هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
يُرجع محللون أسباب اندلاع الاحتجاجات الشعبية في إيران على خلفية وفاة الفتاة مهسا أميني في 16 أيلول (سبتمبر) الماضي، بعد توقيفها من جانب شرطة الأخلاق الإيرانية، إلى جملة السياسات السياسية والاقتصادية والدينية والاجتماعية التي ينتهجها النظام الإيراني في إدارة شؤون الدولة، والتي أحدثت شروخا كبيرة بين النظام الحاكم وقطاعات واسعة من الشعب الإيراني.
ووفقا لمراقبين، فإن من أبرز أسباب اندلاع تلك الاحتجاجات، وتوسع رقعتها الجغرافية، فرض النظام للشريعة وأحكامها بالقوة، وإكراه عامة الشعب على ذلك، خاصة ما يتعلق منها بالنساء، وإلزامهن بها بسيف القانون، وهو ما سبب سخطا عاما، وأحدث امتعاطا شعبيا واسعا تجاه ذلك، الأمر الذي بقي يعتمل في نفوس عامة الناس بصورة تراكمية، حتى حانت ساعة الانفجار.
سياسة فرض الشريعة بالقوة، وإلزام عامة المواطنين بها بسيف القانون، يثير جملة من التساؤلات حول مدى حضوره في الحالة الإيرانية بوجه خاص، وما إذا كان فرض الشريعة بالقوة يفضي إلى تلك النتائج والمآلات بوجه عام؟ وهو ما يأتي كشاهد على فشل ذلك التوجه، وأنه محكوم بنتائج سلبية ومؤسفة حسب الرافضين لفكرة تطبيق الشريعة وفرضها بالقوة.
في قراءاته للمشهد الإيراني بخلفياته وأحداثه المشتعلة حاليا، لفت الأكاديمي والداعية العراقي، الدكتور محمد عياش الكبيسي، إلى أن "الدين إنما هو إيمان وخضوع طوعي عن وعي وإرادة لله الخالق العظيم سبحانه وتعالى، والإكراه لا يتحقق فيه معنى الدين، بل هو مناقض لمعناه أصلا".
محمد عياش الكبيسي.. باحث وأكاديمي عراقي
وأضاف: "فالإكراه شيء والإيمان أو الدين شيء آخر، ولذلك قال تعالى (لا إكراه في الدين)، والنفوس عادة ترفض الإكراه حتى لو كان على الخير، فما بالكم بنمط حياة متكامل، وأحكام مفصلة في كل شأن من شؤون الناس؟"، مضيفا؛ "إن جيل الصحابة رضي الله عنهم حينما دخل الإيمان في قلوبهم وعيا وحبا وتجربة، صاروا يتمثلون الإسلام حتى غدوا نماذج يقتدى بها، بل تجسد الإسلام نفسه واقعا يتحرك على الأرض".
وردا على سؤال "عربي21" حول مدى حضور ذلك في الحالة الإيرانية؟ قال الكبيسي: "في الحالة الإيرانية، هناك حالة إكراه خانقة ومتعسفة، فلا يوجد في الشرع الإسلامي أي مسوّغ لقتل فتاة لمجرد أنها كشفت عن شعرها، هذا ليس إكراها فحسب، بل هو وحشية وسادية بعيدة كل البعد عن المبادئ الأساسية لديننا الحنيف".
وأردف: "يضاف إلى ذلك حالة التخلف والفقر والظلم، وتبديد الثروات التي اقترنت كلها بالتطبيق الشكلي لهذه الأحكام"، متسائلا: "فما معنى أن تعوم البلاد على بحر من الغاز والبترول والثروات الطبيعية الأخرى، وغالب شعوبها تعيش دون خط الفقر، ثم يقترن كل هذا بمظاهر دينية مشوهة ومشوشة؟".
وطبقا للكبيسي، فإن "الإكراه في الحالة الإيرانية سبب من أسباب اندلاع الاحتجاجات والمظاهرات، لكن ثمة شبكة من الأسباب التي تدفع بالشعب الإيراني إلى الانتفاض على هذه التجربة القاسية والفاشلة"، على حد قوله.
من جهته، قال المحلل السياسي المصري، الباحث في الشؤون الإيرانية، أسامة الهتيمي: "ليس من الموضوعية القول بأن السبب الحقيقي وراء اندلاع الاحتجاجات التي شهدتها إيران أخيرا، هو مقتل الفتاة مهسا أميني، فقد سبق وأن تعرضت العديدات من النساء والفتيات الإيرانيات لانتهاكات، ربما أكثر جسامة مما وقع لأميني، ومع ذلك لم يتحرك الشارع الإيراني بمثل ما تحرك إزاء حادثة أميني".
أسامة الهتيمي.. باحث مصري مختص بالشؤون الإيرانية
وذكر أمثلة لذلك: "مثل ما تعرضت له ندى آغا سلطان، التي قتلت برصاصة في وضح النهار في وقت سابق، وكذلك ثريا أبو الفتحي، التي تم إعدامها لرفضها طلب قاضيها الزواج منها مقابل تخفيف الحكم عليها، وتم إعدامها وهي ابنة العشرين وحامل في الشهر السادس، وريحانة جباري، التي أعدمت لقتلها أحد العاملين في الاستخبارات الإيرانية، رغم أنها فعلت ذلك دفاعا عن شرفها".
ونبه في تصريحاته لـ"عربي21" على ضرورة التفريق بين "أمرين؛ أولهما الدور الذي تقوم به شرطة الأخلاق في إيران من متابعة النساء والفتيات، ومراقبة ملابسهن. والثاني هو القسوة التي تعاملت بها هذه الشرطة مع الفتاة مهسا، والتي أدّت إلى مقتلها. ففيما يخص الأمر الأول، فإن هذا سلوك يومي تمارسه شرطة الأخلاق دون أن يكون سببا لاندلاع احتجاجات تلفت النظر، فيما أن مقتل أميني كان القشة التي قصمت ظهر البعير، أو القطرة التي أفاضت الكيل".
وتابع: "لذا، يمكن عدها مجرد ذريعة فجرت بركان الغضب الذي يكمن في نفوس الشعب الإيراني نتيجة أسباب عديدة، الأمر الذي يدفعنا إلى التأكيد أن الاحتجاجات ليست اعتراضا على القيم والتوجيهات الإسلامية في حد ذاتها، ولكنه احتجاج على الطريقة والأسلوب الذي يمارسه النظام الإيراني لتطبيق هذه القيم، وهو ما يشوه صورة الشريعة الإسلامية بكل أسف؛ لأنه يتعارض مع مبادئ إسلامية ثابتة"، وفق عبارته.
وأشار الهتيمي إلى أنه "على الرغم من خطورة هذه التظاهرات كونها تتعلق بأمر أيديولوجي وليس اقتصاديا كما هو معتاد، إلا أنه لم يكن من السهل على أي من قادة النظام الخروج على وسائل الإعلام ليبرر المعاناة نتيجة العقوبات والمؤامرات الخارجية، وعلى الرغم من خطورة ذلك، غير أنه يمكن أن تكون في الوقت ذاته من أهم نقاط ضعف هذه الاحتجاجات".
وأوضح ذلك بالقول: "فردة فعل بعض العلمانيين في التعاطي مع الأزمة وتحويلها من قضية حقوقية إلى قضية صراع مع القيم الإسلامية، ومعركة تصفية حسابات بدت مظاهرها في حلق بعض الفتيات لشعورهن وخلع حجابهن وحرقه، سيقيم ـ فيما أرى ـ ولو بعد فترة، حاجزا شعبيا من المتمسكين بالقيم الإسلامية، وهم قطاع عريض ليشكلوا مددا اضطراريا لدعم النظام الإيراني".
وعن تقييمه للتجربة الإيرانية في تطبيق الشريعة الإسلامية، وصف الهتيمي "النموذج الإيراني في تعاطيه مع القيم الدينية، والشريعة الإسلامية، بأنه عبر أكثر من أربعين عاما، أثبت أنه نموذج فاشل؛ إذ إنه في الوقت الذي يسعى فيه بمختلف الطرق لفرض الكثير من التوجيهات بالقوة، تلحظ الجماهير أن قادة النظام هم أول المخالفين، وإلا فلماذا كان كل هذا الفساد الذي استشرى في البلاد، والذي كان، بحسب التصريحات الرسمية، هو المسؤول الأول عما وصلت إليه إيران من تدهور اقتصادي؟!".
وفي ذات الإطار، ذكر الكاتب والمحلل السياسي العراقي، الدكتور حيدر سلمان، أن "هذه التظاهرات ليست الأولى، وبالتأكيد لن تكون الأخيرة مع وجود محركات لها في الداخل والخارج"، مضيفا: "كما أن التركيز على كون الحجاب أو تطبيق الشريعة أو العامل الديني فقط كمحرك للتأجيج ليس واقعيا، بل الأسباب كثيرة ومتعددة".
حيدر سلمان.. كاتب ومحلل سياسي عراقي
وأضاف: "ففي الداخل، تبرز طريقة تعامل السلطات معها بشكل يبتعد عن الواقعية، بالإضافة إلى الوضع الاقتصادي الضاغط، ناهيك عن الضغوط الدينية والمجتمعية كلها التي تؤدي إلى تحريك الطبقة الشابة".
وواصل سلمان حديثه لـ"عربي21" بالقول: "أما من الخارج؛ فمع استمرار العقوبات الاقتصادية وتراجع الوضع الاقتصادي وغياب الاتفاق الدولي، واستمرار تحيّن الفرص الغربية لدفع الداخل للتحرك ضد الحكومات، فكلها عوامل تستغل، وهي فرصة ذهبية لإرضاخ النظام في إيران".
وعن مآل الاحتجاجات الحالية، ودور العامل الأيدلوجي الديني فيها، فمن الوارد مع مرور الوقت، حسب سلمان، "تصاعد تظاهرات مضادة (ليس فقط ما تحركه الدولة.. كون النظام عقائديا)، وستظهر فئتان بشكل بارز؛ الأولى فئة الشباب، ستكون مع حركة الاحتجاج ضد الحكومة، والثانية الفئة المتوسطة والكهول، فستكون مع النظام، وربما تصل لدرجة الاحتراب الأهلي لو استمرت طويلا".