هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
تجد الهيئات الصحية في الغرب، ومن بينها بريطانيا، في الأطباء والممرضين القادمين من الدول الأقل نموا وسيلة سريعة لسد النقص المتزايد والمزمن لديها من الطواقم الطبية، كما يجد هؤلاء في ذلك فرصة لتحسين أوضاعهم المعيشية. لكن هذه المسألة تثير جدلا أخلاقيا في بريطانيا، بسبب تأثيرها على النظام الصحي في هذه الدول التي تعاني أصلا من ضعف في أنظمتها الصحية.
وفي هذا السياق، أعلنت الهيئة الصحية الوطنية البريطانية (NHS) أنها وظفت أطباء من خارج بريطانيا وخارج المنطقة الاقتصادية الأوروبية؛ بما يفوق عدد من وظفتهم من داخلها، وخصوصا من دول مثل الهند ومصر اللتين تواجهان نقصا كبيرا في الأطباء.
ووصف وزير الصحة البريطاني السابق جيرمي هانت؛ هذه التعيينات بأنها "مريبة أخلاقيا". كما يصفها الناقدون لهذه السياسة؛ بأنها عملية "تصيد" للأطباء من الدول الأكثر فقرا والدول النامية.
وتشير أرقام المجلس الطبي العام إلى أن 7,377 طبيبا من بين 19,977 طبيبا (أي بنسبة37 في المائة فقط) بدأوا عملهم في بريطانيا عام 2021، هم ممن يحملون مؤهلات بريطانية.
وفي المجمل فإن أكثر من 10 آلاف من هؤلاء الأطباء تلقوا تعليمهم خارج بريطانيا والمنطقة الاقتصادية الأوروبية، بينما كان 9,968 طبيبا من هذه المنطقة.
اقرأ أيضا: بعد آلاف الاستقالات... لماذا لا تستطيع مصر وقف هجرة الأطباء؟
وتواجه المستشفيات البريطانية مشكلة في تعيين المزيد من الأطباء الذين ينهون دراستهم في بريطانيا، حيث لم تشهد أعداد خريجي الطب في البلاد سوى زيادة محدودة بين عامي 2016 و2021 (من 7,180 إلى 7,377)، ما يجعل الاعتماد على استقطاب الأطباء من الخارج هو الحل البديل.
وإلى جانب وزير الصحة السابق، فإن منتقدين يتهمون هيئة الصحة الوطنية بخرق قواعد منظمة الصحة العالمية في تعيين الكفاءات الطبية من دول ذات أنظمة صحية أقل تطورا. وتهدف هذه القواعد للحد من عدد العاملين الطبيين الذين يمكن للدول الغنية اجتذابهم من الدول الأكثر فقرا.
وبريطانيا هي من الدول الأعضاء في المنظمة العالمية؛ الموقعة على مدونة سلوك تتعهد فيه بعدم النشاط دوليا لاجتذاب الأطباء من الدول الفقيرة ضمن "القائمة الحمراء".
ويقول هانت، الذي يرأس اللجنة الصحية في البرلمان، في كتاب جديد، إن "الهيئة الصحية يمكن أن تنهار بدون العاملين الطبيين من الخارج، ويجب أن نستقبلهم بأذرع مفتوحة، لكن الاعتماد على الهجرة من الدول الأكثر فقرا للتعيين في الهيئة الصحية كاستراتيجية طويلة الأمد؛ مسألة مريبة أخلاقيا، حيث أن بلاد هؤلاء الأطباء في أمسّ الحاجة إليهم"، وفق ما نقلت عنه صحيفة الغارديان.
وكان هانت، الذي شغل منصب وزير الصحة بين عامي 2016 و2018 قد تعهد بأن تصل الهيئة الصحية إلى الاعتماد على الأطباء الذين يحصلون على مؤهلاتهم من بريطانيا بحلول عام 2025، لكن يبدو أن هذا الهدف ما يزال بعيد المنال بحسب الأرقام الجديدة.
ويقول طبيب بريطاني متقاعد متخصص في أمراض السرطان؛ إن "تصيد عدد كبير من الأطباء الأجانب" غير أخلاقي، مشيرا إلى أن معظم هؤلاء الأطباء يأتون من بلاد فقيرة، "وهي تحتاجهم بشدة لتقديم الخدمات الصحية الأساسية".
وعلى سبيل المثال، تواجه الهند نقصا في الأطباء يبلغ 600 ألف طبيب، بينما ينقص باكستان 200 ألف طبيب، وهما من أكثر الدول التي يأتي منها الأطباء إلى بريطانيا.
وفي عام 2021 جاء 1,250 طبيبا من مصر، و1,645 من الهند، و1,629 من باكستان، و1,197 من نيجيريا، و522 من السودان.
كما تجتذب بريطانيا المزيد من الممرضين والقابلات، وبلغ عددهم في ذات الفترة 23,408 من ممرضين وممرضات وقابلات. ومعظم هؤلاء يأتون من دول مثل الهند والفلبين.
وتنقل صحيفة الغارديان عن متحدث باسم وزارة الصحة البريطانية قوله: "بينما نشعر بالسعادة لأن هؤلاء الأطباء اختاروا العمل في إن اتش أس، فإننا نعلم أن العالم يعاني للتدريب والتوظيف والمحافظة على قوة عمل صحية كافية ومؤهلة. ولذلك فإننا خصصنا 20 مليون جنيه إسترليني لدعم قوة العمل الصحية في عدد صغير من الدول النامية".
وبحسب المتحدث باسم وزارة الصحة، فإن الأطباء والعاملين الطبيين الأجانب يلعبون دورا في الخدمات الصحية البريطانية منذ عام 1948.
وكانت نقابة الأطباء في مصر قد أصدرت في وقت سابق تحذيرا شديد اللهجة، من مستقبل غامض بانتظار المستشفيات الحكومية بعد ما وصفتها بالأرقام والإحصاءات المفزعة الخاصة باستقالة الأطباء من العمل الحكومي الذي أدى إلى وجود عجز حاد في عدد الأطباء.
وتحت عنوان "نقابة الأطباء تدق ناقوس الخطر"، كشفت النقابة في تقرير لها الشهر الماضي، عن استقالة 11 ألفا و536 طبيبا من العمل في القطاع الحكومي في مصر منذ 2019، مشيرة إلى أنها رصدت استقالة 934 طبيبا منذ بداية العام الجاري حتى 20 آذار/ مارس الماضي.
ورغم صدور القانون 184 لسنة 2020 بإضافة بعض المزايا المالية لأعضاء المهن الطبية، لكن بعد مرور ثلاث سنوات على إصدار الدراسة، كانت الاستجابة محدودة؛ ولم تتحسن أوضاع الأطباء أو بيئة أعمالهم، بحسب تقرير نقابة الأطباء، بل إن الأرقام والإحصاءات تؤكد أن الوضع ما زال سيئا أو أسوأ، وزاد عزوف الأطباء عن العمل بالقطاع الحكومي وتزايد سعيهم للهجرة خارج مصر.
وبحسب نقابة الأطباء المصرية في تقرير آخر صادر عام 2019، فإن أكثر من 120 ألف طبيب مسجل بالنقابة هاجروا للخارج من إجمالي 220 ألف طبيب مسجلين بالنقابة.
اقرأ أيضا: لهذه الأسباب تزداد معاناة أطباء مصر في الداخل والخارج