورفاهية مواطنيها على حساب المواطنين الأفارقة الذين تنظر إليهم حكومات فرنسا على أنهم عبيد ليس لهم حقوق إنسانية؛ في أبشع ما يمكن تصوره في ظل ما تسمى الديمقراطية الفرنسية، وهذا على العكس مما تقوم به تركيا في الدول الأفريقية.

وفق ه
اختيار شارع الاستقلال لتنفيذ التفجير يحمل رسائل عدة من داعمي المنظمات الإرهابية لتركيا حكومة وشعبا ومقيمين، ولدول المنطقة أيضا، منها أن نهضة تركيا الاقتصادية والعلمية والعسكرية أصبحت مصدر قلق
ذه المعطيات فإن اختيار شارع الاستقلال لتنفيذ التفجير يحمل رسائل عدة من داعمي المنظمات الإرهابية لتركيا حكومة وشعبا ومقيمين، ولدول المنطقة أيضا، منها أن نهضة تركيا الاقتصادية والعلمية والعسكرية أصبحت مصدر قلق لكل من إيران والكيان الصهيوني والفرنسيين والأمريكيين والبريطانيين.

وهناك خشية كبيرة بعدما أصبحت تركيا ملاذا آمنا لكل المظلومين في العالم، مما يجعل مشروع تدمير وتقسيم المنطقة لدويلات دينية وقومية في أدراج الرياح، وما تحققه تركيا في مجال إنقاذ العالم من المجاعة وأزمة الغذاء والطاقة، ولا سيما أوروبا، يزعج من خطط للحرب الأوكرانية الروسية، إذا ما أخذنا بنظر الاعتبار خطوة السلطات التركية في دمج الأطفال الأوكرانيين والروس بمدارس واحدة في تركيا.

وبالتالي نحن أمام دور ريادي يواجه منظومة العبث والإرهاب في العالم وفي منطقتنا، وهذا يجعل تهديدات المشروع النووي الإيراني إعلامية فقط، أما الاستهداف الحقيقي فهو لتركيا، ولن يقف الاستهداف عندها وإنما سيشمل دول المنطقة العربية أيضا، وفي مقدمتها المملكة العربية السعودية التي يتوجب عليها قراءة الأحدث في المنطقة ووضع آليات للتصدي والنهوض لها ولشعوب المنطقة؛ عبر القوى الحقيقة التي تملك الأرض والجمهور والحق، لإنتاج مشروع إيقاف الانهيار والتصدي وإنقاذ أنفسهم والمنطقة.
التعليقات (0)